الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عهد بوتين··· وخطايا ستالين

29 نوفمبر 2008 03:48
ما انفكت الأرض لسنوات مديدة تكشف عن الأسرار المدفونة في هذه المدينة السيبيرية: بقايا ملابس بالية، أجزاء عظام، جمجمة تحمل آثار اختراق رصاصة لها· وهذا ما دفع مؤرخاً يدعى بوريس بي· ترينين إلى تقديم طلبه للمسؤولين· ولكن هل سيسمحون له بالاطلاع على الأرشيف السري لتأكيد أنه كان ثمة بالفعل قبر جماعي يعود إلى عهد ستالين؟ وهل سيساعدونه على تتبع قصة آلاف الأشخاص الأبرياء الذين يقال إنهم نُقلوا من السجن إلى أحد الأودية حيث أُطلقت عليهم النار في الرؤوس ثم ألقي بهم في الوادي؟ الجواب: لا· وقد فهم ''ترينين'' ما بات العديد من المؤرخين في روسيا يفهمونه: أن الموقف تجاه الماضي تغير في عهد فلاديمير بوتين، فالأرشيف الذي كان يريد ''ترينين'' الاطلاع عليه والمحفوظ في الطابق الرابع من أحد المباني في تومسك داخل صناديق مختومة بعبارة ''جهاز الكي· جي· بي- الاتحاد السوفييتي'' سيظل مغلقاً وبعيد المنال· والراهن أن الكريملين في عهد بوتين يحاول التحكم في سرد التاريخ قدر تحكمه في مقاليد الحكم· ففي سعيه إلى استرجاع مكانة روسيا ومجدها الغابر، عمل بوتين ومسؤولون آخرون على تأجيج القومية التي تمجد الانتصارات السوفييتية مع العمل في الوقت نفس على التقليل من شأن فظاعات النظام، أو حتى التغطية عليها· ونتيجة لذلك، بات الاطلاع على كثير من الأرشيفات التي تتضمن تفاصيل أعمال القتل والتعذيب وغيرها من الأعمال القمعية التي ارتكبتها السلطات السوفييتية أمراً غير ممكن· ويبدو دور أجهزة الأمن، بصفة خاصة، حساساً ودقيقاً، ربما لأن بوتين ضابط سابق في جهاز الاستخبارات السوفييتي الـ''كي· جي· بي·'' وأدار الوكالة التي خلفته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الـ''إف· إس· بي·''، في أواخر التسعينات· بيد أن إغلاق هذه الأرشيفات بالنسبة للمؤرخين مثل ''ترينين'' يعكس حقيقة أكبر· فروسيا، كما يقول هؤلاء المؤرخون، لم تتعامل بشكل كامل أبداً مع خطايا الشيوعية ولم تكشف عنها، ولم تنخرط في عملية ''حقيقة ومصالحة'' على غرار تلك التي أطلقتها بلدان أخرى، مثل جنوب إفريقيا، بعد سقوط الأنظمة السابقة· ومما لاشك فيه أن ثمة أسباباً عديدة لهذا الأمر، من بينها حقيقة أن روسيا مرت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بفترة اضطرابات وفوضى اقتصادية وكان همّ الناس الوحيد حينها تأمين لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة· ولكن الآن، وقد باتت البلاد أكثر استقراراً، ما زال الكريملين يواصل تحركه نحو مزيد من السرية، حيث يميل إلى أن يكون أكثر عدائية نحو الأشخاص الذين يريدون دراسة الجوانب الأحلك من الحكم السوفييتي، كما لو أن المحاولات لتقديم حقيقة صورة الاتحاد السوفييتي ستضر بسمعة القيادة الحالية· وفي هذا السياق يؤكد ترينين: ''إن روسيا نهضت بعد أن كانت جاثية على ركبتيها، ولهذا علينا أن نكون فخورين بماضينا· والحال أن موضوع القمع والاضطهاد في عهد ستالين موضوع قاسٍ ومظلم وأبعد ما يكون عن البطولية· ثم يقولون إنه لهذا السبب بالضبط ينبغي طرح هذا الماضي جانباً بشكل تدريجي· ويقولون كذلك إنه كلما كانت معرفتنا قليلة بتلك الفترة، كلما كانت حياتنا أحسن''· على أن هنالك آراء ومواقف مماثلة وردت في حوارات مع أكثر من عشرة مؤرخين عبر التراب الروسي، جميعهم قالوا إنهم كانوا يتمتعون في التسعينات بإمكانية الاطلاع بشكل أكبر على أرشيف الـ''كي· جي· بي'' وأجهزة أمنية أخرى· وتحدثوا عن السنوات التي تلت سقوط الاتحاد السوفييتي مباشرة باعتبارها فترة العصر الذهبي بالنسبة للبحوث الأكاديمية في هذا المجال، مضيفين أنه كانت تتاح لهم فرصة الغوص في جوانب من التاريخ طالما كانت مخفية ومحجوبة عنهم· ويقول ''ترينين'' في هذا الصدد: ''كانت ثمة فترة حيث كنا نذهب إلى الأرشيف كما لوكنا ذاهبين إلى مكاتب عملنا''· أما في عهد بوتين -يتابع المؤرخون- فإن هذه السجلات باتت غير متاحة عموماً· يذكر أن بوتين، الذي كان رئيساً للبلاد لولايتين، يشغل اليوم منصب رئيس الوزراء بعد أن نصَّب دميتري ميدفيديف خلفاً له في مايو الماضي· ويرفض المسؤولون في الأرشيفات الأمنية، التي يخضع أغلبها اليوم لمراقبة الـ''إف· إس· بي'' ووزارة الداخلية، طلبات الباحثين من أجل الاطلاع عليها، بدعوى ضرورة حماية أسرار الدولة والخصوصية الشخصية (على رغم أن الأغلبية الساحقة من الأشخاص المذكورين في السجلات من عهد ستالين متوفون بالطبع)· بل إن مدير أرشيف الـ''إف· إس· بي'' في موسكو فاسيلي كريستوفوروف يقول إن كل السجلات المتعلقة بـ''طرق وأساليب النشاط التحقيقي العملي'' لن ينزع عنها طابع السرية أبداً· والواقع أن منع الوصول إلى أرشيفات الاتحاد السوفييتي لم يحبط فقط التحقيقات حول الأحداث التي جرت في عقد الثلاثينات في عهد ستالين، حين تم إعدام ملايين الأشخاص أو قضوا في معسكرات السجون، وإنما منعت المؤرخين أيضاً من أن يبنوا فهماً أفضل لجوانب أخرى من القمع السوفييتي، مثل التحرش بالمنشقين وترحيلهم إلى حدود عقد الثمانينات· كما تسبب في ازدياد التوتر بين روسيا وجيرانها· فقد رفض الكريملين مؤخراً، على سبيل المثال، طلبات من بولندا بالإفراج عن وثائق تتعلق بمذبحة قتل فيها 22000 ضابط بولندي وغيرهم في غابة كاتين وأماكن أخرى من روسيا إبان الحرب العالمية الثانية· ويذكر هنا أن السوفييت كانوا على مدى عقود يحمِّلون النازيين مسؤولية أعمال القتل تلك، ولكن ميخائيل جورباتشوف كان أول زعيم يعترف بأن أجهزة الأمن السوفييتية هي التي نفذتها· كليفورد ليفي- موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©