الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأحزاب إلى المتحف أم إلى المقبرة؟

13 فبراير 2006

'الاتحاد' - خاص:
في أكثر الأحيان، الحزب يكون رجلاً· حتى أن الكاتبة الفرنسية 'هيلين كارير دانكوس'، المتخصصة في الشؤون الروسية، تقول إنه لولا 'فلاديمير ايليتش لينين' لاستخدمت الماركسية في روسيا علفاً للمواشي· ولكن ماذا يفعل الرجال حين تتآكل الأحزاب إلى هذا الحد· لا أيديولوجيا ترتكز إليها، ثم أن الايقاع الذي يأخذه الزمن الراهن لا يترك فرصة للتأمل· سأل الكاتب الأميركي 'نورمان مايلر': 'كم هي المسافة بين العقل و··· طبق الهمبرغر؟'·
هل حقاً أن العقل يتماهى مع الحاجة الماسة، حتى ولو كانت هذه الحاجة الطعام؟ إذاً، المفاهيم تنقلب· الرأي العام لم يعد كتلة ضخمة· إنه يتبعثر· يدار من قبل خبراء التسويق، والأحزاب إما إلى المتحف أو إلى المقبرة·
'الاتحاد' تستعيد بعض اللقطات من وضع الأحزاب والرأي العام وطرق التسويق:
رجل ·· وامرأة
لأما الناس، فقد قال 'ارنولد توينبي' انهم عوملوا دوماً كفتات للتاريخ إلى أن اندلعت الثورة الفرنسية باقانيمها الثلاثة المقدسة (حرية، إخاء، مساواة)· بدا كما لو أن الجنس البشري ولد في تلك اللحظة، ولكن سرعان ما ظهر 'نابليون بونابرت' ليعيد الايقاع اياه إلى ما كان عليه·
دائماً، ابحثوا عن 'يوليوس قيصر'، وقد توج رأسه بالغار· لا أحد هناك غيره، حتى إنه عندما 'وجد' الاسكندر ذو القرنين يذكر العامة أن 'اريسطو' اياه، بمنطقه الصوري وبقوانينه الفلسفية التي طالما قيل إنها تمثل عبقرية ما فوق بشرية، كان يمسك بلجام حصان القائد الاغريقي، وهو الحصان الذي قيل إنه كان يشبه الزمن المجنح·
الآن، يقال إن المؤسسات اصبحت أهم بكثير من الرجال، وعلى هذا الاساس يميل الناس الى انتخاب الرجال الذين يشبهونهم مثل هؤلاء اقل قابلية للمجازفة، ثم انهم يرصدون الهموم بصورة افضل، ويقدمون الاطروحات البسيطة· حتى أن الفلسفة نفسها تبدو وقد تلاشت· بالكاد نستطيع أن نحفظ بعض اسماء الفلاسفة في زماننا هذا· عربياً لا تبحثوا عن 'ابن رشد' و'ابن الهيم' و'الخوارزمي' و'الرازي' هذه اسماء قديمة ·· الأجيال، ما عدا الاستثناءات، تحفظ عن ظهر قلب الاسماء التي تظهر على الشاشات·
التزلج على ظهور الإبل
زمن لا يصلح للتأمل· ولماذا التأمل ما دام هناك من يتولى حتى هندسة أطباق الطعام· الايقاع سريع جداً· الاختيارات سريعة أيضاً· ومع أن تقنيات المعرفة تنتشر على نحو مثير، أي معلومة في كل العلوم، بل وفي كل القطاعات بين يديك· ومع ذلك، يقول الاستاذ في جامعة هارفارد 'جون فرانكلين': 'زمن ممتلىء ورؤوس فارغة'، مشيراً إلى أنه جاء بعينة من عشرة رجال وعشر نساء·· هؤلاء ينتمون إلى طبقة معقولة: موظفو مصارف، مدرسون، أصحاب محال تجارية، الخ·· ووجه اليهم اسئلة بسيطة مثل: 'أين يقع العراق؟'· النتيجة كانت مزرية جداً· بين العشرين هناك ثلاثة حددوا بدقة أين يقع· أربعة قالوا انه على حدود الكويت فقط (ولكن أين هي حدود الكويت)·· الآخرون قدموا إجابات تصدم فعلاً إلى الحد الذي حمل 'فرانكلين' على القول: 'الجواب الوحيد الذي لم يرد على لسان الأشخاص الثلاثة عشر هو: ان العراق يقع في أميركا اللاتينية'·
اللامبالاة هي سمة الكثيرين داخل المجتمع الأميركي· في أوروبا يمكن أن تلمس هذا· أصدقاء صحافي الماني ذهلوا حين قال لهم انه ذاهب إلى لبنان للتزلج· سألوه ما إذا كان سيتزلج على ظهور الابل· هذا مع أن الصور عن لبنان· وبسبب الأحداث الدراماتيكية التي تتلاحق فيه، تملأ الشاشات·
لماذا أفكر؟
كان عالم الاجتماع الفرنسي 'بيار بورديو' يسأل: 'أين الناس؟'· وكان يجيب: 'اسألوا جنرال موتورز'، كتدليل على أن الثقافة الراهنة هي التي تقوم بتصنيع الناس، وفق مقاييس أو معايير معينة، فيما الناس كانوا هم الذين يصنعون الثقافة لم يتغير الدماغ البشري نحو الأسوأ· المختبرات تصنع المعجزات إن في التكنولوجيا أو في البيولوجيا· شيئاً فشيئاً يتضاءل أو يتآكل المستحيل· لكن الواضح أن ذلك الدماغ يملأ باشياء كثيرة· وثمة عديدون يستسيغون هذا الوضع· يقول الأميركي: 'لماذا أفكر؟'· والحقيقة أن مثل هذا السؤال يطرح في أمكنة مختلفة من العالم المؤسسة هي التي تعمل لم يعد الخيال يصنع نوعاً معيناً من الرجال· هنا تبرز مشكلة الأحزاب في الغرب بصورة خاصة· في مناطق أخرى تبدو الأحزاب وكأنها متاحف الشمع، إلا في حالات نادرة جداً·
هل حقاً إنه منذ أن بدأت الأمبراطورية الأميركية تضع يدها على الكرة الارضية حل 'الحلم الأميركي، أحياناً بتداعياته المأساوية، حل أي حلم آخر· كانت أحزاب عربية، على سبيل المثال، قد عاهدت 'يعرب بن قحطان' وصحبه، أن تصنع الوحدة العربية· كان هذا حلماً على اكتاف اجيال عديدة· عادة ينتهي الرومانسيون إما في المصحات العقلية أو في الظل أو اليأس· أحياناً كثيرة في الندم· أين هو الحزب العربي الآن الذي يقول بالوحدة العربية·· بعيداً عن المد الأصولي الذي يأخذ أشكالاً مختلفة· الأحزاب في العالم العربي تحولت، سريعاً، إلى هياكل عظمية· حتى أن المصطلحات، اياها التي كانت تتردد أيام زمان تبدو وكأنها أضحت مصطلحات من العصر الحجري·
المثير أن استاذاً جامعياً في لشبونة جمع حوله ثلة من مريديه، وقال بخط ايديولوجي يوصل، فعلاً، إلى العصر الحجري· أعضاء الحزب يجتمعون في مغارة اصطناعية، وهم يرتدون ورقة التوت أو ملابس بدائية وقد أرخوا لحاهم· أي لغة يستخدمون؟ أصوات مبهمة، ولكن سرعان ما تبين إخفاق التجربة لأن أعضاء الحزب يضطرون لاستخدام الباصات في الوصول، كما أنهم لا يستطيعون، وقبل بلوغ باب المغارة، إلا أن يرتدوا ملابس عادية، كما انهم يدفعون رسوم المغارة لبلدية المدينة·
هذا نموذج ساخر لما آلت اليه الأحزاب في أوروبا التي طالما اعتبرت بمثابة الفردوس الحزبي· الأحزاب الشيوعية شهدت ذروة توهجها، الأحزاب الاشتراكية، والأحزاب الديموقراطية المسيحية· لعقود خلت كانت هناك رؤى سياسية واجتماعية معينة· الآن، الاختلافات تقنية، وغالباً ما ترتبط بما تقوله الأرقام· في برلين يسألون الآن: أيهما ذاب في الآخر·· حزب 'غير هارد شرويدر' أم حزب 'انجيلا ميركل'؟
المشكلة في فرنسا تبدو أشد وضوحاً، فعلاً هناك صعوبات في تحديد الفارق· حزب 'الاتحاد من أجل الحركة الشعبية'، وحزب 'التجمع من أجل الجمهورية'، ثم 'الحزب الاشتراكي'· لابد من الرصد المجهري للخلافات أو للاختلافات الايديولوجية· تقول 'لوكنار انشينه' ان الفارق بين هذا الحزب او ذاك هو الفارق ذاته بين التفاحة الحمراء والتفاحة الصفراء· النكهة تختلف قليلاً· المسألة دوماً تعتمد على نوعية الرجل· على الفرنسيين أن يختاروا حتى داخل البيت الواحد: 'دومينيك دو فيلبان' أم 'نيكولا ساركوزي'؟
الغزل بواسطة العصا
الفرنسيون، رغم كل هذا، ما زالوا متمسكين ببعض الأصول الحزبية· هناك منظرون يكتبون على صفحات الجرائد ويطرحون الأفكار· مرة أخرى، تقول الصحيفة الساخرة: 'إن دو فيلبان يغازل زوجته بواسطة الفلسفة، ساركوزي بواسطة العصا'· هل هذا هو السبب الذي جعل زوجته 'سيلينا'تبتعد بتلك الصورة المثيرة، وكادت تحطم جزءاً شديد الحساسية من ارثه السياسي؟
مثلما التاريخ رجل او امرأة، هكذا الحزب· بات الناس يعنون بالشخص· أفكاره، ربطة عنقه، زوجته، أطفاله، وأحياناً أي نوع من الكلاب يحب· هذه مسألة دقيقة بالنسبة إلى الفرنسيين لأن الكلب موجود في كل بيت· إذا لم يكن موجوداً لابد أن تكون هناك مشكلة حضارية· ولكن لنتذكر أن الرئيس 'جورج دبليو بوش' لا يتخلى عن كلبه في أكثر الأوقات حساسية· كان المهرج الفرنسي الشهير 'كولوش' يقول: 'نصطحب الكلاب لنبرر انسانيتنا'· يصل إلى ما هو أبعد من ذلك: 'كيف تعرف ان هذا السياسي الذي يقف أمامك انه إنسان إذا لم يجر كلبا'··
أجل، في أوروبا تطرح الأفكار على اليافطات· الرئيس 'فرنسوا ميتران' اتخذ له شعاراً 'القوة الهادئة'· رئيس الوزراء الايطالي 'سيلفيو برلسكوني' قال بالــ ءخءةجءشة ءغزءئ، أي القوة الايطالية· ولكن لنتابع الإعلانات التي تنشر في الولايات المتحدة ابان المعركة الانتخابية· هناك مبدأ الــ 'ماركيتينغ' بكل معنى الكلمة· تقدم المرشح للرئاسة كما لو أنك تقدم آخر طراز من السيارات·
قرع الطبول
البعض يقول إنه زمن الناس· ثمة رأي عام يتشكل· حتى وإن كان 'برنارد شو' يسخر من هذه العبارة: 'انهم يقرعون الطبول بالملاعق'· الهموم أصبحت ضاغطة جداً، الفارق بين حزب وحزب هو الضرائب، والخدمات الاجتماعية، والاجهاض· مسائل بديهية· لا، لا، لم يعد هناك من مكان للايديولوجيا التي تقول بتغيير التاريخ، أو بتغيير المجتمع·
رغم كل شيء، تبقى هناك الكاريزما الشخصية· لماذا انتخب الأميركيون 'بيل كلينتون'·· هل لأنه ديموقراطي؟ الولايات المتحدة نموذج متخلف نسبياً· الطريقة التي يتم بها التسويق مؤثرة· كثيرون في العالم، وصولاً إلى العراق الذي شهد انتخابات تمثيلية أخيراً، يحاولون تقليد 'الموضة الأميركية'· التسويق· كيف يتم تصنيع رئيس للجمهورية؟ في أكثر من مكان تتم الاستعانة بخبراء في الإعلان، شاشات التلفزيون جاهزة لتحويل 'هولاكو' إلى··· 'المهاتما غاندي'! هل الأمور سهلة إلى هذا الحد؟ البداية تكون بتصنيع الرأي العام الذي لا يمكن البتة فصله عن التأثير التلفزيوني· تجرى استطلاعات الرأي قبل المناظرات أو بعدها· في معظم الأحيان، النسب تتحرك زئبقياً، ربطة العنق، لون الملابس· شكل الابتسامة، أي حركة، حتى الديكور يؤخذ بالاعتبار، مع أن الغرب شهد رجالاً بارزين جداً دون الحاجة إلى مثل هذه الأشياء· لم يكن 'شارل ديغول' يتمتع بكاريزما شخصية· انجازاته الاستثنائية هي التي فعلت ذلك، كما أن العديد من الصحف الأميركية كانت تصف 'ونستون تشرشل' بأنه عبارة عن 'سيجار' أما الباقي فهو عبارة عن كتلة من اللحم الانجليزي البارد· بالطبع أن دماغ السير 'ونستون' هو الذي جعل الرئيس 'فرنكلين روزفلت' يقول إنه كلما استمع إليه كلما شعر أن حاسة البصر لديه أصبحت أفضل· مع ذلك، الرجل الذي أدار الحرب بطريقة فذة، والذي كان أحد النجوم الثلاثة في قمة يالطا، سقط أمام 'كليمانت آتلي'، هوذا الرأي العام يحطم رجلاً صنع له المجد·
المتحف أو المقبرة
مع ذلك، لا أحزاب الآن، بل رجال ونساء· يرتفع الحزب بارتفاع الرجل أو المرأة· كان حزب المحافظين في بريطانيا بدأ يفقد بريقه، وفاعليته، لولا 'مارغريت تاتشر'· في كل مكان الآن، الأحزاب تضمحل، يقول 'ريجيس دوبريه': 'البعض إلى المتاحف والبعض الأكثر إلى المقبرة'· عادة توجد الأحزاب من أجل وضع استراتيجيات محددة تعمل على تطبيقها في الواقع· الذي يحدث انه في ظل التغيرات المثيرة، فإن اللحظة السياسية باتت أسيرة العملية الاقتصادية· تماماً كما كان يقول 'آتيلا' الجبار لجنوده 'سوف تمتلئ بطونكم بالذهب'· الاشياء الاخرى لم تعد تعني شيئاً· الحرب من أجل البطولة، للجنرال الأميركي الشهير 'جورج باتون' هذه العبارة: 'وراء هذا المهرجان·· ثمة حفنة تراب بانتظارك'، هل بات العالم براغماتياً ويائساً إلى هذا الحد؟ بواقعية شديدة، يقول رجل الإعلان الايطالي 'فيتوريو رافانو': 'فكر قليلاً واصنع من الضفدعة ثوراً'· عنده العكس ممكن أيضاً، لا شيء يقف في وجه التسويق ما دام جبل الجليد، أي التارخ، أي الايديولوجيا، قد ذاب إلى ذلك الحد·
كيف تدار الدول إذاً؟ المؤسسات المالية والاقتصادية والصناعية والتجارية هي التي حلت محل الأحزاب· لابد أن يكون هناك رجل ما يتولى إدارة اللعبة· ماذا إذا لم يكن ذلك الرجل بحجم اللعبة؟ ثمة نماذج كثيرة· بكل بساطة، مجتمعات تتقدم، مجتمعات تتعثر وأخرى ضائعة بانتظار رجل يتلقطها· أما الرأي العام فهو، حسب رأي الكاتب الفرنسي 'جاك جوليار': 'مستودع فضفاض ترتطم فيه علامات التعجب بعلامات الاستفهام'؟
مع ذلك تابعوا استطلاعات ··· الرأي العام!
'أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©