الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصراع السوري... يهدد إنجازات تركيا الاقتصادية

الصراع السوري... يهدد إنجازات تركيا الاقتصادية
19 مايو 2013 22:53
سونر كاجابتاي - مدير برنامج البحوث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جيمس جيفري - سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق عندما التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان الرئيس الأميركي أوباما في البيت الأبيض يوم الخميس الماضي، كان الموضوع الأكثر إلحاحاً على أجندة الاجتماع هو الحرب المحتدمة في سوريا والتي تمثل بالنسبة لتركيا تهديداً لم يسبق أن واجهت تهديداً على مستواه منذ مطالبة ستالين بالحصول على أراض تابعة لتركيا عام 1945. وفي عام 2011، قطعت الحكومة التركية جميع علاقاتها مع حكومة الأسد، وبدأت في تقديم يد العون لمجموعات المعارضة السورية الساعية لإطاحة حزب «البعث» وعائلة الأسد من السلطة. لكن هذه السياسة فشلت حتى اللحظة الحالية، وعرضت تركيا لمخاطر متنامية كان آخرها الهجومين الدمويين في مدينة الريحانية التركية الحدودية اللذين شُنّا على الأرجح من قبل القوات الموالية للأسد انتقاماً من الدعم التركي للمعارضة السورية. كانت الميزة الرئيسية التي تميزت بها تركيا خلال العقد الماضي تتمثل في شهرتها كدولة مستقرة في منطقة تعاني من عدم الاستقرار. ففي نوفمبر 2012 قامت مؤسسة فيتش العالمية للتصنيفات بتنصيف السندات التركية في المرتبة الاستثمارية لأول مرة منذ عام 1994. وكانت شهرة تركيا العالمية الحسنة المتزايدة قد أزالت مشكلة اقتصادية مزمنة عانت منها طويلا تمثلت في نقص المال. وأدى التدفق المنتظم من الاستثمارات الأجنبية على مدى عقد من الزمن إلى تمكين تركيا من تحقيق نمو اقتصادي باهر تجاوز في بعض الأحيان نسبة 8 في المئة سنوياً، وساعد على انضمام تركيا إلى مجموعة الدول العشرين الصناعية الكبرى في العالم. وبفضل ذلك، أصبحت تركيا دولة تنتمي الغالبية العظمى من سكانها إلى الطبقة الوسطى لأول مرة في تاريخها، الأمر الذي ساعد «حزب العدالة والتنمية» الذي يرأسه أردوجان على الفوز بثلاثة انتخابات متتالية منذ أن صعد إلى سدة السلطة في عام 2002. لكن الحرب في سوريا تهدد تلك المكاسب الاقتصادية المهمة، كما تهدد المستقبل السياسي لأردوجان ذاته. وتركيا لن تكون بمنأى عن التداعيات التي ستنتج عن تحول سوريا إلى دولة فاشلة على غرار الصومال، أو عن الأذى الذي يمكن أن تلحقه بها بقايا نظام الأسد الساعي للانتقام منها على مساعداتها للمعارضة والتي قد تؤدي إلى سقوطه. وتركيا تنمو لأنها تجتذب رؤوس الأموال الأجنبية، وهي تجتذب رؤوس الأموال الأجنبية لأنها مستقرة، وبالتالي فإن أي تداعيات ناتجة عن مآلات الحرب في سوريا، سوف تعرّض مكاسبها للخطر الذي يمكن أن ينتج عن احتمال انتهاء معجزتها الاقتصادية.ويوجد في تركيا مجتمع من العلويين العرب، يبلغ تعدادهم نحول 500 ألف نسمة، يساندون أقاربهم وأبناء طائفتهم في سوريا، باستثناءات قليلة، ويقفون مع نظام الأسد ضد المعارضة المسلحة بقيادة السنّة. وهذا الصراع الطائفي يهدد بالتسرب عبر الحدود إلى تركيا، ويضع مقاتلي المعارضة السوريين، والأتراك السنة، في مواجهة العلويين المواليين للأسد، خصوصاً في محافظة هاتاي الواقعة في أقصى جنوب تركيا حيث يتركز العلويون. وهناك أيضاً مخاطر تتمثل في نشر الأسلحة الكيماوية، وانتشار العناصر السامة فوق الأراضي التركية، كما أن قرب مقاتلي «القاعدة» في سوريا من تركيا يمثل تهديداً لاستقرارها الذي تباهت به طويلا وكان أساس نجاحاتها الاقتصادية الباهرة. وقد أدت الحرب السورية أيضاً إلى إيقاظ المجموعات العسكرية الماركسية النائمة في تركيا منذ فترة طويلة. ومن المعروف أن تلك المجموعات تعارض أي سياسات تركية ترى أنها تخدم المصالح الإمبريالية. وفي الثاني من فبراير الماضي شنت تلك الجماعات عدداً من الهجمات، منها هجوم على السفارة الأميركية في أنقرة. وتقول وسائل الإعلام التركية إن هذه الجماعات الإرهابية، وبالتعاون مع عناصر من نظام الأسد، قد تكون وراء هجومي الحادي عشر من مايو الحالي في مدينة الريحانية التركية، والذي أسفر عن مصرع 51 شخصاً. وهذا خبر سيء بالنسبة لمحاولة أردوجان المتعلقة بإعادة صياغة النظام السياسي التركي، بحيث يتحول إلى نظام يتمتع فيه الرئيس بسلطات قوية على غرار ما هو قائم في فرنسا. وكان أردوجان قد قام بتحييد جميع المنافسين السياسيين الأقوياء من طريقه، وتمهيد المسرح السياسي كي ينتخب رئيساً عام 2014. في هذا الإطار قام بالتصالح مع «حزب العمال الكردستاني» (بي. كيه.كيه)، وهي خطوة كانت تعتبر من المحرمات غير القابلة للتفكير فيها منذ سنوات قليلة. فمن خلال توقيع عملية سلام مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، يكون أردوجان قد أمّن فعلياً الاستقرار الداخلي في البلاد في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في عام 2014، وضمن لنفسه على الأقل تأييداً كردياً. ومع ذلك فإن حدوث تراجع اقتصادي بسبب تداعيات الأزمة السورية يمكن أن يفسد خططه. وأردوجان يعرف أنه ما لم يتمكن من تأمين مساعدة أميركية أكبر ضد نظام الأسد، فقد تصبح تركيا أكبر دولة خاسرة من جراء الوضع في ذلك البلد المجاور لها، ويجعل أردوجان نفسه أكبر خاسر في صندوق الاقتراع، إذا لم يتمكن من الحصول على أغلبية مطلقة في انتخابات العام المقبل. ويعد هذا خبراً سيئاً للولايات المتحدة أيضاً، والتي تنظر لتركيا على أنها واحدة من الدول القوية والمستقرة التي تشكل أعمدة للقيم الغربية في المنطقة. وتؤمن الحكومة التركية بأنه ما لم يتحول ميزان القوى في الصراع السوري لصالح المعارضة المسلحة الآن، فإن الصراع في سوريا سوف يتحول إلى حرب طائفية أهلية ممتدة تجر معها مقاطعة هاتاي بأغلبيتها العلوية ومعها بقية تركيا لأتون الصراع. فقط هي واشنطن القادرة على تغيير هذه المعادلة. وعقب الاجتماع السادس من شهر مايو بين أوباما وأردوجان يمكن القول إن هناك خيارين مطروحان على الطاولة: الأول إدخال عنصر القوة الأميركية للمعادلة من خلال تسليح المعارضة. والثاني: فرض منطقة حظر طيران. والعنصران سوف يؤديان لتغيير الديناميكية العسكرية والإقليمية، وسيساعدان على توحيد «أصدقاء سوريا» -الذين غالباً ما يتنازعون فيما بينهم- خلف القيادة الأميركية. فالانخراط العسكري الأميركي المباشر وحده هو الذي سيؤدي لحشد قوى الأحزاب المتفرقة والمشتتة الراغبة في العمل ضد الأسد، وتوحيد جهدها. وقد قدمت حربا الكويت والبوسنة نموذجين دالين بشأن أهمية القيادة الأميركية. فهذه القيادة هي التي ستغير من ميزان القوى لصالح المتمردين، وتوفر في الآن ذاته غطاءً دبلوماسياً لتركيا يساعدها على مواجهة غضب إيران وروسيا اللتين تقفان وراء نظام الأسد وتمدانه بالسلاح والمعدات والدعم الدبلوماسي. إن الانخراط الأميركي الأكثر حسماً هو الذي سيؤدي في وقت واحد لإنهاء الشكوك حول مدى التزام الولايات المتحدة بحل الأزمة السورية، وهو الذي سينقذ تركيا من الانجرار أكثر لمستنقع الصراع، الذي يهدد بإضاعة التقدم الذي نجحت في تأمينه تجاه حل الصراع الكردي، ويقوض الإنجازات الاقتصادية الداعية للإعجاب التي حققتها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©