دعَا النعمان بن المنذر ملك المناذرة بحلة نفيسة وعنده وفود العرب من كلّ حيّ، وفيهم أوس بن حارثة الطائي، فقال لهم: احضروا غداً فإني مُلبسٌ هذه الحلّةَ أكرمَكُم!، فحضر القوم إلا أوْساً، فقيلَ له: لمَ تَتَخلّف؟ فقالَ: إنْ كانَ المراد غيرِي فأجمل الأشياء بي ألّا أكون حاضراً، وإنْ كنت المرادَ فسأُطْلَب، فلمّا جلس النعمان ولمْ يرَ أوساً قال: اذْهبُوا إلى أوس فقولوا له: احضُر آمناً مما خفْتَ، فحضرَ فأُلْبِس الحلّةَ، فحَسِدَه قومُ من أهله، فقالوا للحطيئة: أهْجُه ولكَ ثلاثمائة ناقة، فقال: كيفَ أهجو من لا أرَى في بَيتي أثاثاً ولا مالاً إلا منْ عندِه؟! ثم أنشدَ قائلاً:
كيفَ الهجاءُ وما تنْفكُّ صالحةٌ
منْ آل لأمٍ بظهرِ الغيبِ تأتِيني
فقالَ لهم بِشر بن أبي حازم: أنا أهجوه لكم، وفعَل فأخذَ الإبلَ جائزةً له، فأغارَ أوسٌ عليهَا واكتسَحَها وطلبَه فجعلَ لا يستجيرُ حياً من أحياء العرب إلا قالوا له: قدْ أجرنَاكَ من الجنِّ والإنس إلا من أوس!
فكأنّ في هجائِه إياهُ ذكرَ أمّهُ فلمْ يلبثْ إلا يسيراً حتّى أُتِي به أسِيراً، فدخلَ أوس إلى أمّه واسْتشارها في أمْره، فقالت: أرَى أنْ تَردَّ عليه مالَه وتعفوَ عنه وتحْبُوه! وأفعلُ أنا مثل ذلك، فإنّه لا يغسل هجاءَه إلا مدْحُه، فأخبرَه بمَا قالتْ: فقال: لا جرم، واللهِ لا مدحتُ أحداً حتى أموتَ غيرَك، ففيه يقول:
إلى أوس بن حارثة بنَ لأمِ
ليقْضِي حاجَتِي فيمنْ قضَاهَا
وما وطئَ الثّرى مثل ابن سعدى
ولا لَبس النّعال ولا احْتذَاهَا!
لبنى ديب