الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هند والعسكر، الضحية عندما تتقمص دور الجلاد

13 فبراير 2006
من يقرأ رواية الكاتبة السعودية بدرية البشر 'هند والعسكر' الصادرة عن دار الآداب في بيروت، ويتوهم أنها أعطتها هذا الاسم لمجرد أن بطلتها تزوجت من عسكري استبد بها قبل ان يطلقها يكون -كما يبدو- قد توصل إلى قسم من الحقيقة لا الحقيقة كلها·
فعالم رواية بدرية البشر الروائية والقاصة والكاتبة حافل بأنواع من العسكر· وصفوف هؤلاء العساكر الذين يتسلطون على المرأة تضم أنواعا مختلفة من الناس الذين نادرا ما يتساوون في شيء او تجمعهم سلطة يتمتعون بها جميعا سوى قدرتهم على الهيمنة على المرأة والتحكم بها·
ففي هذه الرواية التي تتناول الحياة الاجتماعية في المجتمع السعودي -ومدينة الرياض في شكل خاص- نجد في الحالات الغالبة ان للأب وللزوج وللإخوة حتى من هم اصغر سنا من شقيقاتهم وللأخوال والأعمام وأبنائهم وسائر الانسباء القريبين، سلطة تتجاوز احيانا كثيرة حدود العقلية المحافظة المحتشمة لتصل الى القمع والعنف اللذين يعتبرهما قسم من المجتمع فضيلتين·
ظلم ذوي القربى
وإذا كان ظلم ذوي القربى 'اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند' كما قال الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، فان هناك بين ظلم ذوي القربى ما لا يساويه اي ظلم آخر وهو ظلم المرأة للمرأة، خاصة اذا كانت المرأة الظالمة أما·
وصورة الام تقع ضمن وصف 'الرؤوم' و'الحنون' لكن يبدو ان سلسلة من المظالم التاريخية المتعاقبة تجعل المرأة بل الأم أحيانا قاسية بينما يبدو الأب أحيانا كما في الرواية أكثر تسامحا منها·
الرواية تبدأ بداية فنية مميزة لكنها على أهمية ما طرحته لم تحافظ من الناحية الفنية على مستوى انطلاقتها اذ سرعان ما يتحول قسم كبير من مادة الرواية الى تراكم لا يضيف كثيرا اليها بل يعيد ما سبق وإن بصور مختلفة، لكن شفعت بهذا قدرة الكاتبة على السرد والوصف·
في البداية تبرز قدرة الكاتبة على الوصف التصويري بشكل فيه من العمل 'الفسيفسائي' تلك القدرة على 'التجاور' ليشكل مجموع التفاصيل صورة عامة كبيرة· لكن هذا عندها هو من النوع الذي يتميز عن الفسيفساء التي تتجاور عوالمها التوأمية الصغيرة المتشابهة دون ان تتداخل· في ان الصور التفصيلية عندها تتداخل وتتفاعل وتشكل صورة عامة مؤلفة من صور عديدة لعوالم صغيرة يتألف منها 'العالم' الكبير·
توظيف الحواس
تبدأ الكاتبة فترسم أحداث روايتها بصور حية اختارتها عين فنية لاقطة وبتمكن من 'تركيب' مسرح الحياة في الرواية من عناصر مختلفة بينها البصر والسمع والشم أحيانا·
جماليات السرد
وتنتقل من هنا إلى مكان محدد، الى 'البيت· والبيت الذي تصوره بدرية هو نموذج يفيض علاقات بشرية مختلفة متنوعة جاءت نتيجة نسيج اجتماعي تضافرت عوامل تاريخية وجغرافية على تحققه في شكله الذي عرف به· ان هناك دفئا واضحا يسري في احداثه· انه دفء تشيعه رائحة القهوة والهيل و'الطقوس' التابعة لذلك· هناك ارتباط بين القهوة والرواية كارتباط المقهى القديم و'الحكواتي'·
من شخصيات عالم البيت العديدة عموشة ابنة نوير الأمة التي اختطفت قديما من ساحل عمان وبيعت مع عبيد آخرين· صار لها عائلة وأولاد منهن جوهر وعموشة وسائر أفراد السلالة الذين ولدوا في العبودية إلى أن أزيل الرق في المملكة·
عموشة تعيش معهم كواحدة منهم وصديقة للأم· الأم مسكينة قسا عليها الزمن كما تقول عموشة·
ترد هند: 'أمي امرأة جبارة وليست مسكينة· كانت تضرب البنات وتقسو عليهن حتى عندما كبرن وتهددهن بنار جهنم عند أي تصرف مثل الناس العاديين لبسا أو كلاما'·
انه عالم مغلق لا عزاء فيه سوى بالأحلام وأحلام اليقظة وقراءة بعض الروايات ومنها سندريلا وتقمص دورها في انتظار الأمير الذي لا يأتي·
الظلم وسيطرة الرجال الكبار على البنت الطفلة واستبداد الأم وانقياد الأب الطيب لزوجته، كلها سلسلة من المظالم، فالأم نفسها جرى تزويجها بطريقة ظالمة·
كانت هند تحب شابا فاكتشف الأم أنها اجتمعت به مرة فشدتها من شعرها علنا وما لبثت أن زوجتها لابن أختها منصور الضابط في الجيش· بعد أن رزقا بابنة طلقها لأنها كانت تكتب في الصحف باسمها الحقيقي· ضربها أخوها إبراهيم الأصغر منها سنا وطلقها منصور لان زملاءه يعيرونه بعار كبير هو أنهم عرفوا اسم زوجته ولقبوه بأنه 'زوج هند'·
فرضت على أمها السماح لها بان تعمل اختصاصية اجتماعية في احد المستشفيات وفقا لاختصاصها وذلك بعد أن وعدت بان تضع نقابا على وجهها لكنها كانت تخلعه في المستشفى· وتنتهي بها الحال -وقد فعل التطور فعله بقسم من الناس- بان يساعدها أخوها الطيب والمتحرر 'فهد' ويرتب لها السفر إلى كندا فهي لا تستطيع السفر دون تصريح من ولي أمرها وكان أبوها قد مات· وذلك كي تستطيع التعرف عن كثب الى وليد شقيق صديقتها وقد أحب الواحد منهما الآخر ولم تشأ ان تتزوج كالمرة الأولى دون معرفة بمن تحب· جرى الأمر دون معرفة الأم التي أقنعاها بأنها ستسافر إلى مكان عمل أخيها·
اختفى أخوها الأصغر إبراهيم الذي عقَّدته معاملة أمه له واستخفاف أخواته به فجعله ذلك منطويا على نفسه وصار متدينا إلى درجة التعصب والانغلاق يخاف النساء وان كان يتوق إلى أن يحبه احد 'في هذا البيت' أو في خارجه·
قبيل سفرها جرى تفجير مبنى الأمن العام فأصيب منصور بجرح بسيط وأخفى عنهم سرا· وبينما هي في الطائرة رأت في إحدى الصحف رسما لقتيل من المهاجمين الذين سقطوا في العملية· وسط دمعها المنهمر حدقت في الوجه الذي تعرفه تماما· كان وجه أخيها إبراهيم· وتقلع الطائرة فالحياة لا تتوقف والتطور هو سير إلى الأمام على رغم الآلام·
رويترز
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©