الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النظافة الشخصية مؤشر على حسن التربية

النظافة الشخصية مؤشر على حسن التربية
29 نوفمبر 2008 00:59
يضع الكبار البذور الأساسية لسلوك الطفل، بل ويفرضون عليه ثقافتهم الخاصة لتصبح الركيزة المرجعية لكل ما يصدر عنه من أفعال، وإذا كان لكل أب وأم الحرية والحق في أن يعلما أبناءهما ما يريدان، فيجب ألا يفوتهما ''أن يكونا مقنعين فيما يقومان به''، وأن يتفاديا إحراج الابن، أو دفعه إلى مأزق التناقض أمام نفسه، وأمام الآخرين· والنظافة بكافة أشكالها، وصورها، سلوك اجتماعي يكتسبه الطفل منذ الأيام الأولى التي تتفتح فيها عيناه على الحياة، وتخضع أكثر من غيرها من الصفات والقيم، لنظرية التعلم الشهيرة ''المحاكاة والتقليد''، وتعد مؤشراً مهماً في علاقة الإنسان بالمكان، والمجتمع، والبيئة التي يتواجد فيها، وتصبح جزءاً مهماً من سلوكياته اليومية، وتصبح دون أن يعي عنواناً، و''مرآة'' للثقافة أو الحضارة التي ينتمي إليها· كيف إذن يكتسب الطفل صفة النظافة، وما هي الطرق الأقصر لتحقيق هذه الغاية؟ وهل نحسن القول عندما نقول ''طفل نظيف = مجتمع نظيف''؟ فتش عن التنشئة الخبير الاجتماعي الدكتور فؤاد الأعظمي يلقي بالمسؤولية برمتها على التنشئة الاجتماعية سواء في الأسرة أو في المدرسة، إلى جانب المجالات الأخرى التي تحتضن الطفل حتى يكبر، وتمتد تأثيراتها عبر مراحل نموه المختلفة، فالسلبيات الكثيرة، والممارسات الخاطئة التي نراها أحياناً من قبل البعض في الشوارع أو المرافق العامة، والتخلص من علب وفوارغ المشروبات، والأوراق وأكياس حلوى الأطفال أو غيره بطريقة غير سليمة، يشوبها الاستهتار، واللامبالاة، وتفقد كثيراً من نظافة وجماليات المكان الذي نتواجد فيه، وتعكس صورة غير حضارية لا تتفق تماماً مع المظهر العام، والتطور الملموس في جوانب الحياة، وهي سلوكيات غير مقبولة، بل ومرفوضة تماماً، لذا فإن تعويد الفرد على السلوكيات الإيجابية لابد وأن تبدأ من البيت منذ الصغر، وعلى الآباء والأمهات أن يعلموا أبناءهم أن النظافة العامة ليست فقط النظافة الشخصية ونظافة الثياب، وإنما هي أيضاً نظافة المكان الذي يتواجدون فيه أينما كانوا، وأن يعلموا أطفالهم منذ الصغر معنى الملكية العامة للشارع أو الحديقة التي نقضي فيها جزءاً من الوقت، ومعنى الذوق العام، وسلامة البيئة، وغير ذلك من مسميات الثواب والعقاب· دور الأم أما الأخصائية النفسية بأبوظبي التعليمية الدكتورة كريمة العيداني، فتولي عامل الثواب والعقاب أهمية خاصة من أجل تعويد الطفل وإكسابه صفة السلوك النظيف، أو حب وعشق النظافة كقيمة أخلاقية، وتدعيم وتعزيز السلوكيات الصحيحة، ونبذ وتقويم الصور الخاطئة والمرفوضة، وتلقي باللائمة على الأمهات اللاتي يتركن هذه المهمة أو هذه المسؤولية على عاتق الخادمات أو المربيات اللاتي لا يعبأن كثيراً بهذا الجانب في كثير من الأحوال· وتقول فرحة ميرزا، إن تعويد الطفل على مثل هذه السلوكيات الإيجابية يحتاج من الأم في البداية الى المزيد من الصبر، والمتابعة، والاهتمام، ولا يمنع من اعتمادها أسلوب أو طريقة المكافأة والتشجيع، وقضاء جزء من وقتها مع طفلها لمشاهدة أفلام تعزز هذا الجانب، أو تقرأ معه قصة أو رواية، وليس هناك ما يمنع على الإطلاق، بل ويستحب أن تترك لطفلها الفرصة لينظف أو يرتب ويجمل غرفته، أو أدواته الخاصة ولعبه بنفسه، وأن تشجعه على مثل هذا السلوك· المثل والقدوة من ناحية أخرى تؤكد الدكتورة العيداني أهمية المثل الأعلى والقدوة الحسنة فيما يتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية بشكل عام، وتقول: ''إنه لا سبيل أمام الآباء والأمهات لإكساب أبنائهم أي سلوك إيجابي وحسن ومقبول وحضاري إن لم يكونوا هم أنفسهم قدوة ومثلاً حياً يقتدي به الصغار، فلا يجوز أن أطلب من طفلي كذا·· وكذا، بينما يراني أفعل العكس، مما يحدث عنده كثيراً من الازدواجية والتناقض وعدم المصداقية فيما أقوله أو أفعله''· وتضيف: ''إن النظافة والطهارة، والجمال، من صفات المسلم الأساسية، وهي قاعدة أي عبادة، ومن ثم يفترض أن تترجم الأبعاد الحقيقية لهذه القاعدة في جميع سلوكياتنا اليومية، وأن تنقل إلى الأبناء، ولا يجوز أن نهتم بنظافة البيت من الداخل ونغفل المكان المحيط به، أو القريب إليه، وسيصبح السلوك في الكبر سهلاً وجزءاً طبيعياً من صفاتنا إن تعلمناه في الصغر، وهذه هي طبائع الأمور، وألا ينسى الكبار دائماً الحكمة الشائعة التي تقول: ''فاقد الشيء لا يعطيه''· منظومة القيم وترى نيفين مسعود ''مديرة علاقات عامة'' أن النظافة، صفة من مجموعة من الصفات العديدة التي يمكن أن تتصف بها شخصية ما، أو أنها جزء مهم من مركب الشخصية، وهذا الجزء كغيره من القيم الأخلاقية والسلوكية الأخرى التي يكتسبها الإنسان من خلال تنشئته الاجتماعية، وتتحدد مكانتها وأولويتها وترتيبها حسب نوع هذه التنشئة، ونوع التعليم، والوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، والذي هو بالضرورة جزء من ثقافة المجتمع الأكبر، لذا فمن المهم أن نربي الصغار ونزرع فيهم حب الجمال، كما نزرع فيهم حب الخير والفضيلة، والجمال الذي أقصده هنا، الجمال بكل معانيه وصوره، بدءاً من جمال ونظافة البيئة، وحب الخضرة، والنظام، والتناسق، وعدم إيذاء مشاعر وعيون الآخرين، واحترام الطريق العام، وحرية الآخرين، وهي في النهاية مشاعر وصفات حضارية نحاول أن نغرسها في نفوس أطفالنا منذ الصغر حتى يكبروا عليها، ويعتادوها، وتصبح جزءاً من شخصياتهم وسلوكياتهم الطبيعية، ولا تحتاج إلى مجهود، أو مشقة في إكسابهم إياها عند الكبر· تكامل واتساق وتعوّل الإعلامية عائشة البستاني كثيراً على تكامل واتساق سياسة المجتمع إزاء التعامل مع سلوكيات الأفراد فيما يتعلق منها بالمصلحة العامة والذوق العام، إذ ترى أنه من الضروري أن تخدم وسائل الإعلام، والقوانين السائدة، تكريس حب وتعود النظافة لدى الأفراد من خلال التشريعات والضوابط القانونية التي تلزم أفراد المجتمع باحترام جماليات المكان، وأن تتابع الجهات المسؤولة تطبيق وتنفيذ مثل هذه القوانين بعدم التساهل أو التسامح أو الاستهتار مع الحالات التي تؤذي الآخرين بسلوكيات سلبية ''كالتخلص من المخلفات في الشارع العام، أو الحدائق العامة'' على سبيل المثال، وأن تكون هناك عقوبات رادعة مع الحالات المخالفة، وهذا التشدد ليس من أجل التشدد في حد ذاته، وإنما حتى يشعر جميع أفراد المجتمع بأنهم أمام حالة من الجدية والالتزام، ومن شأن ذلك أن يخلق حالة من التعود والتوافق مع الانضباط العام، واحترام المجتمع وقوانينه· وتضرب البستاني مثالاً على ذلك في تحريم ومنع التدخين في أماكن معينة، يضطر معها المدخنون أن يتخلوا عن ذلك لفترة تواجدهم احتراماً للمكان، وللحالة العامة السائدة فيه، والأمر نفسه بالنسبة للتخلص من النفايات في المنازل، والسيارات، والأماكن العامة، فإن للقوانين أهدافاً تربوية إلى جانب أهدافها الأخرى المعروفة· وتضيف: ''يجب الانتباه إلى أهمية تعليم الصغار حب النظافة من خلال العوامل أو المؤثرات المعروفة بتأثيراتها الإيجابية المباشرة لديهم كالتلفزيون، والسينما، والقصص، والبرامج والأنشطة المدرسية المتعددة، والجماعات المدرسية، ولاسيما في مراحل الحضانة ورياض الأطفال، والمرحلة الابتدائية حتى يألف ويعتاد الصغار مثل هذه السلوكيات، ويكتسبوها بطريقة متدرجة وتربوية صحيحة''· قيمة عليا إن النظافة والإحساس بأهميتها قيمة عليا ضمن منظومة القيم التي هي جزء مهم من سمات أي مجتمع، وإذا كان المجتمع حريص على إشاعة ونشر قيم الصدق، والمروءة، والخير والإخلاص، والوفاء، وغيرها، فلا يجب أن نستهين أو نهمل قيمة النظافة في تعاملنا مع النشء في كل ما هو من حولنا، ومن ثم نؤكد على أهمية وضرورة أن تكمل مؤسسات المجتمع الثقافية والتربوية والتعليمية هذا الدور بدءاً بالمدرسة، والنادي، والجامعة، ووسائل الإعلام المختلفة، وتكرس جهدها لإيجاد حالة أو شعور عام أو مسؤولية مشتركة نحو أهمية النظافة، والحفاظ على البيئة، كجزء أساسي من مكونات الثقافة والأخلاق لدى الفرد·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©