الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحروب والأخلاق والإعلام

19 مايو 2013 20:59
تقنياً، كثيرون يعتبرون أن الحرب قذرة كيفما كانت ويرفضون التمييز بين حروب نظيفة وأخرى غير نظيفة. هذا عامة، فيما يتعلق بحروب فصيلة أو جنس بني البشر. أخلاقياً، الحروب أشد قذارة وبُؤساً عندما تكون بين غير الأعداء، بين «ذوي القربى» مثلاً، بين أبناء قوم أو دين أو تاريخ واحد أو مشترك. هنا مفهوم كلٍ من الانتصار والهزيمة ملتبس للغاية، لا منتصر بالمطلق والضحايا تتساقط من كل «الأطراف»، وتتراكم، وتستمر أقرب إلى تراجيديا عالمية وكونية «ممتعة» بهذا القدر الضخم من المشتركين واللاعبين، وبذلك الشلال الأحمر القاني المتدفّق بدون انقطاع الذي لا يقل روعة عن أحدث تكنولوجيا المؤثرات البصرية وأغلاها كلفة. حروب الأخوة والأهل مُرّة. حتى في أقصى حالات الانتصار المفترض، سيبقى الحزن والمأساة والخجل والشعور بالذنب وشريط مشاهد الموت والدمار أقوى من الفرح والزهو. المستقبل لا يكون تواصلاً مع الماضي، لجيل واحد أو أكثر على الأقل، تِبعاً لمقدار الأحقاد والكراهية والأنانيات التي خلّفتها المدافع والطائرات المقاتلة والسيارات المفخّخة، وربما الأسلحة المحرّمة دولياً، وغيرها من أدوات القتل والدمار. ليس هذه الأنواع فحسب، بل ثمة ما هو أمضى من الأسلحة القاذفة والفتاكة. والإعلام وحربه الدائرة الآن، مثلاً من بينها. بعضهم يعرّف حرب الإعلام بأنها الاستخدام الهجومي والدفاعي للمعلومات وأجهزة الإعلام من أجل استغلال وتشويه وتخريب وتدمير المعلومات وأجهزة إعلام الخصم. هذا المفهوم تقني جداً وضيّق النطاق قد يمكن الاستفادة منه لتطبيقات مؤسسات الإعلام المستقل. في الواقع الراهن، أنا أقرب إلى تعريف «المركز الدولي للتحليل الأمني» التابع للكلية الملكية في لندن، الذي تحدّث عن عدة مستويات من حروب الإعلام، أبرزها مستوى «يغطي جميع حزمة التقنيات النفسية والإعلامية والدبلوماسية والعسكرية الموجهة للتأثير على طريقة تفكير الخصم أو الطرف الآخر». لكن ملاحظتي على ذلك هي أن تأثير هذه الحروب لا يقتصر فقط على الخصم المباشر، فطالما عايشت ولاحظت كيف أنها تشّل أيضاً حركة الرافضين لها، من غير الخصوم، رغم أنهم يشكلون أكثرية في بيئاتهم، في حين تنتعش حركة الاصطفاف لهذا الطرف أو ذاك من المتحاربين على وقع ضخ الإعلام ورغم يقين الجميع بأخطار وويلات الحرب على الجميع. من أخطر مؤشرات «نجاح» حروب الإعلام هي عندما يبدأ اهتمام الرأي العام بموازين القوة والضعف والربح والخسارة يتقدم على حساب المبادئ ونبل القضايا التي اشتعلت لأجلها شرارة الثورات والحروب. وللأسف هذا ما يحصل الآن وما يمارسه الإعلام «بامتياز»، لكن مع نسيان ما هو أشد فتكاً للمستقبل وهي أن أي ربح وانتصار من هذا القبيل لا بد أن ينقلب رأساً على عقب، لأن العجز عن حفظ وحماية حد أدنى من منظومة القيم والأخلاق في هذه اللحظات بالذات يعني أن المجتمع كله بصدد التحوّل لحظيرة بشرية .. محرومة حتى من «أحاسيس» الحيوانات الكاسرة من الفصيلة الواحدة. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©