سلسلة متلاحمة من المباني التراثية المرتكزة بثبات على ضفاف الخور، حيث الهدوء والسكينة يتسللان بين أزقتها الدافئة المضيئة بقناديل التواصل والترابط بين قاطنيها، تنظر هذه البيوت بشموخ وعزة وتحد إلى الضفة الأخرى، حيث ملامح دبي الحديثة التي تسير على وتيرة الحياة السريعة المكتظة، وما تشهده من اختناقات مرورية أدركت في اختناقها مفاهيم ولغة التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويبقى بيت الشيخ سعيد آل مكتوم نافذة نطل منها على ماضي دبي ومراحل تطور المنطقة، إضافة إلى الأحداث الهامة التي وقعت فيها، فيقف الماضي هنا عند عتبة بيت الحكم، ليحمل بين جدرانه وغرفه المتعددة لمحات تاريخية اختزنت بين ثنايا الغرف وكسيت بها جدرانه العتيقة· ومنها يضوع عبق التراث في استقبال كل زائر، يقلب صفحات الماضي أثناء ولوجه بوابته الرئيسية إلى المدخل الذي يضم المجلس الرئيسي وغرفة للضيوف وفناء ضيقاً يؤدي إلى الباحة الرئيسية الواسعة، فيتوزع حولها عدد من الوحدات العائلية المستقلة تضم كل منها شرفة ومجلسا ومجموعة من الغرف، يتفاوت ارتفاع البيت من جزء إلى آخر بين طابق وطابقين، ويتميز هذا البيت المبني على الطراز الإسلامي بارتفاع السقف، ووجود الأقواس والأعمدة والنوافذ التي تعلوها بعض الزخارف والنقوش، إضافة إلى الغرف المطلة على الليوان، والملاقط الهوائية (البارجيل) الموزعة بشكل مدروس يحقق الغاية من وجودها· كما ويبقى بيت الشيخ سعيد آل مكتوم منظومة تاريخية هامة تختزن في جعبتها الكثير من الأحداث·
يحدثنا عبدالله بن جاسم المطيري، مدير إدارة بيت الشيخ سعيد آل مكتوم حول أهمية هذا البيت تاريخيا وما يضمه في باطنه من وثائق وصور تروي تفاصيل دقيقة عن بداية تطور المدينة، وأهم الأحداث التي مرت فيها قائلا ''يعود تاريخ المبنى إلى عام ،1869 بُني على يد الشيخ مكتوم بن حشر فكان مقرا للحكم في دبي، وقد سمي باسم الشيخ سعيد المكتوم نظرا لطول فترة بقائه فيه، حيث ولد عام 1878 وتولى مقاليد الحكم منه عام 1912 حتى وفاته عام ·''1958 وتقودنا أقدامنا إلى غرفة تحمل جدرانها مجموعة من صور الحكام، والزيارات الرسمية التي كانت تتم، كما تطلعنا على مراحل التطور التي شهدتها دبي بدءا بالتعليم عبر إنشاء مدرسة الأحمدية، وصولا إلى الرعاية الصحية بتشييد مستشفى المكتوم· وينتقل بنا المطيري إلى جناح الحياة البحرية، مشيرا إلى أنها تصور علاقة أهالي المنطقة قديما بالبحر، وارتباطهم الوثيق به باعتباره مصدر رزقهم الرئيسي، مما نجم عنه أيضا تعلم صنوف مختلفة من الأعمال كالصيد والغوص والرحالات التجارية، وحدا بهم الأمر أيضا إلى صناعة أنواع مختلفة من المراكب· فالزائر لهذا الجناح سيشاهد نماذج مختلفة من المراكب المستخدمة خلال تلك الفترة، بما في ذلك مراكب الصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ووسائل التنقل من ضفة إلى أخرى، ومن مسميات المراكب التقليدية نجد السمبوك والجالبوت البوم والبغالة والكوتية والبتيل· كما يضم الجناح نماذج لبعض المهن الحرفية السائدة آنذاك والمتعلقة بالبحر خاصة تجارة اللؤلؤ، حيث تُعرض موازين القياس والأوزان والمعدات المتعلقة بحساب قيمة اللؤلؤ·
ولدى ولوجنا جناح الحياة الاجتماعية طالعتنا بساطة الحياة الماضية وشفافية قاطنيها، وما رسمت على سحنتهم السمراء من ملامح عفوية، يحلو للزمن أن يتوقف عندها، يختصر هذا الجناح نمط الحياة المعيشية قديما من خلال مجموعة مختلفة من الصور الفوتوغرافية التي سكنت جدران إحدى غرف بيت الشيخ سعيد، فمن هذه الزاوية ننطلق عبر محطات الحياة وأنماطها المختلفة، لنتوقف عند الثقافي والتعليمي والحركة الاقتصادية والمظاهر الاجتماعية، إضافة طبعاً إلى الأحداث التي مرت على المنطقة، ومن خلالها أيضاً نتعرف على طبيعة حياة البدو سكان الصحراء والحضر أهالي الساحل·
ويروي لنا المطيري تفاصيل هامة عن جناح المال، حيث تستقر العملات القديمة النادرة التي تم تداولها في فترة ما قبل الانتداب البريطاني في المنطقة قائلا ''من هذه العملات عملة مجرية تحمل صورة ملكة المجر والنمسا ماريا تريزا، وكان يطلق عليها الأهالي ربية البنت، وفي عام 1830 استخدمت الروبية الهندية في بداية نشأة الهند الشرقية، وعند استقلال الحكومة الهندية عام 1947 لم تتكمن من إصدار عملة خاصة بها، فتم استخدام قصاصات ورق تحمل ختم الحاكم، حيث تم تداولها في تلك الفترة إلى عام ،1950 ثم استخدمت الروبية الهندية الجديدة، وبحكم انتعاش الحركة التجارية بين الهند والخليج تم تداول العملة الهندية الجديدة التي تحمل الأسود الثلاثة وأطلق عليها أهالي المنطقة روبية (أم صنم) ونتيجة لإغراق الأسواق الهندية بالعملة الورقة من قبل تجار الخليج اضطرت الهند إلى ابتكار عملة جديدة للخليج أطلق عليها ''جلف روبيز'' بينما بقيت العملات المعدنية على ما هي عليه· واستخدمت دبي وقطر والإمارات الشمالية العملة الورقية للريال السعودي والعملة المعدنية البحرينية، وتعاملت أبوظبي بالدينار البحريني بشقيه الورقي والمعدني، إلى أن قررت حكومة دبي وحكومة قطر إصدار عملة موحدة عرفت بريال قطر ودبي وكان ذلك في عام ،1966 أعقب ذلك صدور الدرهم الاتحادي بعد قيام الدولة بسنتين· وفي هذه الغرفة زاوية تعرض فيها سلسلة من الطوابع البريدية، ذلك أنه نظرا لأهمية دبي كمنطقة تجارية ومحطة للتبادل التجاري، كان لا بد من إنشاء مركز بريدي عام 1909 ارتبط في البداية مع البريد المركزي في الهند، فكانت تستخدم الطوابع الهندية حتى سنة استقلال الهند في عام 1947 يوم أُلحق بريد دبي ببريد كراتشي لمدة سنة، وفي عام 1949 صار بريد دبي تابعاً للبريد البريطاني مباشرة واستمر كذلك حتى عام ،1961 حيث قرر مجلس التطوير التابع للإمارات المتصالحة إصدار طوابع موحدة، وتم إصدار أول طوابع لحكومة دبي سنة ،1964 إلى أن ألحق بريد دبي بالبريد الاتحادي
عدد اليوم
