الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«النقد البيئوي» يبرز أثر العلاقة بين البشر والبيئة في مجالات الإنتاج الثقافي

«النقد البيئوي» يبرز أثر العلاقة بين البشر والبيئة في مجالات الإنتاج الثقافي
7 أغسطس 2010 20:36
مصطلح “النقد البيئوي” يعنون الكتاب الذي نتعرض له اليوم، وهو من تأليف جرج جرارد، وقد برز هذا المصطلح في مطلع تسعينيات القرن العشرين، معبراً عن نهج نقدي استمد قوته وشرعيته من حركات حماية البيئة التي نشطت في ستينيات القرن الماضي. على الرغم من وجود أنماط أخرى من النقد السياسي مثل الماركسية الغربية، والنقد النسوي، ونقد ما بعد الحقبة الاستعمارية التي حظيت كلها بشرعية وانتماء كامل إلى عالم النقد، إلا أن النقد البيئوي ما زال يجابه معارضة شديدة تعترض طريق انضمامه إلى تيارات النقد المتعددة. البشر والبيئة اعتماداً على منهج النقد البيئوي يحاول جرارد عبر صفحات الكتاب أن يسبر الطرائق التي نتخيل من خلالها العلاقة الكاملة بين البشر والبيئة في مجالات الإنتاج الثقافي كافة. كما يعرج على الحركات البيئية الحديثة ويوجه لها نقده اللازع، متتبعاً تطور الحركة البيئية ويستكشف أهم الموضوعات التي شغلت النقاد البيئويين من مثل: التلوث، البرية، الرؤيا، السكن، الحيوانات، الأرض، في فصل التلوث. يقول جرارد، من المتفق عليه أن علم البيئة الحديث أطلقت شرارته قصة (خرافة للغد) من مجموعة راشيل كارسون القصصية “الربيع الصامت” الصادرة عام 1962، وهذا النص المؤسس للحركة البيئية الحديثة يبدأ بحكاية شعرية رمزية أخلاقية، بالإضافة إلى أنه يتكئ على الأجناس الأدبية للرعوية وسفر الرؤيا، وهي طرائق قديمة تصور علاقة الإنسان بالطبيعة يمكن تعقبها حتى سفر التكوين، أول أسفار الكتاب المقدس. ويلفت الكاتب إلى أن قصة “الربيع الصامت” نظمت مظاهرة علمية مثيرة لكشف التهديد الحقيقي لهذا النجاح العلمي ضد البشرية، والحياة البرية بشكل عام ومواجهة الادعاءات المثالية التي يروجها علماء الزراعة عن أراضيهم، وقد أثبتت ادعاءات كارسون العلمية - على الرغم من عدم وجود دليل مبيّن على تأثير سمية د. د. ت آنذاك على البشر - بشكل حاسم، فاتحة الباب على مصراعيه لتجسيد الوعي العام بمخاطر التلوث الناتج عن المبيدات الحشرية، والبدء بتطبيق سياسة حكومية أكثر صرامة تجاه هذه المبيدات والعمل على إيجاد مواد كيميائية زراعية أقل سمية. منهج واضح هذه الطروحات البيئية ألقت ظلالاً مؤثرة وقوية على الثقافة والسياسة المعاصرة، ولقيت استجابة بدرجة معينة في أذهان كثير منا. إلا أن طلبة العلوم الإنسانية يمكن ألا يجدون صعوبة في التعاطي معها على حالها، فالدراسة الجامعية تم تشكيلها بناء على الحقول المعرفية المستقلة عن بعضها البعض، وان القضايا العملية تقتضي خبرة ودراسة علمية. وعلى الرغم من ذلك، فالأساليب البلاغية واستخدام الصور المجازية كالرعوية والرؤيا والتلميحات الأدبية التي وظفتها كارسون لتشكيل مادتها العلمية قد جعل منها مادة مستساغة للتحليل الأدبي والثقافي، وهذا التحليل يلتقي مع ما يسمى بـ “النقد البيئوي” الذي صار منهجاً واضحاً في زمننا الراهن. ويعرض المؤلف لعدة تعريفات للنقد البيئوي، منها ما يرى أن النقد البيئوي يعني ببساطة النقد الذي يدرس العلاقة بين الأدب والبيئة المادية، فكما يبحث النقد النسوي في العلاقة بين اللغة والأدب من منظور واع للجنس، ومثلما يستحضر النقد الماركسي وعياً وإدراكاً لأنماط الإنتاج، والطبقة الاقتصادية عند تعامله مع النصوص الأدبية، يتخذ النقد البيئوي منهجاً يرتكز إلى الأرض في تعامله مع النصوص الأدبية. فالنقد البيئوي إذاً هو تحليل سياسي صريح مثلما تستدعي مقارنته بالنقد النسوي الماركسي. فالنقاد البيئويون عموماً يربطون تحاليلهم الثقافية صراحة ببرامج سياسية وأخلاقية خضراء. أفكار نيّرة يلتقي النقد البيئوي في هذا التوجه كثيراً مع التطورات الموجهة بيئياً في مجال الفلسفة، والنظرية السياسية. فمن خلال استحضار الأفكار النيرة التي حملتها الحركات النقدية المبكرة وتطويرها، يمكن لدعاة التبيؤ وعلماء الاجتماع البيئويين، ودعاة العدالة البيئية أن يؤسسوا لتركيبة تعنى بالقضايا البيئية والاجتماعية، هنا يوضح المؤلف أن البيئوية صارت أداة فاعلة في عملية التحليل الثقافي وأنه يعتمد عليها كثيراً في مناقشته لمفهوم التلوث، ولذا يقول إن التاريخ البلاغي لمصطلح التلوث اصطف إلى جانب ادعاءات الحقيقة التي يتبناها علماء التبيؤ وعلماء التسمم البيئي، وعلى الرغم من ذلك ففي عالم الازدحام الإعلامي ما بعد الحداثي، يمكن للصيغة المجازية الحديثة (للتلوث) أن تصبح منفصلة - بشكل خطر - عن مرجعيتها بطرق قد لا يتعرف عليها عديد من العلماء. ويبين جرارد كيف أن الحركة البيئية هي حركة اجتماعية وسياسية وفلسفية شابة نسبياً، علماً بأنه قد ظهر عدد من الفلسفات البيئية المستقلة التي تنافس بعضاً للتجمع في أية توليفة ثورية وكل منهج يفهم الأزمة البيئية وفقاً لمرجعياته الخاصة، مسلطاً الضوء على النواحي التي يسهل حلها بناء لشروطه الملتزم بها، أو تلك التي تهدد القيم التي يعتد بجملها. ونتيجة لذلك يطرح طيفاً من الاحتمالات السياسية المختلفة، إضافة لذلك يمكن لكل منهج أن يهيئ أرضية صالحة لمنهج نقد بيئوي مستقل بتجاذباته وتنافراته الأدبية والثقافية الخاصة. ثم يتطرق صاحبنا إلى موضوع آخر من الموضوعات التي شغلت النقاد البيئويين ألا وهو “البرية”، فيوضح أن فكرة البرية - التي تشير إلى الطبيعة التي لم تلطخها يد المدينة - هي أكثر صورة ذهنية مقنعة للطبيعة، متوفرة لدى الحركة البيئية في العالم الجديد، وهي صورة حُشدت لمواطن وأنواع معينة، وينظر لها أنها المكان الملائم لإنعاش أولئك الذين تعبوا من تلويث المدينة المعنوي والمادي، فالبرية تحتفظ بحظ من القيمة الروحية القدسية، وتحمل وعداً بعلاقة مجددة وأصيلة بين البشرية والأرض. الوحوش البرية يعود بنا جرارد إلى البرية في العالم القديم قائلاً إنه إذا ما كان للرعوية أصل مزدوج في الثقافة اليهودية والمسيحية والثقافة الإغريقية الرومانية، فالمعاني التي حظيت بها البرية في بدايات القرن الثامن عشر يبدو أنها ترتكز ارتكازاً كاملاً تقريباً على التاريخ والثقافة الإغريقية الرومانية. فكلمة (البرية) مشتقة من الكلمة الانجلو سكسونية (الوحوش البرية)، حيث وجدت الوحوش خارج نطاق الزراعة، كما تفيد كلمة (بري) في إظهار عوالم الوحوش الكلمة التي لم يتغير إملاؤها ومعناها على مر ألفية ونصف من الزمان، على الرغم من اكتساب الكلمة لظلال دلالية جديدة مع تقهقر الغابات واستعمار البراري. أما عن برية العالم الجديد، فيستشهد المؤلف بما جاء به ثورو باعتباره آخر محطة رعوية في العالم القديم في الأدب الأميركي، خاصة وأنه جاء بمثال مبكر لتراث البرية الذي يستعير بلاغة الانسحاب القديمة ويطبقها على أميال لا نهاية لها من المناظر الطبيعية السامية في أميركا. بعد تسلقه جبل كتادن، يكتب ثورو: “من الصعب أن نفكر بمنطقة يأهلها الإنسان، فنحن نفترض عادة حضوره وتأثيره في كل مكان. ومع أننا لا نرى طبيعة نقية مالم نرها رحبة، وموحشة وبلا بشر.. كانت الطبيعة هنا شيئاً وحشياً ومرعباً، إلا أنها جميلة. كانت تلك هي ذات الأرض التي سمعنا عنها، مصنوعة من العدم والليل العتيق”. ثم يذهب المؤلف إلى توضيح إسهامات تابعي ثورو المتحمسين في تأسيس البرية بوصفها محكا للهوية الثقافية الأميركية، وأساساً لنشاطات الحماية، ومنهم جون ميور الذي صار يعرف بأنه واحد من آباء الحماية الأميركية كونه صاحب محاولات لا تعرف الكلل للتأثير على أعضاء الكونجرس من أجل القوانين الخاصة بحماية البرية. ومن الموضوعات التي شغلت النقاد البيئويين يحدثنا جرارد عن “الرؤيا” محللاً البيئة المميزة للقصص الرؤيوية المؤثرة في كثير من الاتجاهات البيئية في الوقت الراهن والمتعلقة جميعاً بما كان يعتقده نسب متفاوتة من سكان العالم منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، حول أن نهاية العالم صارت وشيكة، ثم يتبع تلك الاتجاهات الرؤيوية في مختلف العصور وصولاً إلى العصر الحديث، مستدلاً في ذلك بما قاله بويل “إن الرؤيا هي أكثر الاستعارات التي يملكها الخيال البيئي المعاصر قوة، وقد استغلت العديد من الكتب الأكثر تأثيراً في قائمة الكتاب البيئي المعارية هذا المجاز أيما استغلال، من “الربيع الصامت” لكارسون مروراً بالقنبلة البشرية (1972) لبول إيهرلك، إلى “الأرض في الميزان” لآل جور. علاوة على انتشار البيان الرؤيوي في أدب نشطاء (الأرض أولاً)، وكذا التأملات الفلسفية لبيل مكيبن وشعر روبنسون جيفرز، وحتى أن الفكرة الاعتيادية عن (الأزمة البيئية) قد تأثرت بها واحدة من القضايا الهامة المتناولة بيئوياً هي “السكن”. عنها يذكر جرارد أن جميع المجازات التي طرحت كطرائق يمكن من خلالها فهم الطبيعة وتستند إلى وجهة نظر بيئوية نقدية، كلها تُعد خاطئة من جانب واحد، ولم يقدم أحد منها نموذجاً للوجود العملي حقيقة حاضرة، حيث توحي مجازات الرعوية والبرية نمطاً بوجهة نظر سائح المناظر الجميلة، بينما تشفر الرؤيا رؤية الخيال النبوئي. ومع ذلك فهناك آداب أخرى تستكشف احتمالية المجيئ و السكن على الأرض فيما يتعلق بالواجب والمسؤولية، (السكن) ليس حالة انتقالية، بل على العكس أنه يوحي بالتراكب للبشر في المناطق الطبيعية في الذاكرة، والأسلاف، والموت، والطقوس، والحياة والعمل، ولذا يسعى كاتبنا إلى استعراض بعضاً من نماذج السكن في أدب الزراعة، كما يتحول إلى أمثلة لنماذج بدائية افتراضية لبعض النقاد لتكون ممثلة للسكن الأصلي على الأرض. ومع قضايا وموضوعات أخرى شغلت النقاد البيئويين تمضي صفحات الكتاب والذي يعد مقدمة نفيسة لواحد من أكثر التطورات إثارة في الدراسات الأدبية والثقافية في العصر الحديث. علم التبيؤ المتعمق من بين الأشكال الأربعة للحركة البيئية، يعد علم التبيؤ المتعمق الأكثر فعالية خارج الدوائر الجامعية، ملهماً كثيراً من الناشطين في جمعيات مثل: أصدقاء الأرض. والأرض أولاً، وراعي البحر. وسوف يتكرر هذا الموقف وصوره المختلفة في هذا الكتاب، أنه وجهة نظر النقاد البيئويين المعلنة أو المضمرة، على أن يتم مناقشة بعض جوانبه بتفصيل أكثر في فصول عديدة لاحقة. يعد جاري سنايدر (المولود عام 1930) شاعر بلاط علم التبيؤ المتعمق، أما مرشده الروحي فهو أرني نايس. وقد وضع نايس نقاطاً ثماني أساسية لبرنامج علم التبيؤ المتعمق في مجموعة جورج سشنز الإيضاحية (علم التبيؤ المتعمق للقرن الواحد والعشرين 1995). نبذة عن المؤلف زميل هيئة أرتسويرك لكباد المعلمين، ومحاضر في الأدب الإنجليزي في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة باث سبا، ورئيس الجمعية البريطانية لدراسة الأدب والبيئة. ركزت بحوثه في السنوات العشر الأخيرة على علاقة الطبيعة بالثقافة، لاسيما علاقتها بالأدب، وعلاقة الطبيعة بالأفلام والثقافة العامة. من مؤلفاته: - الإبدع والبيئة (2007). - وردزورث، ثورو: صورتان للحياة الرعوية (2000). - نظرات الرومانسية للطبيعة (1998). - غياب النباتات الأزلية: الوطنية والاغترابية في الجغرافيا الحيوية الرومانسية: حلقة حول وردزورث (1997). - الرعوية المتشددة، دراسات في الرومانسية (1996) سؤال الأسبوع ساعة ثمينة أسبوعياً لكل فائز في السطر الثاني من الصفحة 124 ورد اسم فنان تشكيلي عالمي ... من هو؟ فان كوخ بابلو بيكاسو مايكل انجلو آخر موعد لتسلم الإجابة يوم الأربعاء الموافق 18/8/2010
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©