الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الليبيون: العدالة بدل الانتقام

22 مايو 2011 20:57
لفترة طويلة حاول الليبيون تخيل ما الذي سيصنعون بالقذافي فيما لو وقع بأيديهم، لكن التصور الذي سمعته مراراً عندما كنت طفلا أن يضعوه في قفص ليعرض بساحة الشهداء وسط العاصمة، طرابلس، والتي كانت في الماضي ساحة الإعدامات الرئيسية التي قام بها هو نفسه ضد معارضيه الذين رفضوا الإذعان للديكتاتورية ومنحها الشرعية. وبصرف النظر عن الخيال وإمكانيـة تحققه، جاء إعـلان المدعي العـام في محكمـة الجنابات الدولية بسعيه لاستصدار مذكرات اعتقال في حق ثلاثة من أعضاء النظام الليبي، على رأسهم القذافي نفسه، ليمنح زخماً لثوار ليبيا، وليؤكد أن العدالة -وليس الانتقام- باتت وشيكة، وبأن المسؤولين عن مآسي الشعب الليبي سيحاسبون على أفعالهم، وربما يمثلون أمام القضاء الدولي. ومن الوسائل التي يمكن من خلالها لقائد فاسد ومستبد التأثير على شعبه وإفساده، النيل من احترامهم للقانون والتزامهم ببنوده، وإحداث اللبس في أذهانهم بين العدالة والانتقام. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية التي ظل فيها القذافي ورهطه جاثمين على صدور الليبيين، تعلم الليبيون من معاناتهم أن الجرائم يكافأ عليها، وبأن العنف والكذب والنفاق تأتي دائماً بالجائزة، وهو ما ولّد في نفوس الناس شعوراً بالشك وفقدان الاهتمام بما يجري وانعدام الثقة في إمكانية المحاسبة الحقة والمساءلة الفاعلة للسياسيين ورموز النظام. ومنذ إعلان ليبيا استقلالها عام 1951، وعلى مدار تاريخ البلاد القصير نسبياً، لم تكن المساءلة سوى سراب أبعد من الحلم، فحتى بعد انهزام دول المحور في الحرب العالميـة الثانيـة وخروج إيطاليـا مـن الصـراع ومحاسبة الحلفاء لموسوليني وجنرالاتـه الذين تسببوا في الدمـار، لم يتقدم أحد لمساءلـة إيطاليـا ومجرمـي الحرب فيها على احتلال ليبيا وقتل نصف سكانها. وتواصل جو الإفلات هذا من العقاب خلال ليل القذافي الطويل، حيث هيمنت أجواء التسيب وانعدام القانون وأصبحت الزمرة الحاكمة قادرة على فعل كل ما تريده دون محاسبة على أعمالها المشينة والتي تشمل قتل الناس والتنكيل بهم والاستيلاء على ممتلكاتهم دون حسيب أو رقيب، فيما الشعب يتجرع المرارات ويكظم غيظه. والأدهى من ذلك أن الليبيين كان عليهم ابتلاع كل تلك الإهانات، فيما يرون زعيمهم ومعذبهم يحظى بالاحترام والتقدير من دول العالم. فعندما نزل رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، في مطار طرابلس عام 2004، لم يـجد الزعيم في انتظاره كما يفرض البروتوكول، فبدا بلير وهو يخف الخطو إلى خيمة القذافي على نحو لا يليق ببلده. وبعد تلك الزيارة تلقيت مكالمة هاتفية من أخي يقول: "اليوم فقدنا كل أمل". وقد ساهمت مثل تلك الخطوات في خلق واقع مظلم في ليبيا، حيث شجعت "الشرعية الدولية" القذافي على الإمعان في قمع معارضيه بدعوى أنهم إرهابيون، كما أدى ذلك إلى تمديد حياته السياسية على حساب حرية الليبيين. وشعر الليبيون بالإحباط وهم يرون أموال القذافي ورشاويه تؤتي أكلها مع المنظومة الدولية، وتابعوا باشمئزاز كبير كيف أن الولايات المتحدة عرضت استجواب ليبي أو اثنين على أيدي رجال القذافي ليبدو التغيير السياسي أبعد من أي وقت مضى. وفي ظل هذا الواقع جاءت الانتفاضة الشبابية في شهر فبراير الماضي بعدما قررت مجموعة من الشباب نفض غبار الكسل والخوف والجهر بأصواتهم المعارضة، للقطع مع عقود من القهر والاستبداد. وكانت هذه الرغبة في الانعتاق من حكم جائر هي التي دفعت المدعي العام بالمحكمة الدولية للجنايات بلاهاي، لويس مورينو أوكامبو، الذي لعب دوراً كبيراً في جلب الطغمة العسكرية الحاكمة في الأرجنتين إلى العدالة، إلى الإعلان في 16 مايو الجاري أنه سيسعى إلى استصدار مذكرات اعتقال في حق رجال النظام الليبي الذين، ولحد الآن، ظلوا فوق القانون، وهم بالإضافة إلى القذافي، ابنه سيف الإسلام الذي كان حتى فترة قريبة الفتى المدلل في الغرب، ومدير الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي الذي وصفه مورينو بأنه "منفذ الإعدامات". وعلى العكس من صرخة اليأس التي سمعتها من أخي عندما هاتفني بعد زيارة بلير لليبيا، يبدو أن أوكامبو أعاد الأمل مجدداً لليبيين، وبدلاً من الخيارين السيئين اللذين نوقشا مؤخراً، بين قتل القذافي أو التفاوض معه، ها هي محكمة الجنايات الدولية تطرح بديلاً أفضل يمنح الليبيين فرصة إحقاق العدالة ويبعدهم عن غرائز الانتقام. فهذا الأخير لا يبني شيئاً فيما العدالة تنطوي على مدلول تربوي يلقن المجتمع قيمة المحاسبة، ومعنى تحمل المسؤولية. لذا تستحق ليبيا رؤية مجرميها الذين أذنبوا في حقها طيلة العقود الماضية، وهم يخضعون لمحاكمة عادلة تحدد المسؤوليات ولا تجني على أحد. هشام مطر ناشط وروائي ليبي مقيم في الخارج ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©