الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الربيع الإسباني... ضد سياسة التقشف!

الربيع الإسباني... ضد سياسة التقشف!
22 مايو 2011 20:54
عندما صعد رئيس الوزراء الإسباني، خوسي لويس روديريجز ثباتيرو، إلى السلطة قبل سبع سنوات انطلق هو والحزب الاشتراكي العمالي في مهمة الارتقاء بدولة الرفاه في إسبانيا، بحيث كان الهدف الوصول، إن لم يكن التفوق، على برامج الحماية الاجتماعية التي كانت على الدوام مفخرة جيران إسبانيا في أوروبا الغربية. واتساقاً مع مبادئه الاشتراكية واستناداً إلى فترة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها البلاد رفع ثباتيرو الحد الأدنى للأجور وعمل على توسيع التأمين الصحي ليغطي كل شيء بدءاً من الاحتقانات الأنفية إلى الأمراض المستعصية، كما وفر منحاً جامعية للطلبة وحصل الشباب على معونات للإيجار سميت بأموال "التحرر". أما الأمهات فحصلن بموجب تدابير دولة الرفاه التي سعت الحكومة الاشتراكية إلى تأسيسها على 3500 دولار عن كل مولود فيما استفاد الرضع من الحضانة مجاناً ومُنح كبار السن معونات مالية لدخول دور الرعاية المتخصصة. ولكن ذلك تغير كليّاً مع انفجار الفقاعة العقارية على غرار ما حدث في الولايات المتحدة، واكتساح تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية مثل تسونامي الجميع من "وول ستريب" إلى ساحة إسبانيا بمدريد. وهكذا تحول انشغال ثباتيرو في ولايته الثانية من تثبيت دعائم الحماية الاجتماعية للمواطنين الإسبان تماشيّاً مع برنامجه الاشتراكي الذي وعد به في حملته الانتخابية إلى تقليص الإنفاق الحكومي في سباق مع الزمن حتى لا ينخفض التصنيف الائتماني للبلاد ويصعب عليها الحصول على القروض لتمويل التزامات الدولة. وقد وجد ثباتيرو نفسه بعد أن كان رمزاً للاشتراكية يدخل في اتفاقيات مع الاتحادات العمالية والشركات لتجميد الأجور ورفع سن التقاعد من 65 إلى 67 سنة، والحد من حقوق التفاوض لدى العمال ثم خفض الرواتب بنسبة 5 في المئة بما في ذلك راتبه الخاص. وفي تبريره لهذا الانقلاب الشديد على سياسة دولة الرفاه قال ثباتيرو إن البديل هو إفلاس الدولة، وإنه "يتعين القيام بذلك مهما كلفنا الأمر ومهما كلفني أنا شخصيّاً". والحقيقة أن التكلفة الشخصية من الناحية السياسية كانت باهظة، فبعد تراجع حاد في نسبة شعبيته كما أشارت إلى ذلك استطلاعات الرأي، أعلن ثباتيرو في الشهر الماضي أنه لن يرشح نفسه لولاية ثالثة، معبراً عن أمله في أن يجد حزبه مرشحاً آخر لم يتلطخ بأجندة يمينية كتلك التي اضطر هو إلى فرضها على حكومته الاشتراكية. ولكن مع ذلك لا يبدو أنه ساهم بهذه الخطوة في إنقاذ الاشتراكيين الذين يواجهون غضباً شعبيّاً عبر عنه المحتجون في المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع قبيل الانتخابات المحلية التي ستجري في نهاية الأسبوع الجاري. ولم تكن إسبانيا هي البلد الوحيد الذي لجأ إلى خيارات مؤلمة مثل هذه، بل لقد خضعت دول أخرى في عموم أوروبا اعتادت على البرامج الاجتماعية السخية، إلى مبضع التقشف خلال الأشهر الأخيرة في محاولة من الحكومات لمعالجة العجز الكبير في الموازنات والحد من الديون المتصاعدة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية لعام 2008. وبالنسبة للحكومات المحافظة في أوروبا لم يكن التغيير مفاجئاً، فبعد النفقات الحكومية الكبيرة لإنقاذ البنوك وحماية الاقتصاد من الانهيار تبنى كل من ساركوزي وكاميرون وميركل برامج تقشفية وجعلوا من الانضباط المالي معركتهم السياسية ليجد ذلك صدى له في الهياكل الإدارية للاتحاد الأوروبي في بروكسل. ولكن الأمر اختلف في إسبانيا التي كان خفض النفقات الحكومية فيها صعباً للغاية بالنظر إلى صدوره عن حكومة اشتراكية اعتمدت أيديولوجيتها وقاعدتها الشعبية وقيادتها السياسية على الترويج لإنفاق غير محدود للحكومة على البرامج الاجتماعية والتنديد بالأسواق المالية كعرين للانحرافات الرأسمالية. وعلى رغم دفاع ثباتيرو ومساعديه عن التحول في السياسة الحكومية باعتباره أمراً لابد منه لضمان عدم تخلف مدريد عن سداد ديونها، إلا أن العديد من الناخبين الذين صوتوا لصالح الاشتراكيين في عام 2004 ثم مرة أخرى في 2008 شموا رائحة الخيانة. وفي رد فعلها على التقشف الحكومي دعت الاتحادات العمالية التي عادة ما تدعم الحكومة إلى تنظيم إضراب عام في شهر سبتمبر المقبل للتنديد بما سمته السياسات الحكومية المجحفة. وعلى رغم الطابع السلمي للاحتجاجات في عمومها إلا أنها عكست عدم ارتياح يسود على نطاق واسع بين الملايين من العمال المضربين الذين ينتمون إلى الحزب الاشتراكي العمالي، وهو ما عبر عنه "فيرناندو ليسانكو" قائلاً: "إنها حكومة اشتراكية لكنها تطبق نفس السياسات التي يعتمدها ساركوزي في فرنسا أو ميركل في ألمانيا وكاميرون في بريطانيا، وهذا ما يؤثر سلباً على دولة الرفاه". وقد بدا الانقلاب واضحاً عندما عبرت منظمات رجال الأعمال والشركات على غير العادة عن تأييدها لإجراءات الحكومة الاشتراكية، معتبرة أنها تدابير لا مفر منها واستجابة طبيعية للديون المتراكمة على الدولة التي دفعت الوكالات الدولية إلى التحذير من اهتزاز قدرة البلاد على تسديدها، بل دفعت إسبانيا إلى رفع الفائدة لتشجيع المستثمرين على شراء سنداتها والاستمرار في تمويل الديون. وسرعان ما تحول العجز المالي الذي وصل إلى 950 مليار دولار إلى حصة كبيرة من الناتج الإجمالي المحلي بلغت 64 في المئة، وجعل وزيرة الاقتصاد، إلينا سالجادو، تتوقع أن تدفع البلاد 38 مليار دولار خلال السنة الجارية كفائدة للدائنين. ولكن العديد من المراقبين يعولون على حداثة دولة الرفاه في إسبانيا لإدخال التغييرات المؤلمة، فلم تبدأ إسبانيا في بناء شبكة الحماية الاجتماعية إلا في الثمانينيات بعد عقدين من الطفرة الاقتصادية، ولذا فإن العديد من تلك البرامج ما زال جديداً ويمكن خفضها دون التسبب في صدمة كبيرة لدى سكان البلاد البالغ عددهم 47 مليون نسمة. إيداور كودي - مدريد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©