الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«سوناتا الربيع» تعزف على وتر تاريخ الألم

«سوناتا الربيع» تعزف على وتر تاريخ الألم
18 مايو 2012
سلمان كاصد (أبوظبي) - استضاف مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام أمس الأول، في مسرح أبوظبي بكاسر الأمواج، المسرحية المونودرامية السورية “سوناتا الربيع”، وهي من تأليف جمال آدم وإخراج ماهر صليبي وتمثيل مازن الناطور. يتحدث العمل المسرحي عن معاناة أستاذ جامعي في التاريخ، تحولت حياته إلى كوابيس وآلام وسط تهشم الوضع السوري الراهن، وكل ذلك يأتي ليجسد إصراره على عدم بيع ضميره، لذا نراه عاملاً للدهان والطلاء في المنازل. يمضي جمال آدم بمسرحيته إلى عالم أكثر قسوة، إلى مواجع العلاقة بين الذات والعالم المحيط، في ضوء مكاشفة كاملة بين “الإنسان وذاته” و”الإنسان والآخر” من خلال شرخ في جدار بوصفه رمزاً عن خلل كبير خلف ذلك الجدار نفسه. تكوّن ديكور المسرح من مجموعة عناصر “سلم من الألمنيوم متنقل، مجموعة من الأواني التي تضم دهاناً، إبريق شاي، عصا لتحريك الدهان، وشاشة سينمائية كبيرة نصبت في عمق المسرح في أعلى الجدار المواجه”. استفادت شخصية “أبو حسن” الممثل مازن الناطور من هذه العناصر السابقة لتجسيد الفعل المسرحي الذي يتمحور حول قضية محورية في النص، تتلخص في “علاقة الضمير بالإنسان”، الضمير بوصفه حقيقة وليس افتراضاً. حكاية المسرحية تبتدئ مع انفراج الستارة والتي تفصح عن عامل دهان البيوت اسمه “أبو حسن”، يستمع إلى أغان بأصوات مغنيين عرب كبار، متعلقة جميعها بدمشق والشام، ومنها “محمد عبدالمطلب”: بتاخذني الأيام، بتتعبني الأيام/ ولكن روحي تبقى تغني للشام”، وفيروز “ياكلام المجد في الكتب” وصباح فخري “يا مال الشام”. وأخيراً يتغنى أبو حسن نفسه بالشام، فيسرد الحضارات التي مرت عليها “الأرامية، الكنعانية، الآشورية، الرومان، والإغريق”، ويدعي أن الأبجدية قد اكتشفت على أرض الشام، كون دمشق أقدم عاصمة في التاريخ .. ويحرك عصاه. يبدو المسرح هنا كتلة ضخمة يتحرك فيها الممثل مازن الناطور من أقصاه إلى أقصاه، ما يفقد العرض فسحة الوقت الذي يستهلك في هذه الخطوات لأكثر من مرة ذهاباً وإياباً، ما بين علب الدهان وإبريق الشاي، ويصبح الخطاب مكرساً لفعل سياسي يتعلق بالراهن، كما يبدو هذا الخطاب السياسي مباشراً، ما يجعلنا نتوقع مآسي وتصعيداً حكائياً لقضايا مؤلمة سوف تحكى في النص، أي أن المؤلف لم يفاجئ الجمهور بما هو غير متوقع، حيث ظل كل شيء متوقعاً ما دمنا قد ابتدأنا بالسياسة مباشرة على خشبة مسرح تفترض فيه أن يقدم معالجات غير مباشرة تحيل المتلقي إلى مشارك في النص والتأويل. يرن التلفون ثلاث مرات “الآخر هنا إشاري”، ويأتي النداء الثالث لماري زوجته الفرنسية التي غادرت إلى أهلها وأخذت معها ابنته “سوناتا”. يتقمص “مازن الناطور” شخصيات عاشت حياته “جده، جدته، صديقه أبو صالح المعلم، رجل الأمن وأبوه وابن عمه فايز” ويتعلق التقمص - إذا افترضناه كذلك - بالعلاقة بين السيجارة والجلطة القلبية، وأن من يسبب الجلطة القلبية ليس التدخين، بل أولئك الذين ينهشون قلوب الناس. التقمص هنا لا يأتي انسلاخاً عن شخصية وتلبس أخرى، بل بحوار الشخصية المونودرامية مع الشخصية المفترضة الأخرى. كان الفعل الحركي للممثل بطيئاً، والسينوغرافيا لا وجود لاستخدام أمثل لها، فالمسرح لم يتبدل والنص قد شطر الشخصية إلى اثنتين لا تقتربان كثيراً “فما بين أستاذ التاريخ وعامل الدهان بون شاسع وكبير”، والاعتماد على النقد الاجتماعي والسياسي عبر خطاب موجه تحريضي لا ينتمي إلى أساليب المسرح الحديث، بل يعود الخطاب إلى زمن التحرر البعيدة، عندما كان الشارع يحتاج إلى محفزات للثورة، وأظن أن المتلقي الآن يحتاج إلى فنية عالية، كونه يفكر أيضاً في محاولة لفك الرموز والإشارات والدلالات الموحية وليس الاعتماد على الخطاب المباشر. المسرحية “سوناتا الربيع”، تشكل علامة على إمكانية أن يقدم عرض في زمن يقرب من ساعة يقوم به بطل واحد، يملأ فراغ الحكاية، بل الحكايات التي لولاها لما استمر البناء الدرامي للنص. النص المونودرامي يتكون من شخصية تقدم قضية وشخصيات أخرى افتراضية، لكن ما أضاف المخرج ماهر صليبي هنا، أنه شطر الشخصية بين واقعيتها وضميرها الذي بدأ يعرض على شاشة سينمائية، وهذا يحسب له كونه استغل التقنية لتجسد الضمير بشكل سهل، أما لو تخلى عن الشاشة لكان الأمر نصاً جسدياً يستغل فيه الممثل إمكاناته التي ظلت في إطار السرد “الشخصية ساردة” لا فعل جسدياً لها. جسدت الشاشة فعل الذاكرة، وتحولت إلى سينما في لحظة التعذيب وغربت النص المسرحي، إلا أن المخرج حاول أن يقدم تماثلاً بل اتحاداً بين الواقع على الخشبة والذاكرة على الشاشة عندما اتحدت الشخصيتان معاً، اختفاء الذاكرة وانهيار الواقع وكان بناء جميلاً بالنص. قدمت الشاشة أسماء المشاركين في العمل المسرحي الذي تحول إلى فيلم سينمائي في خاتمة ليست تقليدية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©