الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وليد خالص يفرد نقدا وافيا للإبداع الإماراتي في دراسته للأدب في الخليج العربي

وليد خالص يفرد نقدا وافيا للإبداع الإماراتي في دراسته للأدب في الخليج العربي
27 نوفمبر 2008 01:32
أحدث ما أصدره الدكتور وليد محمود خالص المدرس في جامعة السلطان قابوس كتاب بعنوان ''الأدب في الخليج العربي دراسات ونصوص'' عن منشورات المجمع الثقافي بأبوظبي في 556 صفحة من القطع الكبير· يضم الكتاب بين دفتيه أربع دراسات نقدية اثنتان منها حول كتّاب القصة في الإمارات ومن أبرزهم عبد الحميد أحمد، والثانية حملت عنوان ''جدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس تجليات الرؤيا وآفاق التصوير''· شخصيات غير مدينية ''عالم المدينة في قصص عبد الحميد أحمد، دراسة في البيئة المكانية'' هو عالم واقعي لاسيما في قصصه: رائحة العطش، عطش النخيل، رجل من بنغش ويبرز من خلال أمرين، أولهما أن القاص وهو في وصفه المجرد للوجه المضيء للمدينة لم يستطع أن يخفي انحيازه الى الضًد منها، تندُ عبارة هنا وتقفز كلمة هناك تشير الى هذا الضيق بالمدينة وزحمتها وضوضائها، فكل هذا يعيق التأمل ويمنع التفكير المنساب· أما الأمر الثاني فهو شيوع ألفاظ الضيق والبرم شيوعا لافتا للنظر خلال الوصف إذ تواجهنا ألفاظا مثل: القهر، الجو الخانق، الحزن ـ بكثرة واضحة ـ وكأن اللغة وهي تنساب لم تجد غير تلك الألفاظ تصف المدينة بها وتعبر عن ذلك القلق المأزوم، فإذا أضفنا الى هذا تلك اللغة التصويرية التي لجأ القاص إليها لتعميق هذه الألفاظ وإكسابها دلالات متعاقبة نامية، أدركنا موقف عبد الحميد أحمد من المدينة· يشير المؤلف في دراسته الى عناصر القلق والضياع التي تميزت في رسم الشخصيات التي أبدعها عبد الحميد أحمد، شخصيات تتحرك في شوارع المدينة وتتعامل مع معالمها المتعددة الضخمة، لكن مظاهر ''البطل المنكسر'' هي النموذج في قصصه وبخاصة: آل مغضوب برسم البيع، السمكة، منشور ضوئي، صفعتان، الفأس· ويقول: ''لاحظنا أن البطل المنكسر يتحرك في المدينة وحدها في حين أن الشخصيات في بيئات أخرى ومنها القرية مليئة بالأمل والتفاؤل، ولا يقترب القلق منهم إلا عندما تحتك المدينة بهم وتنقل لهم شيئا من قيمها ومواضعاتها''· يرى المؤلف أن عنصر ''المفارقة'' يفتح آفاقا واسعة لفهم الشخصيات الحائرة عند عبد الحميد أحمد، الذي رسمها في ظل التغيًر الكبير الذي أصاب المدينة، فبعض هذه الشخصيات لم يستطع أن يتكيف معه فقبع في مكانه، وبعضها حاول التكيف ولكنه لم يمتلك الأدوات ففر من الميدان حائرا مذعورا، وشخصيات أخرى تغيرت ولكنه التغيًر الذي أصاب القشرة الخارجية فحسب ولم ينفد الى الداخل· وتطبيقا على ذلك نرى النوع الأول في شخصية ''رشدان'' في قصة ''السمكة'' (القصة ضمن مجموعته السباحة في عيني خليج يتوحش) الذي اكتفى ببيع السمك في السوق بعد أن كان يقوم باصطياده· ومن النمط الثاني شخصية ''سعيد عبدالله'' في قصة ''صفعتان'' (القصة من مجموعته البيدار) تبهره المدينة الكبيرة بأضوائها وزحامها وفيضها الذي لا ينتهي ضمن مفهوم ''التقابل'' ويحاول سعيد أن ينغمس في جو المدينة التي أحبها وفتح لها ذراعيه، ولكنه يصدم حين ينتهي به المطاف الى مخفر الشرطة ليبيت ليلتين مع صفعتين من المرأة التي تحدث معها، ولا ريب في أن صفعة المرأة تلك تشير بقوة الى صدمته إزاء المدينة وكأنه يذكرنا بما قاله عزرا باوند عن القرية والمدينة في معرض حديثه عن (الأرض والخراب): ''حياة القرية قصصية، فلا تكاد تحل فيها ثلاثة أسابيع حتى تعرف الحكاية بأكملها، في المدينة تتلاحق الانطباعات المنظورة وتتداخل التراكيب بالطريقة السينمائية التي تنتهي عادة بصدمة قوية''· ومن الصنف الثالث من شخصيات عبد الحميد احمد شخصية ''خلاله'' في قصة (خلاله S.E.L) وهو من أولئك الذين قضت المدينة الجديدة على عملهم القديم، فقد كان صاحب حمار ينقل عليه أثقال الناس وأحمالهم، ولم تعد لهذه المهنة من رواج بعد طوفان حافلات النقل، ولذلك نراه يلجأ الى الوزارة ليعمل ناطورا في إحدى المدارس· لقد استطاع القاص من خلال تلك المفارقات واللقطات النافذة أن يشخص لنا تلك الشخصيات على أنها بقايا عصر ساقها قدرها الاجتماعي للدخول في عمق عصر آخر أكثر تطورا وانطلاقا، فبدت غريبة عن هذا العصر، غير متآلفة معه، ولم تكن الأنماط الثلاثة التي تحدثنا عنها هي وحدها التي تعاملت مع المدينة ووظفها القاص في هذا المجتمع الجديد، اذ صادفنا شخصيات كثيرة سلط عليها أضواءه وبين مواقفها وحالاتها وسلوكها، ومنها شخصية (سلمان) في قصة ''الفأس'' تلك الشخصية الآمنة في أحضان الطبيعة، الحقل، القرية، الزراعة، البيت، الأرض، الدفء الذي يشع في الأوصال، ويتغير ذلك كله حين تقترب منه المدينة ممثلة في واحد من أبنائها من بيته، لتبدأ حياته في التغير ابتداء من كذب زوجته المتواصل وانتهاء باكتشافه الحقيقة وحمله فأسه ليقوم بعمل ما· إن القصة كلها كتبت بتقنية عالية وانسيابية ممتعة تلائم الجو النفسي للشخصيات وفي إطار النهاية المفتوحة التي نعرفها في فن المسرح· تنتهي دراسة وليد خالص لقصص عبد الحميد أحمد بان الشعور والأمل يكاد يومض بين السطور، فالشر يكمن في تلك المظاهر المجتلبة، أما الجوهر فما يزال فيه الكثير من النقاء والخير، وقد أبدع القاص في تصويره كليهما، فكان شاهدا على ما يحدث، ومصورا أمينا للواقع وأمينا للفن الذي هو غايته· العويس ومهرجان للطبيعة في دراسته تحت عنوان: ''جدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس ـ تجليات الرؤيا وآفاق التصوير'' يرى المؤلف أن شعر الراحل سلطان العويس يندرج ضمن السياق العام للشعر العربي، غير أن له سلطة الاختيار، أو حرية الاقتراب أو الابتعاد، ولذلك تحركت الطبيعة في شعره على مستويين: الأول خارجي، والثاني داخلي· لكن المرأة في المستويين كانت قطبي الجدلية باعتبارهما يمثلان الوجود والعدم· يقول المؤلف في صفحة 96: ''أنَى قلّب القارئ بصره في شعر سلطان العويس فلا بد من أن تصدمه الطبيعة بمفرداتها المتعددة، وتفصيلاتها الدقيقة فهي حاضرة مشعًة، تلوًن الشعر بلونها الخاص، وتضفي عليه من الصور والألوان ما يحيل هذا الشعر الى مهرجان من مظاهر هذه الطبيعة التي أولع بها وراح يوظفها في شعره على نحو قوله: يا ليلة الوصل هل أنسى معتًقة جادت بها شفة من مبسم الدرر وأنجم الليل فرسان تطير به كأنها حدت إلفين في سمر وانقض فجر كحشد النهر مصطدما بالصخر ابيض ينهي نشوة الظفر يشير المؤلف الى ظاهرة ''القصيدة الصورة'' في شعر العويس، وهي القصيدة التي تجري نفسا واحدا، ونسقا منسجما لتكون الطبيعة هي الصوت الوحيد فيها بجميع ما توحي به من أصداء وظلال، فقصائد مثل ''الوردة'' و''الذكرى'' و''ليالي الشام''، و''فراشة الأرض'' وغيرها ليست سوى معارض للطبيعة، وتفصيلاتها وتنتظم هذه الطبيعة القصيدة من المفتتح حتى الختام على نحو ما نجده في قصيدة ''الوردة'': يا وردة الندى أطرافها فبدت تعطًر أنفسا وقلوبا ما أنت إلا في الحياة عجيبة هذا اتجاهك لا يزال غريبا لم أهو قطفك من رباك وان يكن قطف فأولى أن يكون حبيبا نظرة سريعة الى القصيدتين السابقتين نلحظ خصوبة التصوير في عملية وصف الأشياء ، بل يحاول أن يتعمق فيها من خلال التشبيهات والاستعارات، وباقي أنواع المجازات، وقد أتاح له هذا أن يتغلغل الى الداخل ليسبر الغور ويعود حاملا طبيعته الخاصة التي قدمها رمزا للبقاء والثبات، وان كان يجنح في بعض القصائد الى الأسلوب الخبري، كما نجد الأسلوب الإنشائي وخصوصا الطلبي في شعر المرأة، كما نصادف قصائد هي أقرب ما تكون الى (اليومي)، أو شعر المناسبات، وفيها تخفت الشعرية الى مدى بعيد، غير أن الشاعر يلجأ فيها أيضا الى الطبيعة والأسلوب الخبري: الإمارات تحيَي أهلها من أتوا من مشرق أو مغرب قادة الفكر إليكم ننتمي فشذا المسك بطيب العنب لو يصاغ المجد صغنا أنجما وجعلنا رمزنا وجه صبي يفيد سلطان العويس من الموروث وفق اختياره ليعيد تشكيله من جديد متناغما مع نظرته الخاصة، كما يفيد من استخدام الرموز ليسقط من خلالها على الطبيعة وأحوال الإنسان، ويتصل بهذا تصوير المرأة بالطبيعة، وهي ظاهرة غريبة من حيث كثرتها والإلحاح عليها في مواطن كثيرة من شعره، وكأنه لم يجد أفضل وأجمل من الطبيعة لكي يغترف منها لرسم صورة المرأة، وهذا ليس بغريب من حيث التلاؤم مع هيكل الجدلية العام· فهو يستقي من منبعه الثَر الذي لا ينضب ويحاول التقريب بين طرفي الجدلية: أو ما رأيت حريرها مسترسلا يغري النسيم فيستجيب ويخفق حور المها بالمقلتين ووجنة ورد الخمائل بالندى يتفتق من بعض خصائص الشعر عند العويس ''صورة الاستفهام'' التي تفضي الى تلوين الشعر برغبات لا تحصى، وهي في بعض الأحيان متناقضة، لا بل نجد قصيدة مثل ''كيف أرجع'' تبنى جميعها على الاستفهام ونقتطف: يا حبيبي كيف ارجع؟ والذي شيد تصدع كيف أنسى أمسيات بددت ما قد تجمع ولك هنا أن تستشعر بقوة مفهوم الاستفهام المركب وهو السمة المميزة للقصيدة، كما ساعد الإنشاء كثيرا في تعميق فكرة السراب، كما نرى ذلك في قصيدة دموعي والهوى والتي تنجح في ترسيخ مفهوم (الفقد): كأني مذ فقدتك تاه عقلي وضاق عليَ في صدري حنيني فهل ذكراك ترحم ما أعاني أم الأيام يرسمها جنوني؟ هناك شعور بالفقد المستمر للمرأة في معظم قصائد العويس، ومن خلال هذا نستطيع تفسير قصيدة ''بعد غياب طويل'': ماذا أصابك يا ليلى من الزمن هذي نوازله في وجهك الحسن فأين قدَك منسابا وملتويا وخفقة الخصر فيه موطن الفتن انه يوجه الخطاب للمرأة التي أفل جمالها وظهر اثر الزمن عليها وبدت النهاية ظاهرة واضحة، فإذا ربطنا بين ولعه وصف المرأة بالطبيعة أدركنا أن هذا القريب الأفول هو الطبيعة نفسها، فالمرأة مفقودة دوما، غير أنها في نظره جميلة ونضرة وممتلئة حيوية ونشاطا· في النهاية نصل الى أن العويس نجح في أن يرسم الجدل للشعر بطريقة متفردة، وتمكن من خلال ذلك أن يثير جمهرة من الإشكالات والرؤى الخاصة، وكان الجدل هو الآخر وفيا له إذ قدم له من الإمكانات التعبيرية والتصويرية الشيء الكثير، فكان هناك جدل من نوع خاص بين الشاعر والجدل نفسه، كل يعطي لصاحبه ما عنده، الجدل يعطي طاقاته وثراءه، والشاعر يمنح فنَه وشعره له، فيقع ذلك التلاقي النادر بينهما
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©