الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرّض العمال والمضطهدين على الثورة وظل صديقا لإسرائيل

حرّض العمال والمضطهدين على الثورة وظل صديقا لإسرائيل
27 نوفمبر 2008 01:17
كما في السينما والغناء فإنّ في الأدب نجوما، وجان بول سارتر، وقد مضى اليوم على وفاته 28 عاما، فانّ نجمه لم يخب في الساحة الأدبية الفرنسية والعالمية، فهو مؤسس مذهب الوجودية· ومن أشهر مواقفه رفضه عام 1964 جائزة نوبل، فهو ـ وبشهادة من عاصروه ـ لم يكن أبدا مهتما بمجد شخصي أو أدبي، ومجده الوحيد كان يستمده من كتبه· هو كاتب ومفكر وفيلسوف وصحفي سياسي، يتقن السجال ويجد دائما الجمل القاتلة في معاركه مع خصومه، وكأنه قاتل محترف سلاحه الكتابة· ولد جان بول سارتر عام 1905 بباريس وعاش يتيما، فقد مات والده ـ وكان ضابطا في البحرية ـ ولم يتجاوز الطفل عمره عاما واحدا· تزوجت والدته وهو في العاشرة، ولم تدم الزيجة طويلا، وعام 1931 أصبح أستاذ فلسفة بأحد المعاهد الثانوية الباريسية وعام 1969 توفيت والدته· إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية انتشر المذهب الفكري الوجودي الذي أنشأه سارتر، ويذكر الكاتب فرانسيس جانسن ـ بصفته شاهد عيان ـ أن محاضرات سارتر كانت تشهد إقبالا شديدا حتى أن بعض الفتيات والنساء كن يصبن بالإغماء لفرط الازدحام على قاعة المحاضرات، كما أن الناس كانوا ينتظرون دورهم في طابور طويل أمام مقر مجلة ''الأزمنة العصرية'' التي يديرها سارتر للتشرف بالتسليم عليه ومصافحته أو لتبادل جملة أو اثنتين معه· والحقيقة أن باريس عاشت بعد التحرير من الاحتلال الألماني النازي حياة أدبية زاخرة وعرف الحي اللاتيني حيوية كبيرة لدى الأدباء والفنانين، وكان سارتر هو النجم في الساحة الفكرية والأدبية· والفيلسوف الوجودي وقد أصابه العمى في آخر حياته كان يؤكد في مؤلفاته ومواقفه إن الثقافة بكل أشكالها تعكس حقيقة الانسان في كل تناقضاته، وهو وإن كان يجد في الكتاب وسيلة هامة لتمرير أفكاره فإنه لقي في المسرحيات العميقة التي ألفها مجالا أرحب لإبلاغ تصوراته للحياة والناس· ومن أشهر أقواله جزمه بأنه لم يتعلم شيئا ممن نقدوا كتبه· ثائر متطرف لقد تنكر سارتر لطبقته البورجوازية لينضمّ إلى صفوف الثائرين من العمال والطلبة والطبقات الفقيرة، ولذلك رفض جائزة نوبل للآداب التي منحت له، ورفض كل الأوسمة التي أسندتها له الهيئات الفرنسية والأدبية· وكردّ فعل على مواقفه فقد كرهته الطبقة البورجوازية وشنت عليه حملة لا هوادة فيها، كما عادته الكنيسة باعتبار أن مذهب الوجودية الذي نشره بين النخب معاد للدين· ولا شك أن سارتر كان يعتقد اعتقادا راسخا أن ثورة شعبية ممكنة الوقوع في فرنسا بعد حركة 1968 المعروفة، وهو، وقد بلغ العقد السادس من عمره وقتها قد خبر الحياة والناس وسكنه اليقين بأن ثورة عمالية في فرنسا ممكنة، وسارتر كان من وجهة نظر أتباعه وأنصاره يخوض المعارك من أجل الحرية حد التطرف والمبالغة، ولم يكن أبدا رجل وسط· قصة صورة جان بول سارتر، هو احد أشهر كتاب العالم طبقت آراءه الوجودية الدنيا، لم يبق في برجه العاجي بل نزل إلى الشارع لمساندة الكادحين والعمال في المصانع المطالبين وقتها بتحسين أجورهم وظروف عملهم· ويوم 21 أكتوبر عام 1970 التقطت له صورة شهيرة على أبواب مصنع ''رينو'' للسيارات بضواحي باريس، وهو يخطب في عمال المصنع ويحثهم على التمرد والثورة، وقد أثارت تلك الصورة زوبعة وجلبت له الكثير من الكتابات المعادية لمواقفه وحتى للسخرية منه سعيا إلى إظهاره في شكل مزر· ولكن المناصرين له رأوا في تلك الصورة رمزا لسعي الكاتب في التواصل والإقناع ضد الغباء والسطحية والخنوع، ورأوا فيها صورة للثورة والنضال من اجل الحرية وبقيت صورة الكاتب جان بول سارتر وهو واقف فوق برميل يخطب بين العمال رمزا لثوريته وتمرده حسب قراءة المناصرين له ولأفكاره· ولكن السؤال الذي يطرحه المخالفون لهذا الرأي يقول: هل يحق للكاتب من طينة جان بول سارتر ـ وهو اليساري الراديكالي المعروف ـ بأن يكون داعية للثورة والتمرد وعدم احترام المؤسسات والنظام السياسي القائم؟ السؤال المحير كان اهتمام سارتر كبيرا بتاريخ الأمم والبلدان وتاريخ المجموعات والمناضلين، وشغوفا بتاريخ الإنسان وقد سجل هو تاريخه الشخصي في كتاب ''الكلمات'' وكان مناصرا للشعوب المناضلة من أجل تقرير مصيرها، بل كان في كثير من الأحيان حاملا لواءها مثلما فعل مع الفيتناميين أو مع الجزائريين والسود أيضا· ولكن الغريب أنه كان دائما مساندا لإسرائيل مساندة قوية وقد زارها عام 1967 وكان يقضي بها جل إجازاته وقبل الدكتوراه الفخرية من جامعة القدس وهو الذي رفض جائزة نوبل، وهذه العلاقة القوية مع إسرائيل جعلت صورته في العالم الثالث والعربي غير مشرفة، ولكنه يبدو انه في آخر حياته قد راجع قليلا موقفه من المسألة اليهودية وقام بنقد ذاتي· والسؤال الذي يبقى مطروحا الى اليوم هو: كيف ان الفيلسوف جان بول سارتر الحريص على حريته في المعنى المطلق قبل الدكتوراه الفخرية من جامعة القدس الإسرائيلية والتي سلمت له في باريس؟ والحقيقة ان هذه الشهادة الفخرية التي قبلها تقوم دليلا على انحيازه رغم انه نادى بضرورة التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني· ولعل انحيازه لاسرائيل يجد جانبا من التفسير في الصداقة القوية التي كانت تربط سارتر باليهودي لانزمان وهو أعز صديق لديه· مع سيمون دي بوفوار كوّن جان بول سارتر وصديقته ورفيقة دربه الكاتبة سيمون دي بوفوار اشهر ثنائي في الأدب الفرنسي المعاصر، وقد هيمنا على الحياة الفكرية والثقافية الفرنسية طيلة القرن العشرين بأكمله· ومنذ بداية علاقتهما وهما طالبان في نفس الفصل بجامعة السوربون اتفقا ـ ورغم تعلق الواحد منهما بالآخر ـ بأن يحافظ كل واحد منهما على حريته الشخصية، فالحب لا يجب في نظرهما أن يكون قيدا، ولذلك بقيت علاقتهما علاقة حب وفي الآن نفسه كان كل منهما يتمتع بحرية مطلقة في معاشرة أي حبيب آخر· ومن أطرف تصريحات جان بول سارتر عندما سألته رفيقة دربه وصديقته سيمون دي بوفوار عن النساء فأجابها بقوله: في طفولتي كنت دائما محاطا بالنساء: أمي كانت شديدة العناية والاهتمام بي، وكان حولي دائما فتيات ونساء ·إني اعتقد أن فيّ شيء من المرأة· بين الأديب والقارئ وسيمون دي بوفوار امرأة مثقفة، وفيلسوفة وكاتبة ومدافعة عن حقوق النساء، وهي من سلالة أسرة بورجوازية، من أب محام محب للأدب والمسرح، وأم كاثوليكية متدينة· تقول دي بوفوار، وقد عملت أستاذة فلسفة بباريس بأن دوافع الكتابة لديها مردها إعجابها بالكتاب، فهي ترى أن الكتب تمس الوجدان وتدغدغ الخيال وتضمن المجد لمؤلفيها· سافرت الأديبة الفرنسية كثيرا وطافت في أرجاء الدنيا مدافعة عن حقوق المرأة، وقد زادت شهرتها بعد نشر كتابها: ''الجنس الثاني''، وأكثر كتبها يمكن تصنيفها ضمن أدب المذكرات· قال عنها سارتر ان أسلوبها في الحديث عن نفسها هو نفس أسلوبها في الحديث عن الآخرين، ويرى المهتمون من النقاد بالشخصيتين إن سارتر كان يريد أن يحيا، وهي تريد أن تكتب، وسارتر وجهها ودعمها وقواها· ومن أروع كتب سيمون دي بوفوار ماحبرته في وصف احتضار والدتها في كتاب عنوانه ''موت ناعم جدا''، وتضمن تفكيرا فلسفيا عن الحياة والموت، وقد أعلنت دي بوفوار في حديث لها عن العلاقة بين الكاتب والقارئ ان كثيرا من سوء الفهم يتربص بالقراء الذين يتعمدون نسيان المسافة التي تفصل بين الكاتب من لحم وعظم والشخصية التي يصنعها المؤلف
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©