الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصالحة مع الصحة والذات...!

6 أكتوبر 2016 00:35
تختلف لغات العالم، وتبقى الابتسامة لغته الموحدة التي تشكِّل فارقاً لك في مطارات الوصول والمغادرة، خاصة إذا كانت رحلتك للاستشفاء والاسترخاء بعد طول عناء في عام مليء بالحكايا والخفايا وبما يُقال وما لا يُقال. في منطقة رائعة على ضفة بحيرة ورثيرسي «Wrthersee» جنوب النمسا في المقاطعة النمساوية التاسعة، كارينثيا «Carinthia»، كنت على موعد لأسبوعين متتاليين مع مركز صحي يقع في منطقة ماريا وورث «Mariawrth» العتيقة والشهيرة كمركز للسياحة الصيفية النمساوية والأوروبية، منطقة يعود تاريخها إلى القرون الوسطى وعاصمتها كلاجنفورت «Klagenfurt». ما إن تغادر مطارها الصغير سالكاً الطريق المؤدي إلى المركز حتى تحتفي عيناك بالخضرة التي اكتست بها أراضيها، وبريق بحيرتها الفيروزية الساحرة وقد دبَّت الحياة على ضفافها بمرتادي المنتجعات الصحية والترفيهية، قبل أن يباغتها الشتاء فيُلبسها ثيابه البيضاء، ويُجمِّد مياهها ويُدخل كائناتها في سبات طويل، لا يكسره سوى محبي السياحة الشتوية وعشَّاق تحدي الطبيعة. يطل المركز الصحي على بحيرة ورثيرسي «Wrthersee» في منطقة تتسم بالهدوء، وعلى الجانب الآخر غابات ممتدة تأسرك بسحر طبيعتها وأشجارها الباسقة، حيث تفصل المشهد من المنتصف بين زرقة السماء وصفاء الماء ليتعانقا من جديد على أطراف اليابسة. تجدك في أحضان طبيعة أبدع الباري صنعها وحباها جلالاً وجمالاً تعجز عن وصفه الكلمات؛ فالبحيرة تداعبك، وماؤها يهامسك، والهدوء يأسرك، وأينما التفتَّ بَشاشة الوجوه تصافحك دون أن تخترق دواخلك أو تنبش في عوالمك؛ ولسان حال الجميع، متحدون في الاستشفاء والاسترخاء وإعادة تأهيل ما تصدَّع فيك من آثار عدوان السنين عليك. وكأن سحر المكان في انتظارك ترقباً وشوقاً، دونما عبث بلحظات تأمُّلك، لأنك ضيف في حضرته وأنت وحدك من يشكل معالم يومه بريشته المتناغمة مع ما تتوق إليه روحك. تداعبك نسمات الصباح وتبقى برفقتك وأنت تشقُّ خطاك وسط طبيعة مزدانة بأروع الألوان، تعيد لعينيك عذريتهما المنسية، ثم تتناول إفطارك الصحي بلا إضافات صناعية، فهويتك الغذائية تحاكي هويتك الشخصية، كما قال أنتيلم بريان صاحب الذائقة العالية في عالم الطعام: «قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت»، لتغادر وأنت طبيب ذاتك، تعرف جيداً ما ينفع جسدك لتنعم بحياة صحية مستدامة، وقد أبرمت عهداً غير منكوث ووقَّعت أصعب بنود الاتفاق مع شركاء الصحة المستدامين في رحلتك الوجودية الأرضية. حريٌّ بالكتاب أن يكون أوفى جلسائك في رحلة استشفائية ممتدة لأسبوعين، حتى إنك تتعجب كيف قرأت كل تلك الصفحات من كتب عديدة مستمتعاً بترياق تلك الأطروحات التي حملتها معك، لتستنشق الكلمات بكل ما أوتيت من شغف تستقيم به روحك وتعود لأفكارك إشراقتها، وينطلق زفير الإبداع على السطور المتعطشة لمداد قلمك. لم تكن لتنعم بكل هذا في رحم مدن أغرقتنا انشغالاً وآلاماً وتحديات، والتي ستعود إليها مستقبلاً مداراتك الحياتية وأنت تحمل في جعبتك ما خلفته تلك الإقامة الوادعة في أحضان الطبيعة الربانية من طاقة إيجابية وتوازن صحي وذهني. في نهاية رحلتك تتلو آيات الشكر لكل ما جمعك بإبداع الخالق في كل ما تراه حولك. وترسل أسمى عبارات الامتنان إلى غابات الأشجار وبساطها الأخضر الذي يلامس السماء، والإوز الأبيض وهو يسير في هدوء وزهو وانحناء على صفحة المياه الزرقاء، رحلة ما زالت تمدني بهدوء وسكينة، وتطرح عليَّ أسئلة لم أجد لها إجابة سوى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، «سورة النمل: الآية 88»، فتبارك الله أحسن الخالقين. الدكتور - عمادالدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©