الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هجوم بنغازي... حقائق وأساطير

18 مايو 2013 22:22
مايكل هيرش كاتب ومحلل سياسي أميركي تتباين الروايات المحيطة بمقتل السفير الأميركي، كريستوفر ستيفنز، وثلاثة أميركيين آخرين في بنغازي بليبيا في 11 سبتمبر 2012، حسب المواقف السياسية المختلفة، فالجمهوريون يميلون إلى رؤية ما جرى على أنه فضيحة تلتها محاولة لتغطية ما حدث، فيما يرى الديمقراطيون أن الجدل الذي اندلع إنما هو محاولة لتلطيخ صورة أوباما ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، أما الرأي العام فيظل هو الآخر منقسماً وفقاً لاستطلاع أجراه مركز «بيو»، حيث قال 40 في المئة من المستطلعة آراؤهم إن الإدارة الأميركية لم تكن نزيهة، فيما اعتقد 37 في المئة منهم أنها قالت الحقيقة، بالإضافة إلى 23 في المئة من المستجوبين أعربوا عن عدم تأكدهم مما جرى. ولكن قبل إصدار الأحكام دعونا نقيم ما نعرفه نحن، وما لا نعرفه، حول تلك الحادثة المؤسفة. أولاً، هناك من يرى أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، قدمت معلومات مغلوطة عمداً إلى الرأي العام أثناء حديثها عن هجوم بنغازي، فحسب نظريات المؤامرة عمدت إدارة أوباما إلى حجب الأدلة التي تشير إلى أن ستيفنز قتل على أيدي جماعة إرهابية خلال الهجوم وذلك لتأكيد ما كان قد قاله أوباما من أنه قضى على «القاعدة». وبعد خمسة أيام على الواقعة أعطت رايس في لقاءاتها مع الصحافة معلومات للرأي العام استناداً إلى النقاط التي توصلت إليها من الوكالات الاستخبارية، حيث قالت إن مقتل ستيفنز جاء بسبب احتجاجات «عفوية» انتقلت من أمام السفارة الأميركية في القاهرة إلى مناطق أخرى من ضمنها ليبيا بسبب الفيلم المسيء لمشاعر المسلمين الذي عرض في الولايات المتحدة. وفي رد فعل على الاتهامات بتغطية الحقائق أفرج البيت الأبيض في الأسبوع الماضي عن 100 صفحة من مراسلات البريد الإلكتروني التي أظهرت أن وزارة الخارجية سعت بالفعل إلى حذف إحالات إلى وجود علاقة محتملة بين جماعة «أنصار الشريعة» المرتبطة بـ«القاعدة» وبين الهجوم، وإلى تحذيرات سابقة من وكالة الاستخبارات المركزية بوجود خطر داهم تمثله الجماعات المتطرفة في بنغازي وشرق ليبيا. فهل كان الأمر تغطية مقصودة للمعطيات؟ في الحقيقة يبدو أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، لم يقدم القصة كاملة عندما قال في أحد تدخلاته إن البيت الأبيض ووزارة الخارجية لم يُدخلا سوى «تعديلات بسيطة» على النقاط التي زودتهما بها الاستخبارات، ومن الوارد أيضاً أن الخارجية سعت إلى التخفيف، أو إزالة المقاطع التي قد تظهر الوزارة، أو كلينتون نفسها، في صورة سلبية. ولكن في الوقت ذاته تبرز الرسائل الإلكترونية أيضاً أن الانشغال الأساسي للبيت الأبيض والمتحدثة باسم الخارجية، فيكتوريا نولاند، كان عدم التسرع في إصدار الحكم، والتحفظ عن إطلاق معلومات سرية ما دام التحقيق ما زال جارياً. هذا بالإضافة إلى تغير المعلومات الاستخبارية نفسها مع مرور الوقت، الذي يعتبر إجراء عادياً في حال تم في إطار التنسيق بين الأجهزة. ولا ننسى أيضاً أن رايس أشارت في حديثها إلى وسائل الإعلام إلى وجود «عناصر متطرفة» قد تكون ضالعة في الحادث. ولأنه حتى هذه اللحظة لم يتأكد مكتب التحقيقات الفيدرالي ولا باقي الأجهزة من هو المسؤول الحقيقي عن الهجوم فإن ما برز على أنه جهود الإدارة لحذف إحالات إلى جماعات بعينها هو في الحقيقة جزء من الحصافة التي يستدعيها الموقف وليس تغطية للمعطيات. أما النقطة الثانية التي تثار حول الحادث فهي التي تقول إن تدخلاً عسكرياً أسرع كان يمكنه تلافي النتيجة الدموية للهجوم، أو على الأقل التخفيف منها، والحال أنه من الصعب التأكد من ذلك، فخلال جلسة الاستماع أمام الكونجرس قال جريجوري هيكس، وهو نائب سابق للسفير ستيفنز، إن طلبه بإرسال طائرات «F-16» وقوات العمليات الخاصة أثناء الهجوم قوبل بالرفض، ولكن الإدارة ردت بأن هيكس مدني وليس خبيراً عسكرياً. كما أن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتين ديمبسي، ووزير الدفاع، ليون بانيتا، أكدا في شهادتهما أمام الكونجرس أن عملية إنقاذ عسكرية ليست عملية، لأنها كانت ستستغرق ما لا يقل عن 20 ساعة للوصول إلى بنغازي، فيما قال «بانيتا» إن فكرة هيكس بإرسال طائرة مقاتلة للتحليق على أمل تفريق المتظاهرين عبثية. وفيما يتعلق بنفي المسؤولية وإبعاد اللوم عن أوباما وكلينتون فتلك هي الأسطورة التي يتمسك بها الديمقراطيون، إلا أنها لا تصمد أمام تقرير «هيئة تحديد المسؤولية» الذي أشار إلى «إخفاقات منهجية وعجز في القيادة والإدارة» ربما ساهما في مقتل السفير وزملائه، ولكن التقرير أحجم عن تحميل المسؤولية لأي فرد بعينه، مكتفياً بالحديث عن اختلالات في بعض أقسام وزارة الخارجية. وفي نفس السياق لا يمكن التعامل مع أطروحة الإدارة بأن الهجوم لم يكن متوقعاً على أنها حقيقة، ذلك أن الظروف في بنغازي كانت تنذر منذ البداية بالخطر، وكان ستيفنز يجازف بنفسه عندما ذهب إلى بنغازي أثناء الثورة على نظام القذافي للتواصل مع أقطاب المعارضة، وهذه التهديدات، يقول التقرير، كانت معروفة منذ البداية، فبنغازي «ظلت مدينة يغيب عنها الأمن حتى بعد الثورة ويديرها المجلس الأعلى للأمن المشكل أساساً من جماعات وميلشيات مختلفة». والخلاصة أن الجمهوريين بالغوا في تصوير هجوم بنغازي على أنه محاولة من إدارة أوباما لحجب المعلومات والتغطية على الحقيقة، لكن الحادثة بالقطع تمثل فشلاً في السياسة الأميركية، وهو ما يستدعي إطلاق نقاش عام حول ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد قصرت في تعاملها مع الخطر الإسلامي بعد ثورات «الربيع العربي» بدل إغراق حادثة بنغازي في لجة من التأويلات المسيسة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©