الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر الكبير علي بن رحمة الشامسي ترجل·· وصهيل قصائده باقٍ في الأفئدة والضمائر

الشاعر الكبير علي بن رحمة الشامسي ترجل·· وصهيل قصائده باقٍ في الأفئدة والضمائر
9 فبراير 2006
فقدت ساحة الشعر الشعبي الأسبوع الماضي شاعرها الكبير علي بن رحمة الشامسي، الذي غيبه الموت·· بينما قصائده حية فينا تشعل أفئدتنا وضمائرنا وذائقتنا·
الشامسي أحد أهم الشعراء المخضرمين ممن عاصر كبار الشعراء الذين أثروا معه ساحة الشعر الشعبي في الإمارات راشد بن طناف وسالم الجمري وراشد الخضر وحمد خليفة بو شهاب والعويس وغيرهم·· وكان له الدور الأبرز في ضخ القصيدة الشعبية بدم التجديد·· حيث يعد رحمه الله أحد أهم المجددين فيها، ناهيكم عن دوره البارز في تأسيس مجالس وبرامج الشعر الشعبي، وانطلقت قصائده الإنسانية والوطنية والعاطفية عبر حناجر كثر من المطربين الذين شدوا بها، خاصة لون الونة الذي اشتهر به الراحل، ووصل صدى قصائده المغناة خارج الخليج العربي عبر صوت مطرب الإمارات الأول ميحد حمد الذي أطلق في سماء الأغنية العربية إحدى أشهر الأغاني المحلية أحب البر والمزيون ·
إسهامات شاعرنا الراحل كثيرة وكبيرة، سواء كما ذكرنا في تأسيس مجالس الشعراء في الدولة التي كانت تعقد دورياً جلسات شعرية يسجلها التلفزيون والإذاعة، أو عبر برامج شعرية إذاعية مثل أحضان البادية وسواه، أو عبر إصدارات دواوين شعرية أشرف عليها باستثناء ديوانه غناتي وكذلك عبر تبنيه العديد من المواهب الشعرية الشابة التي أضحت اليوم أبرز نجوم القصيدة الشعبية على صعيد الدولة والخليج العربي·· وقدم إلى جانب شعره الرائع نماذج مضيئة من الشعراء الذين تستحق تجاربهم التقدير والثناء·
تناولت قصائده كافة الأغراض الشعرية وطني، إنساني، حكمة، غزل، مديح، رثاء واتسمت قصائده كما تدل عليها تجربته الشعرية وديواناه (أصدرت الأول وزارة الإعلام في السبعينات والثاني في التسعينات وحمل عنوان غناتي ضم العديد من القصائد المغناة) بجمال اللغة وبساطتها وروعة الأفكار وعمقها عبر أسلوب السهل الممتنع الذي اشتهر به، إضافة إلى السلاسة الخالية من التكلف، عالية الشفافية والصدق··على الرغم من كون الديوانين لا يمثلان سوى جزء بسيط من قصائده ·
ويذكر العديد من معاصريه ورفاقه الشعراء أنه اتسم طيلة حياته بأخلاقيات نبيلة عالية، وروح محبة للخير ومساعدة الجميع، كما كان كريماً مضيافاً، يتمتع بسمعة جيدة قوامها الإخلاص والوفاء للناس والشعراء·
وقد ذكر لنا الشاعر عبدالله سعيد الشامسي مدير مركز ملتقى الشعراء بالعين أن شاعرنا الراحل ولد في سنة 1930 كما هو موثق في ديوانه الذي يحمل اسم غناتي· وعاش في منطقة الحمرية بإمارة الشارقة تعلم القرآن الكريم وختمه على يد معلمه المطوع سالم بن سعيد المزروعي·· وأتقن القراءة والكتابة وهو في سن الخامسة عشرة من عمره وحضر وجالس مجالس الشعر والأدب وعمل في وظيفة حكومية لمدة ثلاثين عاماً كان ذلك في فترة السبعينات·
و تم تكريمه من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قبل عشر سنوات، كما كتبت عنه العديد من الدراسات التاريخية للشعر الشعبي وذكره موثقو الشعر في معظم كتبهم كأحد أبرز الوجوه الشعرية في الإمارات·
كان المرحوم شاعراً كبيراً وإنساناً فذاً متواضعاً كريماً يحرص على تواصله الدائم مع الشعراء ·
بينما أجرى الأستاذ الشاعر خالد العيسى حواراً قيماً مع شاعرنا الراحل نشر قبل نحو سبعة أعوام في صفحات الملف الشعبي في الاتحاد ، يعدّ أحد أهم وآخر حوارات الشامسي رحمه الله، جاء في بعض سياقه:
؟ دعنا نرجع شريط الذكريات قليلاً الى الوراء حيث يهجع الماضي بجماله وذكرياته وحيث كانت الانطلاقة في أوجها·· حدثني عن هذه البداية ومتى وكيف؟
؟؟ بدأت في كتابة الشعر قبل 50 سنة تقريباً وكان عمري 15 عاماً·· كنت مولعاً بسماع الشعر·· حيث كنت أرتاد المجالس الشعرية وأستمع الى ما يدور فيها من حوارات وردود ومساجلات بين الشعراء·· أستمع الى جديد الشعر وقديمه·· وكان للقصيد الجيد متذوقوه ومرددوه حيث الشعراء يمتدحون القصائد الجيدة ويتوقفون عند جمالياتها ويقومون أيضاً بالرد عليها شعراً وذلك تقديراً للشاعر والقصيدة، وعندما كنت أتذوق في البداية الكلمات الشعرية أقول في نفسي هل يمكنني أن أبدع مثل هؤلاء الشعراء وهل أستطيع مجاراتهم فيما يقولون·· وبعد فترة بدأت في محاولاتي وبدأ هاجس الشعر يزورني وتمخضت البداية عن قصيدة نالت استحساناً كثيراً من الشعراء·· وعمر هذه القصيدة عمر بدايتي، أي نصف قرن من الزمن لذلك لها مكانة خاصة في نفسي أقول فيها:
باني قصر في راس حبه
واخطف الوادي معاليه
احب واداوي المحبه
وخلي بكاس الود بسجيه
درب الهوى كلٍ تعبّه
وانا شرات الصوف بطويه
ومن ولعي بالشعر كنت أكتب قصائد بدل الدرس الذي كان يمليه علينا المطوع فطلب والدي وقال له: ابنك أتعبني وأعجزني فأنا الدرس لهم أشرح وهو مع القصيد يسرح وكل هذا لم يزدني إلا إصراراً على مواصلة طريق الشعر·
؟ ما رأيك بالقول الذي ذهبت إليه مجموعة من الشعراء وهو أن الشعر ينتقل بين الأجيال والأبناء والأحفاد بالوراثة؟
؟؟ الشعر يمكن أن يورّث كتراث وليس كإبداع·· فالشاعر إذا ترك ديواناً شعرياً لأبنائه فبالإمكان الاستفادة منه أي أن يجني الأبناء مردوداً مادياً وراء الديون أما أنه يورث الإبداع نفسه فلا أعتقد·
؟ ما رأيك بالقصائد الغنائية الحديثة؟
؟؟ الشعر الغنائي ليس فناً حديثاً إنما هو فن قديم جداً حيث كان البدوي يتغنى به على ظهر ناقته في الصحارى ويردده النهام في البحار مع (الغاصة) وتسمعه على شفاه العذارى في أيام العيد وهن يتأرجحن على المريحانات المعلقة على جذوع الرول والسدر فكل هذا فن غنائي موروث·
؟ الشاعر المخضرم علي بن رحمة الشامسي بما أنك عاصرت جيلين وفترتين زمنيتين مختلفتين الى حد كبير فماذا تقول عن هذا العصر وباختصار ما هو الفرق بينهما؟
؟؟ تميز الماضي بالبساطة والجمال رغم صعوباته (وامحانه) أما هذا الزمن فإن رأيي فيه قلته شعراً:
هذا الزمان يا هو عجوبات
يارب تكفينا بلاويه
؟ كيف ترى الساحة الشعرية وما تقييمك لها؟
؟؟ إذا نظرنا الى الساحة سنرى بوضوح أن شعراء كباراً يقفون عليها ونستطيع الحكم على الساحة من خلال ما يدور عليها وهذا واضح من خلال الجرائد والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية لما تقدمه من برامج شعرية ولو أن الساحة ضعيفة لما كانت هناك مبادرات إعلامية·
؟ دعنا نرجع الى الشعر بما أنك شاعر لك خبرتك وتجربتك الطويلة في ميدان الشعر·· (من خلال تجربتك) هل يمكن تعلم الشعر - كمادة تدرس مثلاً باعتباره فناً له مقوماته وقواعده وأركانه؟
؟؟ في رأيي لا يمكن تعلم الشعر دون وجود موهبة ربما يستطيع المرء أن يكون راوية ينقل أخبار الشعراء والشعر وفنونه وأحكامه·· لأن الإبداع يحتاج الى قريحة وبدونها يصبح الأمر عقيماً·
؟ إذاً كيف يمكننا تمييز الموهوبين من غيرهم خصوصاً في المراحل المبكرة من بدايتهم؟
؟؟ عندما يكون الشخص هاوياً فهذا يعني أنه مستعد لبدع الجيل من خاطره وسيحاول التعلم·· فالرغبة في التعلم هي نصف المسافة ويأتي الاستماع والقراءة كأساس يقف عليه المبتدئ وبعد ذلك يأتي الإبداع·
؟ بعد هذا المشوار الطويل والعطاء الشعري هل سيعلن بن رحمة تقاعده عن مضمار الشعر؟
؟؟ حاولت لكن الشعر لم يتركني في حالي فهو معي في حلي وترحالي لا يفارقني أقول الآن وبصراحة لا أستطيع ترك الشعر·· لقد تقاعدت من عملي في الجمارك لكن الشعر ليس مهنة إنما دمي الذي يجري في عروقي فهل يستطيع الإنسان الاستغناء عن دمه؟ ·
كان يمكن أن نقول عن شاعرنا الراحل علي بن رحمة الشامسي إنه ترك فراغاً كبيراً في الساحة الشعرية، لولا أنه لايليق أن نبدد جهوده الأدبية وقصائده الرائعة التي تستمر وتدوم، فإن رحل الشاعر يظل شعره نبراساً للأجيال وقلادة على صدر الشعر والثقافة الشعبية الإماراتية·· رحمه الله رحمة واسعة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©