السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوز أوباما··· تحسين لصورة أميركا في أوروبا

فوز أوباما··· تحسين لصورة أميركا في أوروبا
26 نوفمبر 2008 01:18
منذ نشأة الولايات المتحدة الأميركية، كان التصور الأوروبي والفرنسي على وجه الخصوص عنها أنها دولة استثنائية من كافة النواحي: فهي أرض المساواة، والفرص الفريدة، والإمكانيات الهائلة، والتجسيد الحي لمصير الإنسانية· وجاء انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة في الرابع من نوفمبر ليعيد الحياة لهذا التصور الذي كان قد اهتز كثيراً في الأذهان، وتحول إلى مفهوم سلبي خلال العقود الأخيرة، بعد أن انخرطت أميركا في سلسلة من الحروب العبثية في فيتنام والعراق وأفغانستان، حاولت أن تقنع العالم بأنها حروب عادلة، وإنها قد شنتها في إطار الرسالة المنوطة بها باعتبارها قوة عظمى استثنائية في التاريخ· وقد دفعت هذه المشاعر السلبية تجاه أميركا التي استمرت طويلاً بعضا من صفوة الكتاب في فرنسا مثل ''دومينيك مواسيه'' للقول بإن فكرة الاستثنائية الأميركية ليست سوى غطاء من الدخان للإمبريالية الأميركية'' قبل أن يأتي انتخاب السيناتور باراك أوباما، كأول رئيس من أصول أفريقية للولايات المتحدة، ليقلب المناقشات التي تدور حول الاستثنائية الأميركية رأسا على عقب، بحيث أننا قد صرنا نسمع مقولات مختلفة من مثل أن'' الهوية الأميركية ليست هوية ثابتــــة كما تبدو على السطح، ولكنها هوية متعددة المعاني، وأن أميركا بذلك ستظل قوة عالمية استثنائية شاءت ذلك أم أبت وسواء كان ذلك في صالحها أو غير ذلك''· ''لا يستطيع أحد أن يتهمنا بأننا نقول ذلك من باب النفاق''··· هذا رأي ''كاثرين ديراندان'' الباحثة بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، التي تضيف أيضاً:''عندما خطا باراك أوباما في ممرات حديقة البيت الأبيض مع الرئيس بوش، فإن ذلك لم يكن سحابة دخان بالتأكيد···إذ ليس هناك دولة في العالم يمكن أن يحدث فيها ما حدث في أميركا، وأنا أعتقد أن أوباما يدرك ذلك جيداً، وأنه سيستخدم هذا الوضع الاستثنائي في صنع السياسات الملائمة لبلاده''· يعلق ''موسيه'' على ذلك بقوله:''عندما اختار الأميركيون أوباما، فإنهم لم يكونوا يختارون رئيسا فحسب وإنما كانوا يختارون هوية أيضاً··· وهو ما يفرض علينا أن نختار هويتنا نحن كذلك، وأن نعرف أنفسنا جيداً، دونما حاجة لاتباع أفكار مناهضة لأميركا''· وهناك في الوقت الراهن فرنسيون كثيرون يقولون إنه من الواجب بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة النظر إلى الاستثنائية الأميركية من خلال عدسات جديدة· فتلك الاستثنائية كان يتم ربطها- خلال فترة سيطرة ''المحافظين الجدد'' على إدارة بوش خلال الثماني سنوات الماضية-بحسب ما يقوله ''أندرو بيسفيتش'' الكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي في كتابه الموسوم:''حدود القوة ونهاية الاستثنائية الأميركية''، كان يتم ربطها'' برغبة إنجيلية لنشر الديمقراطية، وإعادة تشكيل العالم وفقا للهوى الأميركي - باستخدام القوة إذا ما لزم الأمر· أما بعد الرابع من نوفمبر، فإن تلك الاستثنائية قد اكتسبت المعنى الذي وصفه الرئيس إبراهام لينكولن ذات مرة بأنه: ''آخر أفضل أمل على سطح الأرض''· ونحن نستطيع من جانبنا أن نشبه تلك الاستثنائية بحلم الزعيم الأميركي الأسود ''مارتن لوثر كنج''، الخاص بدولة لديها القدرة على أن تكون مثالاً ونموذجـــاً يحتذى بــــه للخارج من خلال مسلكها القويم في الداخل· ويُشــــار إلى أن المثقف الفرنسي ''أندريه كلاكسمان'' قد سخر من الحماس الأوروبي الذي يراه مبالغا فيه لـ''الديمقراطيين'' حيث قال:''على الرغم من أن الأميركيين قد منحوا أوباما 53% في المئة من مجموع الأصوات، فإن الأوروبيين في محور برلين- باريس- بروكسل -روما ولندن أبوا إلا أن يمنحــــوه تأييدا ''أوباميا'' شامـــــلاً على النمط الكوري الشمالي وبنسبة 84% من مجموع أصواتهم''· أما الكاتب الفرنسي الشهير ''برنارد هنري ليفي'' المفكر والفيلسوف الفرنسي المعروف، فقد رأى صورتين لأميركا يوم الانتخابات:'' الأولى هي صورة الثنائي ماكين- بالين اللذين نظرا إلى الحلم الأميركي باعتباره ''عهداً ذهبياً يجب استعادته''، أما الثانية فهي صورة باراك أوباما الذي رآه كـعصر جديد ينبغي اختراعه، ونموذجاً يجب أن يكون في طور التجدد دومــــاً، وأفقــــاً جديداً ينبغي ارتياده· وبهذا المعنى، فإن أوباما يغدو أكثر قرباً من روح الرواد العظام، التي خلقت عظمة أميركا ذاتها''· ليـــــس هنـــــاك من شــــك فـــــي أن التناول الفرنسي لنتائج الانتخابات الأميركيـــة كان حماسياً، ولكنه أيضاً كان معقداً وفرنسياً حتى النخاع· والمناقشات الدائرة في باريس حول هذا الموضوع في الوقت الراهن غالباً ما تنتهي في معظمها بتساؤلات مثل: هل الانتخابات الأميركية استثناء فريد لن يتكرر، فرضته الأزمة الاقتصادية الحقيقية؟ هل انتهاء الانتخابات بنسبة 53% لصالح أوباما مقابل 46% لصالح ماكين تعني أن هناك تغيراً جوهرياً قد طال جوهر الروح الأميركية؟ وهل ستنجح إدارة أوباما بتغيير البنى القائمة في واشنطن حقا؟ ولكن النغمة التي يتم بها طرح تلك الأسئلة مختلفة: فاليمين الديجولي، واليسار المتشكك يتساءلان بلهجة واثقة· أما الضواحي الفرنسية التي يسكنها المهاجرون -وغالبيتهم من الأفريقيين والعرب - فإن أوباما كما لاحظ الكاتب ''فرانسوا ديربير'' و''جان كلود تشيكايا''، فإن لهجة الطرح تشي بأن أوباما يمثل لهم تعويضاً أسطورياً عن واقعهم البائس· فهم محرومون من أي شبكات ضمان كما أنهم ليسوا من أبناء أو بنات الصفوة، وبالتالي فإنهم يرون أن صعود ابن أفريقي مهاجر لسدة الرئاسة في أميركا يعد رمزاً لحراك اجتماعي لا يجدون له مثيلاً في فرنسا''· روبرت ماركواند-باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©