الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برك رأس العين في صور

برك رأس العين في صور
26 نوفمبر 2008 01:09
ما زالت قائمة منذ أجيال عديدة، والانسياب الطبيعي يتدفق عبر شبكة من القنوات يتم تحويل قسم منها لري المزروعات والقسم الآخر لتغذية مدينة صور وضواحيها بمياه الشفة· أما القسم الأكبر من المياه فيصب في البحر مكوناً نظاماً بيئياً بحرياً عذباً فريداً من نوعه· تعرضت برك رأس العين التاريخية التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي لصور ومنطقتها، لعمليات تشويه متعددة، طالت منشآتها الرئيسية التي أنشأها الفينيقيون وطورها من بعدهم الرومان، واستفادت منها كل الشعوب التي عاشت على تلك البقعة الجغرافية حتى اليوم، وتظهر التشويهات الشكلية على البرك نفسها، والاقنية القديمة والمتينة المبنية من الحجر الرملي ومن مواد إسمنتية عازلة للمياه جراء أعمال التأهيل غير المدروسة التي نفذتها وزارة الطاقة قبل سنوات، ولم تراع فيها المعالم الأثرية التي ميزتها عبر السنين، وجعلتها مقصداً لآلاف السياح الذين توافدوا من كل الدول، لاسيما الأوروبية لمشاهدة هذا الإنجاز العظيم المتقدم على عصره فنياً وتقنياً· إشارة الى ان نظام الري والشرب أقيم قبل ألفي عام في منطقة رأس العين، ويغطي حاجات السكان المائية شمالاً وجنوباً حتى ثلاثين كيلومتراً، بواسطة أقنية وعقود حجرية تؤمن وصول المياه الى البساتين والسهول عن طريق الجاذبية الطبيعية، وتتجمع مياه برك رأس العين في خزانات حجرية ضخمة تنبع من أربعة ينابيع اساسية، مثل: العسراوية والصفصاقة والسيدي، وترتفع عن سطح البحر (18 متراً)، وتمتد عبر خطين رئيسيين: الاول يتجه جنوباً ليروي السهول الزراعية الساحلية الممتدة من رأس العين حتى الناقورة، والثاني يمتد شمالاً حتى تل المعشوق، ويتفرع منه خطان: الأول يزود صور المدينة بمياه الشفة حتى اليوم، والثاني يتابع شمالاً حتى منطقة العباسية صعوداً· دردشة مخالفات ويؤكد رئيس لجنة صور الطبيعية محمود حلاوي، حاجة البرك الماسة لورشة تأهيل تبدأ بإزالة المخالفات الترميمية التي نفذتها وزارة الطاقة، إضافة الى إزالة مخالفات البناء، اي المساكن الشعبية العشوائية التي شوهت محيط البرك الطبيعية، فيما يشدد امين سر لجنة المحمية د· كامل ياسين، على اهمية احياء موقع البرك في اطار تنشيط السياحة البيئية· ولفت الى وجود دراستين لدى اللجنة ووزارة السياحة، تتعلقان بكيفية تأهيل البرك التي بدأت تتداعى منذ سنوات، بفعل عوامل الزمن والإهمال، حيث طمرت الاقنية في بعض المناطق بالتراب، وغطيت بالإسمنت في مناطق اخرى، وبنيت فوقها منازل في منطقة المعشوق· ويؤكد أن أول خطوة ينبغي القيام بها، كما جاء في الدراسة التي أعدت، هي ''قشد'' الباطون عن الاقنية والبرك ومجمل منشآت رأس العين التاريخية، إضافة الى الطاحونة التي سيعاد تشغيلها، وتحويل الغرف الصغيرة الملاصقة لها الى متحف بيئي وزراعي نوعي· ويشير مسؤول المواقع الأثرية في الجنوب اللبناني علي بدوي، الى أن برك رأس العين تعرضت لتشويهات أساسية في الشكل تحت اسم الإصلاح والترميم، من جراء استخدام تقنيات لا تتناسب مع طبيعة البرك، سواء بالاسمنت او القساطل الحديدية التي وضعت فوق البرك· وأضاف: لقد قامت مصلحة مياه صور بالأعمال لحاجتها الى استجرار الطاقة، وجرت الأعمال دون استشارة لجنة المحمية او موافقة المديرية العامة للاثار التي طلبت من الاجهزة الامنية المعنية، بموجب صلاحياتها، وقف الاعمال منذ فترة، وقد اتفقنا مع المسؤولين في المصلحة على خطة لاستبدال مواقع للقساطل الظاهرة بأخرى مخفية، مع الحفاظ على كمية المياه نفسها، مشدداً على أهمية هذا الانجاز المتطور، الذي افاد اهالي صور الى حد كبير على مر السنوات الطويلة، من حيث كلفته المادية المنخفضة جداً، وعدم استخدام مضخات او دوافع تقنية، اضافة الى كلفة الري المنخفضة، حيث تؤمن البرك مياه الري الى السهول الزراعية الممتدة على مساحة المنطقة· وأكد بدوي على وجود تعاون بين مصلحة آثار صور وإدارة المحمية، من اجل خطة شاملة لإدارة البرك وترميمها، بعد ايجاد مصادر للتمويل نبحث عنها، مشيراً الى أن صور اليوم تحاول النهوض كي تستعيد شيئاً من بريقها، فهي مركز لقضاء واسع يضم عشرات البلدات والقرى، وتجري فيها حفريات أثرية قد تكون من حيث اتساعها وشمولها الأهم في لبنان· اما المدينة نفسها فتتميز بأسواقها القديمة الشبيهة بأسواق صيدا، شوارع ضيقة مسقوفة ومدعمة بالقناطر، محلات تجارية صغيرة تبيع مختلف السلع، ومرفأ صغير يرتاده صيادو الأسمال، ويشهد حركة متواضعة، وعلى مسافة قصيرة من صور (5 كلم) جنوباً، على الطريق المؤدي الى الناقورة تقع برك رأس العين أو آبار سليمان كما يطلق عليها في المنطقة· تاريخ برك رأس العين يعود تاريخ هذه البرك الى العهد الفينيقي، اذ ورد في المنحوتات الآشورية ان (شلمانصر الخامس) كلف جنوده حراستها اثناء حصاره للمدينة (صور)، لكنها رممت مع القنوات المتصلة بها في مناسبات عديدة في العصور اللاحقة، وهذه القنوات وهي جزء منها مطمور في باطن الارض، بينما يرتفع الجزء الآخر فوق قناطر عالية، رومانية الطراز، تنطلق من برك رأس العين نحو الشمال، فالشمال الشرقي، ثم تتجه غرباً لتصل الى مدينة صور فتمدها وجوارها بالمياه· عدد هذه البرك أربع، تختلف من حيث الشكل والحجم، فالجهتان الواقعتان لجهة الجنوب، صغيرتان ويطلق عليهما اسم برك الصفصاف لكثافة اشجار الصفصاف المحيطة بهما· أما أكبر البرك فهي في الجهة الجنوبية الغربية وتعرف باسم العسراوية، وهي مثمنة الشكل، أطلق عليها البعض اسم بركة عشتار، والبركة الرابعة منفردة الى جهة الغرب، على مقربة من الشاطئ وتعرف باسم بركة السيدة· وتل المعشوق على بعد (1500 متر) شرق البص، على الطريق المؤدية الى جويا - تبنين، وهو تل صخري اعتبر بمثابة اكروبول صغير، تم تناوله في دراسة أثرية، وعثر فيه على مغاور دفينة منحوتة في الصخر، ويلفت نظر السائح والزائر مقام ديني مؤلف من غرفة مربعة تعلوها قبة، يعود الى القرن الثامن عشر، وقد دفن فيه أحد الاتقياء، الشيخ عباس· اضافة الى هذه الكنوز الاثرية، توجد في وسط المحمية اي برك رأس العين، آبار ارتوازية موصولة بقنوات تتزود بمياه عذبة لأغراض الشرب والري· كذلك هناك العديد من الطيور تعيش في المحمية الى جانب برك رأس العين، وهذا ما جعل المنطقة مقصداً للسائحين الذين يحملون أجمل الذكريات عن روعة وعظمة هذه المدينة الاثرية بتاريخها الذي هو خير شاهد على هذه الكنوز الأثرية التي لا تقدر بثمن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©