الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القاتل المهاجر

القاتل المهاجر
18 مايو 2012
أحمد محمد (القاهرة) - سمعت المرأة فجأة أصوات طلقات نارية، لا تعرف مصدرها بالتحديد، لكن الواضح والمؤكد أنها في البناية التي تقيم فيها، والمكوّنة من ثلاثة طوابق، في الأول تقيم زوجة الأب الراحل وابنته وحدهما، وهي وزوجها وأبناؤهما في هذا الطابق الثاني في الوسط، أما في الطابق الثالث والأخير فيقيم شقيق زوجها المهاجر في الخارج، وموجود بمفرده من غير أسرته بعدما حضر لقضاء إجازة قصيرة لإنهاء بعض الأمور منذ أسبوع، كاد قلب المرأة يخرج من مكانه وضرباته تتسارع لأن صوت الطلقات داخل هذه البناية الصغيرة بما يعني أن الحدث متعلق بأفراد العائلة، بسرعة البرق التقطت غطاء رأسها وانطلقت نحو الباب، كان شقيق زوجها يهرول مسرعا فوق السلم، يبدو عليه أنه في عجلة من أمره، أنفاسه تتلاحق بسب الجري والصعود السريع. سألته وهي تتلهف للإجابة عساه أن يرد إليها روحها التي تشعر كأنها خرجت منها في تلك الدقائق المعدودة، لم يقدم لها جواباً شافياً، كل ما طلبه منها أن تصمت ولا تتفوّه بكلمة وعليها أن تغلق بابها، ازداد قلقها، وكذلك حيرتها، لأنها لم تحصل على جواب، ارتعدت وتملكها الخوف تضرب أخماساً في أسداس وتظن الظنون وتلعب بها الهواجس، ولا تدري حقيقة الحدث، وإن كانت لا تستبعد مبدئياً أن الأمر وراءه كارثة، إلا أنها مع حالة الرعب التي سيطرت عليها آثرت أن تستجيب لمطلبه الذي كان اقرب إلى الأمر خشية أن يصيبها مكروه رغم أن علاقتها به طيبة ولا يوجد بينها وبينه أو بينه وبين زوجها الذي هو أخوه أي خلافات. لم تستطع أن تجلس على المقعد القريب من الباب من الخوف ولأنها تريد أن تعرف ماذا حدث، وقفت تنظر من العين السحرية بباب شقتها، الوقت يمر ببطء شديد وهي عاجزة عن التصرف، وما ضاعف من ريبتها أن هناك هدوءاً شديداً وسكوناً في البناية، وهذا يجعلها تقترب من التأكد من الحدث كله بجميع أطرافه وقع هُنا، خاصة وأن الباب الحديدي الخارجي مغلق، وهذا سلوك عام يتبعه جميع الأفراد، يغلقونه ليل نهار حتى لا يسمحوا لأي غريب بأن يدخل إلاّ بعد أن يفتحوا له أو يعرفوا مطلبه. لم يمض أكثر من خمس دقائق حتى سمعت صوت إغلاق باب شقة الطابق العلوي ثم خطوات متسارعة وشاهدت «أيمن» شقيق زوجها ينزل مترقباً، يحمل حقيبتي سفر متوسطتين، وخرج إلى الشارع فتابعته من الشرفة ورأته وهو يستقل دراجته النارية وينطلق لا تعرف إلى أين ذهب، لكنه على نفس حالته يتصرّف بتعجل وعصبية. اطمأن قلبها قليلاً وفتحت الباب وخرجت تستنجد بأخت زوجها وزوجة أبيها اللتين تقيمان في الطابق الأول لعلهما تهدئان من مخاوفها وتعرف منهما ما يحدث، أو تجد عندهما خبراً مفيداً بما تريد أن تعرف، خرجت مسرعة تسابق الريح نازلة إلى أسفل، وجدت الباب مفتوحاً فدخلت وهى تلقي بنفسها في الصالة، لكنها لم تجد من يجيبها وهي تنادي عليهما لا أحد أمامها تلقي نظرة هُنا ونظرة هُناك ثم إلى الغرفات، لكن عينها لا تقع على أثر لأي منهما، عادت إليها المخاوف والرعب مرة أخرى، لكن بشكل أكبر، لم يبق أمامها إلا الحمام، بالفعل وجدت هُناك الجواب العملي على كل ما يدور في رأسها، المرأة والفتاة مقتولتان، وجدتهما جثتين هامدتين على الأرض والدماء غطت أرضية الحمام، لم تستطع أن تواصل النظر إلى المشهد المرعب، ولم تكمل مشاهدة بقية التفاصيل فعادت إلى مسكنها بسرعة أكبر وأجرت اتصالاً بزوجها تخبره ببعض تفاصيل ما حدث، فقام بدوره بإبلاغ الشرطة التي سبقته في الحضور قبل أن يأتي من عمله. وجد رجال البوليس المرأتين وقد اخترقت أكثر من خمس عشرة رصاصة جسديهما، الجثتان متجاورتان، الدماء فوق الجدران وعلى الأرض، وهُناك آثار الطلقات النارية والمقذوفات والفوارغ أيضاً، حاولوا أن يهدئوا من روع المرأة شاهدة العيّان التي لم تستطع حتى الآن السيطرة على أعصابها ولا أن تتمالك نفسها، ترتعش وتغلبها دموعها الغزيرة التي لم تتوقف وتسيل رغماً عنها، استطاعوا بصعوبة أن يتعرفوا على ما حدث وما شاهدته، أخبرتهم بما رأت، إذا فإن «أيمن» هو الذي قتل أخته وزوجة أبيه المتوفى، صحيح هُناك خلافات بينهم، لكنها لا ترقى ولا يتوقع أحد أن تصل إلى حد القتل، فالليلة الماضية تناول الجميع طعام العشاء وسهروا معاً إلى ساعة متأخرة، لأنهم يرونه كل عدة سنوات لأيام معدودات بعد أن هاجر إلى أستراليا منذ ست سنوات هو وزوجته وابنه الطفل وقد تركهما هُناك ولم يحضرهما معه هذه المرة لأنه جاء لأمر عارض، لكنهم لا يعرفونه لأنهم لا يريدون أن يتدخلوا في شؤونه، وإذا كان القاتل الآن معروفاً، لكن لا أحد يعرف أين ذهب ولا كيف يتصرف، لكن طالما أنه يحمل حقيبتين، فهذا يعني أنه يعتزم السفر إلى الخارج والهروب من جريمته، وهذا هو أقرب الاحتمالات، ولا بد من سد تلك الثغرة أولاً وتضييق الخناق عليه قبل أن يطير ويكون من الصعب أو من المستحيل العثور عليه أو ضبطه، خطة العمل تركزت على سرعة إبلاغ المنافذ من مطارات وموانئ، لمنعه من السفر، ثم بدأ البحث عنه من خلال حجوزات شركات الطيران والسياحة ومراجعتها جميعاً في وقت واحد وفي سباق مع الزمن وهو أمر غاية في الصعوبة لكن يجب أن يتم ولا بديل عنه، إلى أن تم التوصل إلى أنه بالفعل قام بحجز تذكرة سفر على إحدى الطائرات المتجهة لدولة خليجية ومنها إلى أستراليا، حيث زوجته وابنه وعمله هناك. ركزت القوات من عمليات البحث في المطار، طوقته من الداخل والخارج، خاصة برجال الشرطة السريين بجانب المجموعات التي تقوم بالبحث عنه، تماماً مثلما يحدث في الأفلام البوليسية، ركاب الطائرة يتوافدون واحداً تلو الآخر ويقومون بإنهاء إجراءات سفرهم، لكنه ليس بينهم والوقت يمر والطائرة قاربت على الإقلاع لم يبق إلا دقائق، حتى تسرب الشك إلى رجال المباحث بأن يكون قام بعملية تمويه وخداع لهم وسافر من مكان آخر، وقد أصبح هذا الاحتمال قوياً، خاصة بعد أن تم التفتيش والفحص والتدقيق في كل الموجودين داخل المطار وخارجه، لم يتركوا حتى دورات المياه ومناطق انتظار السيارات. أخيراً جاء «ايمن» يسعى يحمل حقيبتيه، دخل مسرعاً واثق الخطى، ظن الآن أنه في مأمن ولا أحد يدري بما حدث، ربما ذهب تفكيره إلى أبعد من ذلك، فقد يكون رجال الشرطة لم يعلموا بعد بالحادث أو كالعادة يتخذون القرارات والخطوات ببطء، وازدادت ثقته بعدما قدم جواز سفره للضابط المختص وحصل على خاتم الخروج والمغادرة، وانفرجت أساريره عندما سمع النداء الأخير على الركاب والإعلان عن إقلاع الطائرة، اتجه نحو الباص الذي سيقله إلى المهبط، هُناك في غرفة مغلقة، كان الكمين في انتظاره ولم يكن هناك أحد من الركاب غيره، وجد من يحمل عنه حقيبته الصغيرة التي ما زالت في يده، اعتقد لأول وهلة أنه يساعده، لكن تلك اللحظة لم تدم عندما وجد كل الأشخاص الموجودين يحيطون به ويلقون القبض عليه، تساءل باستنكار عمّا يحدث وجاءه الجواب سريعاً بكل التفاصيل التي لم يتوقعها وسقط وهو قاب قوسين أو أدنى من سلم الطائرة والفرار بجريمته النكراء، وباءت خطته كلها بالفشل. تمت إعادة المتهم والقيود الحديدية في يديه لم ينكر واعترف تفصيلياً بارتكاب الواقعة، قال إنه هاجر إلى الخارج وحصل على الجنسية الأسترالية منذ ست سنوات، هناك تزوج وانجب طفلاً أخذته دوامة الحياة لا يعود إلا في إجازات على فترات متباعدة، ربما تكون وسائل الاتصال الحديثة سبباً في ذلك فهو كان يتحدث مع أبيه قبل أن يفارق الدنيا وعلى اتصال دائم بإخوته يطمئن عليهم باستمرار، خاصة أخته الصغرى التي أنهت دراستها بالجامعة، وهي تقيم مع زوجة أبيه في بناية كان يملكها أبوه ولا يقيم معهما إلا أخوه وأسرته الصغيرة، لكنه حزين لأن أخته لم تتزوج حتى الآن رغم أنها بلغت الخامسة والعشرين، وما يزيده أسفاً أنها تمت خطبتها ثلاث مرات من قبل وكلها انتهت بالفشل. صديقه الذي هاجر معه يبحث عن عروس من بنات وطنه كي تفهم طباعه وعاداته وتقاليده، لا يريد أن يرتبط بواحدة أجنبية لا يأمن معها على نفسه وأولاده فيما بعد، وجدها أيمن فرصة ليعرض عليه الزواج من أخته، وأجرى اتصالاً بها وبزوجة أبيه التي تتولى هذا الأمر، وتم تحديد موعد للقاء وقدم العريس خمسة آلاف دولار مهراً للعروس بعد الاتفاق والموافقة من كل الأطراف، لكن الأمور لم تكن بعد ذلك على ما يرام وظهرت خلافات مبكرة كانت زوجة الأب سبباً في إثارتها يبدو منها أنها مختلقة في محاولة ظاهرة لفسخ الخطبة والغريب أن العروس نفسها تشارك في هذا المخطط، فطلب الشاب رد المبلغ الذي قدمه وليمض كل إلى غايته، لكن طلبه قوبل بالرفض. لم يستسلم العريس وقرر أن يحصل على حقه، لكنه فهم أن زوجة الأب تستغل ابنة زوجها في هذه الخطوبات الوهمية وتحصلان على مبالغ المهر ثم يجبران العريس على فسخ الخطبة، فأخبر أخاها بما حدث، فعاد أيمن لينتقم منهما بعدما تأكد من صحة هذه المعلومات، وفعل فعلته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©