الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وكالة أنباء النساء

وكالة أنباء النساء
18 مايو 2012
(القاهرة) - لست من هواة الثرثرة والقيل والقال، معروف عني قلة الكلام منذ كنت طفلة حتى بعدما كبرت وانتقلت إلى الجامعة، صرت على نفس الشاكلة، ووجدت ثناء من صديقاتي وزميلاتي، بل ربما أن كثيرات منهن تقربن مني بسبب هذه الصفة، وأمي وأقاربي عندما يتحدثون عن صفاتي الحسنة والطيبة يذكرون في مقدمتها قلة الكلام والصمت إلا عند الضرورة، وأنا من جانبي أجد استحساناً وراحة وقد استمتع بالسكوت وأحب الوحدة والانفراد، وأضيق بكثرة الكلام. عندما تمت خطبتي وعلى مدى أكثر من عامين لم أتحدث كثيراً مع خطيبي، وكان معجباً بذلك واعتبره أحد الأشياء التي جذبته إليَّ، ولا يتوقف عن الثناء عليَّ عندما نلتقي معاً أو أمام أسرته، ووجدت في النهاية أنني تحولت إلى بطلة لهذا السبب وإن لم أكن أقصد ذلك، وهي مجرد صفة في شخصيتي، ولكنهم يعتبرون هذا نوعاً من الحياء وزينة للفتاة ينم عن حسن الخلق والالتزام، ويوجهون النقد الشديد لأي فتاة تتحدث كثيراً، ويصفونها بالجرأة الزائدة وأحياناً بعدم الأدب، وإن كان آخرون يرون غير ذلك فهم ينظرون إلى البنت التي تتكلّم وتناقش وتحاور وتدلي بدلوها وتخترق الحوارات بأنها على وعي ومتحضرة وتساير العصر ولغة التقدم، وعلى أي حال لا أهتم لا بهذا ولا بذاك، إلا أن زوجي كان معجباً بي على ما أنا عليه وهذا هو المهم عندي ولا أهتم بآراء الآخرين إلا إذا كانت في صميم الحياة أو في أمر يستحق أن يراجع الإنسان فيه نفسه. وكما أكره أن أتكلم، لا أحب أيضاً من يحاولون الحديث فيما لا يفيد وبلا معنى وقد واجهت كثيراً هذه النوعية من البشر، وهناك زميلات بالجامعة كن لا يتوقفن عن الثرثرة في موضوعات أستطيع أن أقول إنها في قمة التفاهة، فقد تتحدث إحداهن عن إعجابها بالنجم السينمائي الذي قد يكبرها بضعف عمرها أو يكون في مثل عمر أبيها، وتهيم به حباً وأنا لا أملك إلا أن أنظر إليها شذراً لأنني غير قادرة لا على إسكاتها ولا على إقناعها بأن ما تفعله عبث لا طائل من ورائه غير السهر والتعب وتضييع الوقت وتشتيت الفكر، وأخرى تصيبني بالصداع من عدم التوقف عن الكلام عن أسرتها وتفاصيل حياة كل أفرادها حتى كأنني أعيش معهم ليل نهار وأعرف رغم أنفي كل ما يحدث بينهم وعلاقاتهم ببعضهم وبجيرانهم وبأقاربهم، وما أن أهرب منها حتى تعود إليّ لتمطرني بمعلومات جديدة كلها لا قيمة لها حتى في حياتها هي فما بالكم بالنسبة لي. رغم مرور أكثر من عشر سنوات على زواجي، ولأنني لا أعمل فإنني لم أتوجه مرة إلى محال تجميل السيدات، وأتولى ذلك بنفسي في البيت، إلا أن زوجي أراد أن يراني في صورة جديدة وبناء على رغبته توجهت لتصفيف شعري عند «الكوافيرة»، كانت شابة في الثلاثينات من عمرها تبدو براقة وإن لم تكن تهتم بنفسها وعلى عكس مهنتها، فهي تقوم بتجميل النساء، لكنها لا تتجمل رغم أنها متزوجة منذ عدة سنوات، وزوجها هو الآخر يعمل «كوافيراً» للرجال، لكن المرأة لديها قبول تستطيع بطريقتها في المعاملة أن تجذب من يتحدث معها، وتعرف كيف تلفت الانتباه، وتجعل من يتابعها يهتم بما تقول وربما ينتظر أن تكمل، لأنها تستخدم الأسلوب الشيق في السرد وتقدم للحكاية وتصل إلى العقدة ثم تشوق إلى كيفية الحل. هذه المرأة استطاعت من البداية أن تجعلني أستمع إليها لأنها استقبلتني بوابل من الترحاب وجعلتني أطمئن لها وهي تحاول أن تتقرب مني وتسألني عن تفاصيل في حياتي وإن كنت لا أحب أن أتكلم عنها، إلا أنني أجبتها عنها وقد جاءت تساؤلاتها على شكل تحقيق، لكن كانت تهدف من ورائها لمعرفة طبيعة شخصيتي وما هو مطلبي منها، ولذلك كنت مستريحة للجواب عنها، وواصلت طريقتها في التعامل معي وهي تكيل المدح والثناء على جمالي وشعري وبشرتي وأشياء من هذا القبيل مما تعجب به النساء حتى وإن كان غير صحيح ومن قبيل المجاملة، وخاصة ونحن لا نسمع من أزواجنا ذلك فتهفو آذاننا وتتوق أنفسنا إلى سماعه، المهم في النهاية عدت من عندها وأنا مسرورة وراضية عما فعلت معي، وكذلك نالت استحسان زوجي بما قامت به من تجميل بسيط لي وإن لم تضف إليَّ شيئاً جديداً. بعد ثلاثة أشهر تقريباً عدت إليها مرة أخرى، كنت أظن أنها لا يمكن أن تتذكرني، لأننا لم نلتق إلا مرة واحدة عابرة، وهي تستقبل العشرات كل يوم، إلا أن المفاجأة أنني وجدتها تتذكر كافة التفاصيل وتسألني عن أطفالي بأسمائهم وعن بعض الأحداث التي تطرقنا إليها في لقائنا السابق البعيد، فاندهشت لقوة ذاكرتها وأبديت ذلك لها وقد جعلني ذلك انجذب إليها، وربما انبهر بشخصيتها وعلمت أنها حاصلة على مؤهل عالٍ ولم تفكر في العمل الحكومي أو حتى في عمل بالقطاع الخاص يناسب شهادتها الجامعية، وفضلت أن تعمل بهذه المهنة التي يراها الكثيرون في مجتمعاتنا العربية من المهن الدنيا، بينما لم أخف إعجابي بتفكيرها واعتبر فكرها متقدماً يتخطى حواجز الجمود والتقاليد. في هذه المرة كان للود مكان بيننا ومزيد من التقارب، وفي حوالي الساعة التي قضيتها بين يديها قصّت عليَّ عشرات القصص والحكايات، في الحقيقة كلها كانت في غاية التشويق، لدرجة أنها استطاعت أن تجعلني أستمع إليها باهتمام شديد على عكس طبيعتي وما اعتدته من صمت في حياتي والرفض للثرثرة، إذ أنها تتحدث في موضوعات غريبة وأحداث لم يخطر على بالي مثلها من قبل ولم أسمع عن أشباه لها. مما أخبرتني به أن المرأة التي كانت تصفف شعرها قبلي، سيدة أعمال ثرية، لها ابنة وحيدة شابة في عمر الزهور، هي في الحقيقة ليست ابنتها وإنما بالتبني أخذتها من أحد الملاجئ منذ كانت طفلة ولأنها جاءت بها إلى هنا في هذه المنطقة، فلا يعرف أحد الحقيقة والجميع يتعاملون معها على أنها ابنتها من زوجها المتوفى قبل عشر سنوات، والغريب أيضاً الذي أسرت به في أذني أن هذه المرأة العجوز المتصابية تأتي تقريباً كل أسبوع لتتجمل رغم أنها أرملة، وهي تعيش مع الفتاة المتبناة ومع كلبها الذي تصطحبه معها في كل مكان، وتذهب به إلى طبيبه الخاص لتجري له فحوصاً دورية للاطمئنان على صحته. أما تلك المرأة التي غادرت منذ قليل، فواضح أنها من منطقة شعبية متوسطة، واستطاعت أن تسرق زوج ابنة خالها، بعدما تدخلت في حياتهما بحجة الدفاع عنها، واستطاعت أن تؤجج الخلافات بينهما إلى أن تم الطلاق وكانت المفاجأة أنها تزوجته بعد انتهاء فترة العدة الشرعية مباشرة وتبين أنها هي وهو خططا لذلك، وقصتهما العجيبة ليست سراً وإنما يعرفها كل سكان منطقتها القريبة من هذا المكان، لكنها الآن تجني ثمار فعلتها فالرجل لا يتعامل معها بشكل آدمي ويضربها صباحاً ومساءً، وقد استولى على أموالها كلها، ويحاول طردها، لكنها لا تجد مكاناً تذهب إليه بعد أن خسرت كل أقاربها وقاطعوها بشكل نهائي وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً. ومما لا أنساه من الحواديت التي قالتها لي، حكاية الفتاة الجامعية التي أُجبر أباها على الموافقة على زواجها من الشاب الميكانيكي الجاهل بحجة أنها تحبه، بعد أن هربت معه وتزوجته عرفياً وعادت لتخبر أباها بما حدث ووضعته أمام الأمر الواقع، فاضطر الرجل إلى الموافقة على زواجها بعد أن تم بالفعل، ولم يستطع بعد ذلك أن يتحمل الصدمة وأصيب بجلطة في المخ ويرقد بين الحياة والموت منذ أشهر في غيبوبة، بينما ابنته تنعم مع زوجها وكأن مرض أبيها لا يعنيها، فلا يؤنبها ضميرها. وهكذا في كل مرة أتردد فيها عليها، أسمع المزيد من القصص والحكايات الغريبة التي كنت أفتقدها، بسبب طبيعتي والاحتجاب والسياج الذي فرضته حول نفسي من قبل أو كان من طبيعتي، ولا أخفي أنني وجدت في حكاياتها متعة كبرى، لدرجة أنني يمكن أن أصف حالتي بأنها إدمان، وقد وجدت فيها وكالة أنباء لأخبار وعجائب النساء والبيوت وما يدور خلف الجدران، وعندها أخبار كل المنطقة، فتلك تشاجرت مع زوجها واعتدت عليه بالحذاء لأنها علمت أنه يفكر في الزواج عليها، وعندما أذاعت تصرفه أمام أهل المنطقة وأبنائه لم يستطع أن يكمل المشوار وتراجع عن قراره، أما في المقابل فإن هذا الرجل الذي تزوج بفتاة في عمر بناته قد استطاع أن يفرضها على زوجته الأولى وأم أبنائه ويجعلها تقيم معهم في نفس المسكن رغم أنوفهم لأن شخصيته قوية، ويشعر بأنها أعادت إليه شبابه. وخلال عدة أشهر كنت خبيرة وعلى علم بكل ما يدور في المنطقة، فالمرأة كما تدعي لا تسعى إلى هذه الأخبار والتفاصيل، وإنما تأتي إليها من خلال السيدات المترددات عليها، ويتطوعن بذكر الأحداث، ومنهن من ترغب في الحديث عن كل ما يقع في حياتها بكافة تفاصيله بلا خجل، ومنهن من تتحدث عن الأخريات إما من باب النميمة أو من باب الثرثرة، أو حتى الشماتة. المفاجأة الكبرى أنني علمت أن كل زبائن الكوافيرة يعرفن عني كل ما قلته لها لأنها كما تفعل معهن فعلت معي ونقلت إليهن كل ما استطاعت أن تعرفه عن أسرتي مني، وقد كنت واهمة أن ما أقوله لها هو سر بيني وبينها، ندمت وعدت إلى الصمت الرهيب، لأن إفشاء الأسرار الأسرية لا أثر له إلا خراب البيوت، قاطعتها وكلي ندم على وضع الثقة في غير موضعها، من المؤكد أنني خسرت كثيراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©