الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا تحظر ارتداء النقاب في جامعاتها وتبعده عن مدارسها

سوريا تحظر ارتداء النقاب في جامعاتها وتبعده عن مدارسها
5 أغسطس 2010 21:51
ليس شائعاً رؤية المنقبات في شوارع دمشق وأحيائها الحديثة، بل يكاد الأمر يقتصر على بعض الأحياء الشعبية. ومؤخراً قامت وزارة التربية بنقل مئات المعلمات المنقبات من مجال التدريس إلى مجالات إدارية وخدمية في وزارات أخرى، وأعقب هذه الخطوة توجه لمنع المنقبات من دخول الجامعات، وهو ما أثار التساؤلات، لكن المسؤولين في وزارتي التربية والتعليم العالي يرفضون الخوض في هذه المسألة، منعاً لتهويل الأمر، ولتفسيرات قد تخرج عن صلب هذا التوجه التربوي والتعليمي. لا تتجاوز نسبة المنقبات من المعلمات أو طالبات الجامعات السورية واحداً بالمائة، وهي نسبة ضئيلة جدا من الناحية الإحصائية ، لكن أي مواطن سوري لا يرغب في أن تكون صورة المرأة السورية، لا سيما المعلمة أو طالبة الجامعة مشابهة لصورة المرأة المظلومة التي فرض عليها النقاب قسراً بنتيجة نظرة متشددة ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، ولا تعكس صورة الإسلام الحقيقية. وتراجعت هذه الظاهرة منذ استقلال سوريا في أربعينيات القرن الماضي، وفي المقابل فإن هناك نسبة معينة من المحجبات اللواتي يكشفن عن وجوههن وأكفهن ويغطين شعورهن فقط، رغم أن كثيرات منهن يرتدين أحدث الأزياء الحديثة. وإن كان هذا لا ينفي أن بعض المحجبات يرتدين ملابس محتشمة يغطيها معطف طويل صيفاً وشتاء. أسباب تعليمية وتربوية وزارة التربية أوضحت أن إبعاد المنقبات عن التدريس تم لعدم إمكانية قيامهن بدورهن التعليمي وهن منقبات، لا سيما أن عملية التدريس تتكامل بالإيماءات وحركات الوجه والتواصل المباشر بين الطلبة والمدرس أو المدرسة. كما أن العملية التعليمية والتربوية في سوريا تتجه نحو العمل الممنهج والموضوعي. وبالتالي، فإن وجود المنقبات في العملية التعليمية والتربوية يشكل عرقلة لها، وهو أمر لا ينسجم مع محاولات التطوير واللحاق بالعصر، لا سيما أن هناك جهوداً كبرى تبذل لتجديد مناهج التعليم، وتحديث المدرسة السورية. والمنقبة بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون نموذجاً أو قدوة للمدرسة العلمية الحديثة، لا سيما إذا كان التشدد أو التطرف الديني يجثم وراء نقابها ويشكل سبباً له، وهي الحالات الأعم. في وزارة التعليم العالي كما في وزارة التربية، لا يرغب أحد بالخوض في الموضوع، وهناك من يعتبر أن اللباس الجامعي الموحد، وهو لباس معتدل وحديث ومحتشم يمنع الأزياء الأخرى سواء أكانت متشددة كالنقاب أو غير محتشمة كبعض الأزياء الحديثة، كما أنه من المعروف أن الجامعات السورية قد اعتمدت الزي الجامعي الموحد، ومنعت الإناث والذكور ممن لا يتقيدون به من دخول الحرم الجامعي. ودون شك، فإن حصر المسألة في إطار الزي الجامعي الموحد لا يمكن فهمها، لا سيما أن كثيرين يتحدثون عن ظاهرة النقاب المستجدة في الجامعات السورية، وإن كانت بنسبة ضئيلة جداً، وهو الأمر الذي يعتبره كثيرون ردة إلى الوراء تشوه صورة الفتاة السورية، كما أنها تخفي فكراً متشدداً إلى حد أن بعض الطالبات اعتبرن زي المنقبات “إرهاباً” من نوع ما. إلى ذلك، اعتبر مصدر في وزارة التعليم العالي، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن ظاهرة الفتيات المنقبات تتعارض مع القيم والتقاليد الأكاديمية وأخلاقيات الحرم الجامعي. لكن المصدر نفسه فضل أن تقوم الشرائح المستنيرة في المجتمع بالتصدي لهذه الظاهرة، وعدم ترك الطالبات عرضة لتأثير الأفكار والعادات المتطرفة، داعياً إلى أن تكون الوسطية والاعتدال في اللباس هي القاعدة في الحرم الجامعي. كما لفت معنيون بشؤون الامتحانات إلى أن بعض الطالبات يلجأن إلى النقاب ليمارسن الغش في الامتحان تحت ستاره؛ لأنه من الصعب رصد حركتهن، كما أن عملية تفتيشهن إذا تم الاشتباه بإحداهن تثير جلبة، وتؤثر على سير العملية الامتحانية. مجتمع وسطي لا ردود فعل حقيقية حول ما جرى بين الغالبية العظمى من السوريين، الذين لم يتداولوا المسألة، بل اعتبروا هذه التوجهات أمراً عادياً؛ لأن المجتمع السوري بطبيعته وسطي ومتسامح، ويرفض مظاهر التشدد والتطرف، حتى لو اتخذت من الدين عنواناً أو ستاراً لها. وفي حين ظهرت معارضة لمنع النقاب من قبل بعض المتشددين تحت ستار أن ذلك يشكل إجحافاً بحق المرأة وانتهاكاً لحريتها الشخصية، فإن أوساطاً مناقضة اعتبرت أن فرض النقاب على المرأة هو ما يتسبب بذلك، بل إنه يؤدي إلى تغييب المرأة عن المشاركة في الحياة العامة، وهو ما يعيق توجهات الدولة لتمكين المرأة في المجتمع، وإفساح المجال أمامها كي تأخذ دورها في السلم الوظيفي جنباً إلى جنب مع الرجل وبالمساواة بينهما، فالمرأة في سوريا تشغل أرفع المناصب، فهي نائب رئيس الجمهورية، وهناك عدة وزيرات في الحكومة، ونسبة جيدة من أعضاء مجلس الشعب هن من النساء. كما أن عشرات النساء السوريات يشغلن منذ بعض الوقت كرسي القضاء في محاكم عديدة، كما أن نسبة النساء في نقابات المهندسين والأطباء والمحامين والصيادلة والمعلمين لا تقل كثيراً عن نسبة الرجال في هذه النقابات، فضلاً عن أن مئات من النساء السوريات يحملن رتباً عسكرية بوصفهن “ضباطاً” في القوات المسلحة السورية وفي أجهزة الشرطة. ولعل أقوى الحجج في الدفاع عن النقاب هو ادعاء البعض أنه “زي إسلامي”، لكن الدكتور محمد حبش، رئيس مركز الدراسات الإسلامية يقول إن “زي المنقبة لا يعكس صورة الإسلام، بل يعكس صورة التشدد، والإسلام رسالة تسامح وليس رسالة تشدد، ودخول الملثمين والملثمات على حد سواء غير مقبول إلى الجامعة أو المدرسة؛ لأن العملية التعليمية تقتضي سفور الوجه”. ويؤكد حبش أن النقاب “عادة جاهلية تتنافى مع تعاليم الإسلام، وهو ظاهرة طارئة لم تكن في مقاصد الرسالة ولا في مقاصد الإسلام”، مشيراً إلى أن المرأة في زمن النبوة كانت سافرة الوجه وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أذن بالوجه والكفين والقدمين. الاكتفاء بالحجاب تقول منى “23 سنة”: “منذ أن كنت في سن الرابعة عشرة فرض علي والدي الحجاب، ومازلت أرتديه، لكن والدي لا يعارض ارتدائي للجينز أو البلوزات الحديثة، ويقول المهم أن تغطي شعرك”. وتضيف: “أنا لا أشعر بأي اختلاف بيني وبين أي فتاة غير محجبة، بل إن لدي صديقات كثيرات غير محجبات، وكل يلبس حسب ظروف أسرته وأجواء حارته”. وعن رأيها في المنقبات، تقول “أمي قبل عشرين سنة كانت منقبة وتسدل على وجهها منديلاً أسود، وبعد أن أدت فريضة الحج مع والدي، تخلت عن المنديل الأسود، واكتفت بالحجاب الذي يغطي شعرها”. أما ليلاس “24 سنة” طالبة جامعية في كلية العلوم، فتقول: “عندما كنت في المدرسة الثانوية لم يكن عدد المحجبات في صفي يتجاوز أربع طالبات، لكن معلمة الكيمياء أثّرت في عدد من الطالبات وجعلتهن يرتدين الحجاب، وقد لاحظت أن الطالبات المحجبات يفعلن ذلك؛ لأن أسرهن والبيئة المحافظة التي يعيشن فيها تفرض عليهن ذلك”، وتضيف: “أنا أعرف زميلة وصديقة محجبة، خلعت الحجاب بعد الزواج؛ لأن زوجها أراد ذلك”. وتضيف ليلاس “ان المرأة لا تزال مظلومة، فالأب أو الأخ أو الأسرة يفرضون عليها جميعاً ما يريدون”. وترفض عفراء “31 سنة” رفضاً قاطعاً أن ترتدي النقاب، وتقول إن ذلك “يشكل إهانة للمرأة، وهو تعبير عن استبداد ذكوري بالمرأة، وكل امرأة تقبل به تكون مغلوبة على أمرها، وقابلة لتحكم الآخرين بها”. وتنفي عفراء بشدة أن يكون ارتداء النقاب تعبيراً عن الحرية الشخصية، فيما تعتبر فتاة منقبة أن “النقاب مسألة تخصها شخصياً، وهي تعتز به، وترى أنه منحها حريتها ولم يسلبها إياها”. الغالبية العظمى من السوريين يؤيدون الخطوة في استفتاء أجرته وكالة أنباء “شينخوا” الصينية في دمشق على عينة عشوائية من المواطنين، تبين أن الغالبية العظمى من السوريين يؤيدون الخطوات المتخذة بمنع النقاب في المدرسة والجامعة، بينما تعارضها قلة قليلة من المتشددين أو المتزمتين، أو من الجاهلين بحقيقة الشريعة الإسلامية ومقاصدها. في حين ادعى المتشددون أن هذه الخطوات ستثير حساسيات معينة، فإن الغالبية عبرت عن رضاها، معتبرة أن وجود المنقبات ولو بأعداد قليلة داخل الحرم الجامعي يثير الاستياء والنفور، ويشكل نوعاً من الإرهاب النفسي.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©