الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب وخطاب أوباما: مزيج القلق والفتور

العرب وخطاب أوباما: مزيج القلق والفتور
20 مايو 2011 22:21
رنت الكلمات مؤثرة في أذهان كثير من المستمعين في المنطقة، كما بدت العواطف متقدة والنوايا سليمة إلى حد ما عندما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه ليلة الخميس الماضي: "سيفشل القمع... وسيسقط المستبدون". وأضاف رئيس البيت الأبيض أن أميركا "لا تستطيع التردد في الوقوف بوضوح إلى جانب هؤلاء الذين يحاولون الوصول إلى حقوقهم" في الشرق الأوسط. لكن بالنسبة للعديد من الناس الذين أنصتوا لخطابه الموجه حول الشرق الأوسط، لاسيما من المستهدفين بتلك الكلمات، فقد ظل ثمة تساؤل مشروع يطاردهم: لماذا لم يقل أوباما عباراته تلك قبل هذه اللحظة؟ ففي الوقت الذي يدخل فيه ما أصبح يعرف بـ"الربيع العربي" شهره السادس تقريباً، بينما بات بعض القادة السلطويين في المنطقة يضاعفون من عمل الآلة القمعية لديهم ضد مواطنيهم، يبدو أن محاولات أوباما الدؤوبة لإعادة ضبط العلاقة الأميركية مع شرق أوسط متغير، قد فشلت في مواجهة واقع أهمية أميركا المتراجعة في المنطقة. فلأول مرة تطرق أوباما إلى القمع الذي يصفه بالوحشي في سوريا، ولأول مرة أيضاً ينتقد بعض حلفاء أميركا صراحة ودون كناية. وإلى ذلك فقد أثار أوباما غضب إسرائيل واستياءها بدعوته إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي على أساس حدود عام 1967، وهي خطوة تبدو غير مسبوقة من رئيس أميركي. لكن رغم هذه النبرة المرتفعة في خطاب أوباما، والانحياز الواضح للشعوب العربية الطامحة إلى الحرية على حساب الأنظمة الحليفة، كان الخطاب في رأي العديد من المتتبعين في المنطقة غير كافٍ، كما أنه بالنسبة لهم جاء بعد فوات الأوان، وهو الموقف الذي عبر عنه "فارس بريزات"، من "المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية" في قطر، حيث قال موضحاً رأيه في هذا الخصوص: "لا أعتقد أن خطاب أوباما سيساهم في ترميم صورته، لقد كان عليه أن يقول شيئاً منذ البداية وليس الانتظار إلى اليوم". وأضاف الباحث العربي في المركز: "إن الناس في منطقة الشرق الأوسط لم يعودوا مكترثين بما تقوله أميركا وقيادتها أو لا تقوله؛ لأن الجماهير بدأت تأخذ زمام أمورها بأيديها، وتقرر مستقبلها بنفسها دون تدخل من أحد، فلماذا يهتم الناس اليوم بما تقوم به أميركا أو تقوله؟ إن هذه الأخيرة خرجت تماماً من دائرة الحسابات الشعبية، حيث بدأت الشعوب تحقق إرادتها دون تدخل أجنبي ودون مساعدة أميركية". وربما لم يكن التوقيت الذي اختاره أوباما لإلقاء خطابه الموجه إلى الشرق الأوسط مسعفاً، وذلك بالنظر إلى بداية عطلة نهاية الأسبوع يوم الخميس لدى معظم الدول العربية، وخروج أغلب الشباب من منازلهم للتسوق أو التجول. ففي أزقة خان الخليلي المزدحم في العاصمة المصرية القاهرة، قليل من الناس اهتم بخطاب أوباما أو توقفوا لسماع ما يقوله، في حين فضلت الأغلبية مشاهدة المسلسلات والبرامج الرياضية. وفي طرابلس بشمال لبنان لم يبدُ الناس الذين ضجت بهم الأسواق مهتمين بخطاب أوباما، أو حتى يدرون بوجوده أصلا. وبالنسبة للقلة التي تابعت الخطاب في الشرق الأوسط، فقد قرؤوا في كلمات أوباما رغبة أميركية مستجدة في الاضطلاع بدور مؤثر لتحديد مآلات الحراك الجاري في عدة بلدان عربية والتحكم في نهاياته، لاسيما بعد التردد الذي أبدته الولايات المتحدة في البداية عند انطلاق حركة الاحتجاجات في تونس ثم في مصر، وهي الحركة الاحتجاجية التي ألهمت التحركات الشعبية اللاحقة في البلدان العربية الأخرى. وقد تأخر "الانحياز" الأميركي للشعوب العربية حتى تأكدت واشنطن من سقوط الأنظمة المعنية ورحيلها عن السلطة. لكن النشطاء الذين شاهدوا الخطاب رحبوا بالتعليقات القاسية التي خص بها أوباما بعض حلفائه وما قاموا به من قمع ضد حركة الاحتجاجات الشعبية لديهم. وفي هذا الإطار شدد أوباما أن "الاعتقالات الجماعية والاستخدام العنيف للقوة" يتعارض مع الحقوق الكونية للمواطنين ولن يساهم في إخفات صوت المطالب الإصلاحية، داعياً في الوقت نفسه إلى إجراء حوار بين السلطة ومعارضيها الذين يقبع بعضهم وراء قضبان السجون. هذا ولم ينسَ أوباما توجيه تحذير إلى الرئيس السوري بشار الأسد بصفة خاصة، والذي انتهج سياسة عنيفة لإخماد الاحتجاجات الشعبية مما أودى بحياة نحو 900 مواطن سوري، خاصة بعد أن فسر العديد من السوريين سكوت أوباما على ما يجري في بلادهم على أنه دعم من الإدارة الأميركية للنظام الذي قد يتسبب سقوطه في زعزعة استقرار المنطقة. وقد تابع أوباما متحدثاً عن الوضع السوري المقلق في هذه الأيام: "لقد أظهر الشعب السوري شجاعة كبيرة في مطالبته بالانتقال الديمقراطي، وأمام الرئيس الأسد خياران: إما قيادة هذا الانتقال، أو إفساح المجال". وكانت تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها أوباما صراحة وبشكل علني ضد نظام الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات السورية الحالية قبل نحو الشهرين. ومع أن كلمات أوباما لم ترقَ إلى مطالب أغلب النشطاء المعارضين السوريين، والتي تصر على رحيل النظام، فإن "وسام طريف" الذي يرأس منظمة حقوق الإنسان السورية المعروفة باسم "إنسان"، يرى أنه "من المهم بالنسبة للمعارضة السورية أن تسمع من أوباما مباشرة تخييره لبشار الأسد بين الإصلاح أو الرحيل". لكن وسام نفسه يتساءل: "هل يعتقد أوباما حقيقة أن بشار الأسد سيتزعم الإصلاحات ويقود البلاد إلى الانتقال الديمقراطي المرغوب؟ نحن لم نلمس على مدى الأسابيع الثمانية الماضية ما يدل على أن الرئيس مستعد للإصلاح". ومع ذلك يقر الناشط السوري أن خطاب أوباما "كان خطوة على الطريق الصحيح". وخلال الخطاب أيضاً عرج أوباما على موضوع السلام في الشرق الأوسط، وهو الموضوع الذي يحظى باهتمام كبير في المنطقة، لاسيما بعد خيبات الأمل الناتجة عن وعود غير متحققة أطلقها أوباما في خطاب كان قد وجهه من جامعة القاهرة عام 2009، والذي تعهد فيه بمضاعفة الجهود الأميركية من أجل تسوية الصراع، ليتخلى بعد ذلك عن هذا الجهد ولتغرق عملية السلام في حالة من الجمود غير مسبوقة. هذا الإحباط الذي يغشى مشاعر الناس في المنطقة عبر عنه الباحث "بريزات"، من المركز العربي للدراسات السياسية قائلاً: "بعد فشل أوباما في الوفاء بتعهدات خطاب 2009 لم يعد أحد اليوم يعتقد بأنه قادر على تقديم الجديد في ملف الصراع العربي الإسرائيلي". هذا وقد أشار البعض إلى سكوت أوباما في خطابه عن دول أخرى في الشرق الأوسط لا تقل في سلطويتها عن البلدان التي تشهد احتجاجات بالفعل، ربما بسبب قربها من الولايات المتحدة، وتحالفها الوثيق معها. كما لم يركز أوباما في خطابه على الأزمة اليمنية والاحتجاجات الشعبية المطالبة بسقوط النظام، حيث أرجع بعض المعلقين ذلك إلى علاقة التعاون الوطيدة بين نظام الرئيس علي عبد الله صالح وواشنطن في مكافحة الإرهاب. فقد اكتفى أوباما بدعوة الرئيس اليمني إلى "الالتزام بنقل السلطة". وفي الأخير تبقى الخلاصة التي خرج بها المتتبعون لخطاب الرئيس الأميركي يوم الخميس الماضي، ومن بينهم "سلمان شيخ" مدير مركز بروكينجز في الدوحة، وهي أن "الخطاب يمثل محاولة من القوة العظمى في العالم للتوفيق بين مصالحها الاستراتيجية وبين قيمها الديمقراطية، دون أن تعرف تماماً كيف تقوم بذلك. والأهم في هذا السياق أن المنطقة ليست مقتنعة بأن الولايات المتحدة ستنجح في هذا المسعى ". وهو الرأي الذي يتفق معه "خالد فهمي"، عميد كلية التاريخ في الجامعة الأميركية بالقاهرة، قائلاً: "رغم كل الحديث الأميركي عن تقديم القيم على المصالح، فإن ما يحرك السياسة الأميركية في المنطقة، هو في نهاية الأمر المصالح وليس شيئاً آخر على الإطلاق". ليز سلاي وإيرنستو لوندونو - بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©