الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منارات زائفة

منارات زائفة
24 يناير 2010 21:25
كان يا ما كان... أيام زمان، قبل أن يمتلك القراصنة طوربيدات وأسلحة حديثة ورادارات متطورة، كانوا يقومون ببناء منارات مزيفة تضلل السفن عن المنارات الأصلية، وترسلها الى المناطق الصخرية، أو إلى الشعب المرجانية العملاقة، حيث تصطدم بها السفن وتغرق، فيأتي القراصنة وينهبوها عن بكرة ابيها وأمها وخالاتها، دون رحمة أو شفقة. كما اسلفت، التكنولوجيا الحديثة التي تستخدمها السفن حالياً، وحصل عليها القراصنة أيضاً بطرق متعددة، ومشبوهة تشي بتعاونهم مع دول عظمى، جعلت من خدعة المنارات المزيفة جزءاً من الماضي التليد لعالم القراصنة المسكين. لكن لعبة المنارات المزيفة حالياً لم تنته قط، بل ازدادت شراسة وتأثيراً وتدميراً، وتزايد عدد ضحاياها، بل تحولت من مجرد حادث بحري وعملية سلب ونهب إلى كارثة وطنية نعاني منها لعقود. كلما سمعت عن كارثة اقتصادية عربية كبرى عانى منها الإقتصاد العربي، وخسر الكثير من المواطنين الكبار والصغار(حسب معايير السوق) مدخراتهم واستثماراتهم، كلما اعتقدت ان ثمة منارة مزيفة ما في مكان ما قد أودت بالوطن والمواطن، من أجل مصالح شخصية أنانية انتهازية ملعونة حرسة! لنأخد الأردن مثلاً سنجد أن منارة مزيفة أودت ببنك عملاق قبل ثلاثة عقود، فأرهقت الناس والخزينة. ثم تم تصنيع منارات مزيفة كثيرة أودت ببنوك كثيرة وجعلت الكثير من الناس ع الحديدة. ثم تلاها أزمة التسهيلات المالية، ثم شركات المرابحة المالية و.. و.. و.. و.. و!! طبعاً انا لا أبرىء ادارات تلك البنوك والمراكز المالية، ولا الجهات الحكومية المختصة التي قد تكون متواطئة مع قراصنة المنارات المزيفة والإدارات الهاملة، انما أقول إنهم مجرد مسننات صغيرة في آلة الفساد الكبرى. وكما في الأردن، كذلك في كامل ارجاء الوطن العربي من المحيط الهادر الى الخليج الثائر، بدون استثناء، وإن اختلفت المبالغ حسب الموجود، فالفساد لا يترفع عن القرش ولا يتورع عن المليارات. استدرك، هذه المنارات ليست عربية فحسب، فقد تكون أوروبية أو آسيوية، أسترالية، إفريقية أو غيرها، وهي أميركية أيضاً، ولا شك أن الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي هي من صنع منارات زائفة لا يحتكرها الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، بل هي ملكية عامة لرأس المال المحتكر الذي يدوّر أزماته ثم يتخلص منها بتوزيع الخسائر على الجميع، بعد ان يكون قد ربح المليارات. ولعل آخر المنارات الزائفة الأميركية هي حالات الإفلاس المتتالية التي بدأت تعلن عنها ميزانيات بعض الولايات الأميركية، وتطالب الحكومة الفيدرالية بدعمها على الفور.. وإلا!. مشكلتنا في العالم العربي، أننا نعاني من الآثار السلبية المزدوجة للمنارات الزائفة في كل مكان، فنحن نعاني من مناراتنا المحلية، كل دولة عربية على حدة، ونعاني كلما عانت دولة عربية لأن اقتصادنا شبه مترابط، ولو على سبيل العمالة أو المشاريع المشتركة. ونعاني أيضاً كلما عانت أميركا، لأن أميركا عودتنا أن تحل مشاكلها على حسابنا (لكأننا خلّفناها ونسيناها) عن طريق الترهيب والإحتواء والتحذير، وجميع الوسائل المعروفة والمجهولة. يعني: هناك عصابات كبرى.. هناك قراصنة جدد كبار يستخدمون تكتيك المنارات المزيفة ليسرقوا الوطن والمواطن، أما الجهات التي نراها، ونعتقد أنها وراء هذا الحدث أو ذاك، ونصب جام غضبنا عليها، فما هي إلا عصابات أصغر أو وكلاء وفروع تعمل بالمقاولة للعصابة الكبرى التي تسرقنا وتقتلنا وتدفعنا الى الانتحار، وتدمرنا عن طريق خدعة قديمة لقراصنة البحر، الذين تحولوا الى البر فأكلوا الأخضر واليابس.. والحبل على رقابنا جميعاً. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©