الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثنائية الشخصيات والمواقف

ثنائية الشخصيات والمواقف
17 مايو 2012
يكشف عنوان رواية مريم الغفلي “بنت المطر” عن بنيته المجازية المستمدة من الواقع الإماراتي كما توضح الرواية ذلك في صفحاتها الأخيرة على لسان إحدى شخصياتها التي تقود التحول الكبير في حياة بطلة الرواية لطيفة، بوصفه مكافأة لها بعد معاناتها المريرة والطويلة التي كانت المرأة (عمتها وجارتها وزوجة ابن زوجها الكهل) سببا فيها، ما يؤكد على واقع الرؤية التي تنطلق منها الكاتبة سواء على صعيد تأكيد ارتباط الرواية بالبيئة المحلية للواقع الاجتماعي الإماراتي، أو على مستوى بنية الرواية السردية التقليدية التي تظل محكومة بتلك الرؤية السردية التي تحاول الإيهام بواقعيتها من خلال استخدام اسماء الأماكن الواقعية، واسماء الشخصيات المستمدة من البيئة المحلية، إضافة إلى بنية السرد المتصاعد والتعاقبي. عتبات السرد من المعروف أن الرواية الواقعية التقليدية تتميز على مستوى الزمان والمكان وبناء الشخصيات والسرد بسمات قارة تمنحها ملامحها الفارقة بنيويا وسرديا. وفي رواية الغفلي يمكن للقارئ أن يلحظ تلك السمات منذ العتبة السردية الأولى التي تعنى بتقديم صورة متحركة لمشهد عمة بطلة الرواية نورة وهي توزع المهام على النساء المحيطات بها، بينما تدرك لطيفة من خلال حدسها أنها محور ما يجري حولها من أحداث. تخترق جملة الاستهلال التي تشكل بؤرة مركزية أولية الروايةَ، حيث تتقرع عن تلك البؤرة محاور عديدة باعتبارها الحدث المركزي المتمثل في تزويج لطيفة من رجل كهل مقابل مبلغ كبير من المال، لكي تتخلص منها وتستولي على ورثة والدها، على الرغم من أن الأخير قد أودعها أمانة لديها قبل وفاته. إن الراوي العليم الذي يهيمن على عالم السرد الحكائي في الرواية، والذي ترتبط به جملة الاستهلال يتوحد مع شخصية لطيفة عندما يشاركها إدراكها منذ البداية حدسها بأنها موضوع ما يدور حولها من جلبة وضوضاء لنورة ونساء حارتها. ويلعب التصدير الذي تفتتح به فصول الرواية ويشتمل على مقولات لكتاب عالميين إلى جانب العنونة التي استبدلت بها الترقيم التقليدي للرواية دورا في اختزال أحداثها بحيث تسهم في توجيه القارئ والتاثير في أفق التوقع. وتظهر العلاقة بين جملة الاستهلال وجملة الختام في الرواية مدى ترابط اأحداثها، إضافة إلى الرؤية السردية التي تنطلق منها الكاتبة في توجيه أحداث الرواية وبناء شخصياتها وبالتالي الكشف عن رؤيتها للعالم، وهي رؤية كما لاحظنا تقوم على الثنائيات المتقابلة والمتعارضة. شخصيات الرواية لا يمكن قراءة شخصيات الرواية خارج إطار الرؤية السردية التي تنطلق منها الكاتبة، تلك الرؤية القائمة على الثنائيات المتقابلة والضدية، والتي تجعل العلاقة فيما بينها علاقات تضاد نظرا للوظيفة التي تلعبها كل شخصية، الأمر الذي يكشف عن الدور الذي تلعبها كل شخصية في إطار تلك الرؤية التي تحكم بنية العالم السردي وتوجه أحداثه. تتجلى تلك الرؤية بصورة أساسية في شخصية بطلة الرواية لطيفة التي تتسم بالسلبية والاستسلام لقدرها وعدم التمرد على الواقع أو السعي إلى الانتقام، فهي شخصية طيبة وعفوية على الرغم مما كانت تتصف به أثناء دراستها من ذكاء ونجاح، في حين تظهر شخصية عمتها نورة بوصفها الشخصية النقيضة لها، من خلال ما تتسم به من شرير وجشع وظلم وانعدام للأمانة، فهي تستولي على إرث شقيقها بعد تزويج لطيفة لكنها تصاب بمرض خطير يجعل نهايتها البائسة والمريعة عقابا لها على ما ارتكبته من أفعال شريرة ضد لطيفة، بحيث يكون ذلك درسا لكل من يمارس أفعال الشر والظلم. وتمثل لطيفة النموذج النقيض لها وتكون نهايتها السعيدة مع أقدارها بعد رحلة طويلة مع الخيبات والمرارات والظلم بمثابة مكافأة لها على صبرها ومحبتها للآخرين وقبولها بواقعها المفروض عليها دوما. إن تلك الثنائيات المتقابلة الممثلة في تلك الشخصيات تتبعها مجموعة من الشخصيات الفرعية التي تتوزع أيضا ضمن تلك الثنائية لكن ما يلفت الانتباه أن أغلب الشخصيات الشريرة التي تضطهد لطيفة هي من النساء، فإلى جانب شخصية عمتها نورة هناك جارتها أم إبراهيم التي تشي لطيفة إلى الشرطة مدعية قيام علاقة مزعومة مع رجل كهل أجنبي يقوم بخدمها، ما يؤدي إلى طردها من البيت القديم الذي آوت إليه بعد قيام زوجة ابن زوجها المتوفى بطردها من البيت لكي تستولي هي الأخرى على إرث والد زوجها الغني. أما الشخصية الطيبة فتتمثل في صديقتها حمدة التي تتعرف إليها في لندن إذ تساعدها في تأمين المكان الذي يأويها. كما تقودها إلى تحقيق حلمها بالزواج من شقيقها محمد الذي عشقها من النظرة الأولى وظل يبحث عنها حتى التقاها بعد زمن. إن تلك الرؤية هي التي تدفع أحداث الرواية في هذا المسار التصاعدي والتعاقبي وتجعل شخصية بطلة الرواية تعيش تجربة صراع مريرة مع الواقع الظالم لتكون النهاية السعيدة هي ختام تلك الرحلة الطويلة. بنية الرواية في هذه الرواية التي يتسم فيها السرد الروائي بالموضوعي والرؤية الخارجية التي يقدمها السارد بضمير الغائب يظهر التركيز على محاولة الإيهام بواقعية الأحداث والشخصيات عبر استخدام الاسماء الواقعية للأمكنة ووصفها. وعلى الرغم من أن الراوي ليس البطل في هذه الرواية إلا أنه يساوي شخصية بطلة الرواية لأنه يعرف ما تعرفه، بل هو يعرف حتى ما يدور في خلدها من أفكار وهواجس فالرؤية مع هي التي تميز وجهة النظرهنا، والوصف الذي يتسم غالبا بهيمنة الصورة السردية ذات الطابع المتحرك عليه، والتي تعنى بذكر التفاصيل الجزئية للمشهد. وفي حين تعاني لغة السرد من استخدام العبارات النافرة التي أفقدتها سلاستها، فإن الحوارات التي تتم في الرواية تنحو نفس المنحى لسبب ظاهر يتمثل في أن الراوي يساوي شخصية الكاتبة ما يجعلها تهيمن على السرد ووقائع أحداثه حيث تظل الرؤية السردية التي تنطلق منها تلك الأحداث هي الناظمة لسيرورة السرد وحركته وعدم تطور شخصيات الرواية أو تحولها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©