الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبناؤنا في الخارج

أبناؤنا في الخارج
23 نوفمبر 2008 00:44
يقول المثل المصري (اللي يعرف خالي يقول له)· وفهمي لهذا المثل هو أن أحدًا لا يعرف على الإطلاق ما يفعله الآخرون في الخارج· والنتيجة المنطقية هي أنهم يعودون ليحكوا لك عشرات البطولات التي قاموا بها والأمجاد التي حققوها، وأنت لا تملك سوى الإصغاء· مثلاً صديقي متوسط الذكاء الذي سافر للخارج شهرين ثم عاد ليخبرني بحصوله على الدكتوراه، والمطرب الذي يحكي للصحافة عن فوزه بالجائزة الأولى في مهرجان (غنغرينا) الغنائي، وكيف ظلت القاعة تصفق له أربع ساعات، لدرجة أنه راح يطالع رواية ونام قليلاً إلى أن ينتهي التصفيق· دعك من الممثلة التي كانت ضيفة الشرف في مهرجان (سالمونلا) للسينما وكيف انتحر عشرة معجبين عند قدميها·· تسمع كل هذا ولا تعلق لأنك لا تستطيع إثبات شيء ·· تذكرت هذا المثل عندما قابلت المستر (محفوظ) أول مرة· كان رجلاً في منتصف العمر عائدًا من بريطانيا·· له شعر طويل ينحدر على كتفيه وشارب كث غريب المنظر، مع عباءة يصر على وضعها على كتفيه بلا داع، وحقيبة تتدلى من ذراعه كسعاة البريد· يتكلم بكثير من الغرور وبلسان معوج عن أمجاده في عاصمة الضباب ·· يقول إنه كان أستاذًا للأدب الإنجليزي لمدة عشر سنوات، وكان يدرس الإنجليزية في معهد برليتز، ولهذا يصر على أن نلقبه بـ (مستر)· سألته في نوع من الشك: ـ''كنت تدرس الإنجليزية للإنجليز ؟'' قال في غضب يوشك أن يلتهب فيفترسني: ـ''هل خدعتك من قبل ؟·· وهل تشك في كلامي ؟'' بالطبع لا ·· لم يخدعني لسبب بسيط هو إنني لم ألقه من قبل· أذكر في ذلك الوقت أن أحد أصدقائي حصل على لعبة جديدة للكمبيوتر، وهذه اللعبة تدور حول مغامرات شاب أميركي يحاول أن يمضي ليلة في لاس فيجاس· يجب أن تكتب الحوار المناسب لهذا الشاب· طلب الصديق مساعدتي لأن إنجليزيته لا تسمح له بالمواصلة، وهكذا زرته أنا ومستر (محفوظ) هذا ·· كانت العملية صعبة فالمواقف كثيرة في اللعبة، والحوار بالعامية ·· لذا كنت أنظر من حين لآخر للمستر محفوظ طالبًا مساعدته ·· ما معنى هذه العبارة ؟·· ماذا يريد رجل الشرطة مني ؟·· وفي كل مرة أرى على وجهه علامات العتة والغباء والتخلف المغولي ·· فقط ينظر للشاشة بعينين واسعتين زائغتين ويحرك شفتيه بكلمات غامضة، فإذا اقترحت أنا شيئًا هز رأسه موافقًا ·· ـ''قلت إنك كنت تدرس الإنجليزية للبريطانيين ؟'' ـ''وهل تشك في ذلك ؟'' بدأت أعتقد أنه كان في روسيا أو بلغاريا، فعصا المكنسة تجيد الإنجليزية أفضل منه· لكن لحظته جاءت في النهاية· في أحد مواقف اللعبة يقابل البطل فتاة ليل· هنا فقط عرفت أنني ظلمت المستر محفوظ·· لقد التمعت عيناه وبدا عليه الحماس، ثم أزاحني بكتفه وجلس أمام الشاشة وراح يكتب عبارات عبقرية بلغة إنجليزية مسترسلة سلسة، وبلهجة عامية لم أسمعها قط من قبل ·· الحق إن الرجل كان حجة ··لا أحد يملك هذه الفصاحة ولا هذه البراعة ·· رحنا عبثًا نقنعه أن هذا كاف وأننا له شاكرون، لكن الرجل انطلق لا يلوي على شيء وراح يكتب ويكتب ·· على الأقل أنا أعرف بالضبط الآن ما كان يفعله مستر (محفوظ) في لندن ·· إننا ظلمناه كثيرًا· فقط نحن لم نختر له نوع المحادثات التى يجيدها والتي تمرس عليها ·· نعم ·· لا يمكننا أبدًا أن نعرف ما فعله الآخرون في الخارج، وعلينا أن نصدق ما يقولونه عن أنفسهم أو نبتلعه· هناك قصة طريفة عن الأب الذي أرسل ابنه لباريس كي يدرس الطب ثم بعد عامين قرر أن يزوره في غربته·· راح الفتى الفخور يجوب بأبيه معالم المدينة وهو يشرح له: هنا ملهى كذا الليلي ·· هنا مرقص كذا ·· هنا بار كذا ·· هنا مسرح كذا ·· في النهاية كانت هناك بناية عملاقة عجز الابن عن معرفة كنهها، فهو لم يلحظ وجودها قط قبل اليوم ·· هكذا اتجه الأب إلى أحد الواقفين ليسأله عن هذا المكان· قال الرجل: ـ''هذه كلية الطب طبعًا يا سيدي ·!'' د· أحمد خالد توفيق aktowfik@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©