الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاطمة ناعوت.. الخيط الرفيع

فاطمة ناعوت.. الخيط الرفيع
14 يناير 2015 21:40
بدا وكأن ثمة خطوطا لا مرئية تفصل بين حدود ومجالات يصعب الجمع بينها، لكنها ولأنها غير مرئية أو يمكن قياسها وتحديدها بما وصلنا إليه من معارف وتطورات، فإنها تثير العديد من المشكلات والقضايا وتثير جدلا كبيرا، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية. يكاد ينطبق هذا الأمر على الكاتبة المصرية المثيرة للجدل فاطمة ناعوت، التي صدر قرار من النيابة العامة بإحالتها إلى محكمة الجنايات، الأسبوع الماضي، بتهمة ازدراء الإسلام والسخرية من إحدى الشعائر المقدسة، وهي شعيرة الأضحية التي يحتفل بها المسلمون كل عام ابتهاجا وفرحا بنجاة نبي الله إسماعيل ابن نبي الله إبراهيم من الذبح. بدأت الأزمة عندما كتبت الشاعرة والمترجمة المصرية فاطمة ناعوت على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، في أغسطس من العام الماضي 2014: «كل مذبحة وأنتم بخير».. ثم كتبت بعدها في مقالة لها في صحيفة «المصري اليوم» بمناسبة عيد الأضحى، في أكتوبر 2014: «بعد برهة تساق ملايين الكائنات البريئة لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونصف ويكررها وهو يبتسم.. مذبحة سنوية تكرر بسبب كابوس أحد الصالحين في شأن ولده الصالح». وتابعت ناعوت في مقالتها أنه «وبرغم أن الكابوس قد مر بسلام على الرجل الصالح وولده إلاّ أن كائنات لا حول لها ولا قوة تدفع كل عام أرواحها وتنحر أعناقها وتُهرق دماؤها دون جريرة ولا ذنب ثمناً لهذا الكابوس القدسي». بلاغ قام محام مصري، استنادا إلى ما كتبته ناعوت بتقديم بلاغ إلى النائب العام المصري، يتهمها فيه بأنها تزدري الدين الإسلامي وتسخر من شعيرة مقدسة من شعائر المسلمين، دون اكتراث أو تقدير لمشاعرهم، وهو ما تم على أثره استدعاء الكاتبة ومثولها أمام النيابة، ونفت ناعوت خلال التحقيقات أن يكون ما كتبته ازدراء للدين الإسلامي، مضيفة أنها ترى أن ما كتبته لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. إلى هنا والقصة لم تتعد حدود عشرات من القصص المشابهة في المجتمع المصري، كلمة من هنا أو مقالة هناك، فصل من كتاب أو كتاب كامل، يتصيده محام باحث عن الشهرة، أو أحد رجالات الفصائل الدينية المتشددة، لإثارة الرأي العام واستغلال العواطف الدينية المتأججة في نفوس المصريين لتحقيق أهداف سياسية أو أغراض أخرى! حدث هذا منذ أن كتب طه حسين كتابه «في الشعر الجاهلي»، والشيخ علي عبدالرازق في «الإسلام وأصول الحكم»، ومحمد أحمد خلف الله في «الفن القصصي في القرآن الكريم»، وخالد محمد خالد في «من هنا نبدأ».. مروراً بـ «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، و«فقه اللغة العربية» للويس عوض، وليس انتهاء بأزمة الروايات الثلاث في سنة 2001 أو أزمة «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر، سنة 2003، وتسببت في مصادمات عنيفة بين منتمين للتيار الإسلامي والشرطة آنذاك. لكن في هذه الحالة، يبدو الأمر مختلفا بعض الشيء، فالكاتبة والشاعرة والمترجمة المصرية، دأبت على إثارة الجدل بتصريحات عديدة في مناسبات مختلفة سابقة، منها مثلا ما نسب إليها عقب لقاء جمعها ومجموعة من الكتاب والمفكرين المصريين مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من أنها قالت: «الرئيس كلفني بإصلاح وتصحيح الإسلام!!».. هكذا قيل أو نسب إليها عبر عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، بالطبع عدها البعض مساسا بالمشاعر الدينية للمسلمين، وأنها تتعمد استفزاز المشاعر الدينية تحت بند أو راية حرية الرأي والفكر والتعبير. في الوقت الذي تداخلت فيه أطراف عدة في هذا الجدل، معتبرة أن الرد الأمثل والأفضل في مثل هذه الحالات التي وصفوها بـ «السعي وراء الشهرة ولفت الانتباه» والمقصودة هنا ناعوت، هو التجاهل وعدم الاهتمام، لأن الاهتمام والرد سيحققان شهرة غير مستحقة ونقاشا غير مجدٍ وجدلا عقيما لكاتبة «مستفزة»، هكذا وصفها البعض. بعض المثقفين والكتاب المصريين وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي، عبر عنه بعضهم كتابة في أكثر من مناسبة، بعد الإعلان عن إحالة ناعوت إلى محكمة الجنايات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، فهم من ناحية يرفضون إحالة أي إنسان إلى المحاكمة أو المحاسبة على رأي عبر عنه مهما كان، لكن وفي الوقت ذاته لم يخفِ كتاب ومثقفون حنقهم وضيقهم من إقحام ناعوت نفسها في سجالات لا طائل من ورائها ولا تقدم ولا تؤخر في شيء مثمر، بل على العكس ربما تبدو آثارها السلبية بالتأكيد في غير صالح قضايا الحرية والديمقراطية والتنوير والنهضة. فمثلا، رأى الكاتب المخضرم رؤوف مسعد أن هذه القضية تأخذ حيزا أكبر من حجمها، قائلا: «لا أريد لوم ناعوت لتدخلها بطريقة غريبة في شعيرة دينية مما أتاح للبعض الإمساك بتلابيب ناعوت لأسباب كثيرة أخرى». معبرا عن ضيقه وتضرره من موقف ناعوت الذي وصفه بقوله: «موقف فاطمة ناعوت هذا - وهي صديقة عزيزة - يجعلني وغيري في حيرة.. فنحن لن نستطيع السكوت على محاكمة زملائنا بتهمة إبداء الرأي.. ولا نستطيع أيضا تجاهلها، والقضية من الأصل لا محل لها هنا وغير ضرورية، شخصيا سأوقع على البيانات التي تطالب بحرية ناعوت لكن متضررا»!!، واختتم مسعد بجملة دالة ومعبرة: «وبلاش لعب بالنار». حرية رأي أم تنطّع على جانب آخر، وانطلاقا من أن إبداء الرأي وحرية التعبير شيء و«التنطّع» و«المساس بمشاعر الآخرين الدينية» شيء آخر، عبر أحد الكتاب المصريين على صفحته على «فيسبوك» عن رفضه الكامل لما صرحت به ناعوت قائلا: «مع احترامي وتقديري لها إلا أن حرية الرأي لا تعني المساس بشعيرة دينية مفروضة دينيا ومستقرة عبر آلاف السنين، ثم أنها وصفت نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء بأنه رجل صالح ولم تكلف خاطرها أن تذكر أنه النبي ابراهيم.. التنطع شيء وإبداء الرأي شيء آخر». أما صاحبة القضية ومفجرتها، فاطمة ناعوت، فقد كتبت أكثر من «تدوينة» و«تعليقا» مطولا على صفحتها الشخصية على «تويتر»، و«فيسبوك»، عقب علمها بإحالتها إلى المحكمة، تبدي فيها ما اعتبرته «سوء فهم مبيت لما كتبته»، إذ وصفت ناعوت ما وجه إليها من اتهامات بأنه «سوء استخدام حرية تقديم البلاغات الحاقدة من لدن العامة الخاملين بغير وجه حق من أجل تعطيل مسار التنوير باختصام مَن يعملون ويدعون للسلام والعمل بدلاً من اختصام، بل مباركة من يقطفون الرؤوس ويركلون الجماجم ويقتلون الأطفال». ناعوت فصلت تعليقها على إحالتها إلى محكمة الجنايات بقولها: «نما إلى علمي أنني قد أُحِلت للمحاكمة الجنائية وتحددت جلسة المحاكمة الشهر المقبل (الحالي، يناير 2015) بتهمة ازدراء الأديان بسبب (بوست) عابر على فيسبوك أهنئ فيه الأمة الإسلامية بأضحية العيد، وأدعو فيه إلى احترام الذبيحة وحُسن ذبحها بدلاً من إهانتها بإغراق الأرض بالدم على مرأى من الأطفال». ونفت ناعوت تماما ازدراءها الدين الإسلامي، متابعة: «ما تناولته لا يخالف الشريعة، ونوع من الأذى يحمل الاستعارة المكنية.. إنها الفاتورة التي يدفعها حملة مشاعل التنوير في كل عصر منذ المتصوفة العظام الذين شُنقوا وذبحوا لأنهم أحبوا الله ودعوا الناس إلى نبذ الاقتتال والعنف والعنصرية والتباغض». ناعوت أضافت أيضا: «وإذ أعلن احترامي التام للسلطة القضائية وإجلالي الكامل لقضائنا المصري المحترم وللنيابة العامة الموقرة التي أحالتني للمحاكمة الجنائية، فإنني لا أملك إلا التوجه لله ربي، الذي عنده يلتقي الخصوم، فهو أدرى بالسرائر وما تخفي الصدور، وهو الأعلم بقدر إيماني به وبأنني أحترم الأديان كافة، لأن إيماني العميق بالله يجعلني أحترم مشيئته بأن جعلنا أمماً وقبائل نتحاب ونتواد ونحن نعبده عبر دروب شتى تتوجه جميعُها إلى الله الواحد الأحد». وتمثلت ناعوت بحالة المفكر المصري الراحل نصر أبو زيد قائلة: «حتى نصر حامد أبو زيد الذي أراد أن يوضح للناس الصورة الصحيحة للدين، الذي شوهه المغرضون التافهون لكي يعذبوا الناس باسم السماء فقدموا صورة شوهاء للإسلام بل لله تعالى عز وجل حاشاه». لم تكتف ناعوت بما كتبته تفصيلا على صفحتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أخذت في جمع ما اعتبرته «شهادات» تبرئها من التهمة التي ستعرض أمام المحكمة بسببها، إذ كتبت تقول إن ما كتبه المثقف أحمد مرعي «من أرقى ما كُتب في حقي، فكيف أوفي كاتبَها حقَّه؟ كل احترامي للمثقف النبيل المبدع أحمد مرعي». مرعي كتب يدافع عن ناعوت قائلا: «لأنها قفزت فوق محددات أفهامنا وأفقاهنا.. لأنها ترفض أن تعيش طحلبًا في مستنقعات موروثات آسنة، حلا للكثيرين أن يجعلوا من أنفسهم محاكم تفتيش وكهنة معبد على فكر ووجدان كاتبة ومثقفة مصرية، اتخذت من الجمال والتنوير مشروعاً لها، هى السيدة ناعوت. فاطمة ناعوت، نختلف معها أو نتفق، ولكن من الصعوبة بمكان أن نختلف عليها، وهي التي اضطلعت على مدى العشر سنوات الأخيرة »على الأقل« بأن تحمل للقارئ البسيط والمثقف في آنٍ، ما تجود به قريحتها من روائع الكلم وجواهر الفكر». مرعي تابع دفاعه الحار عن ناعوت: «أبحرت ناعوت في شروح اللغة العربية وجمالياتها، وأسهبت في عرض فنون الموسيقى والشعر والفن والمسرح والسينما، وكل إبداع أطل علينا من معينه»، معلنا استنكاره الشديد لمحاكمة ناعوت «اليوم يحاكمون ناعوت!! حراس »العقيدة« أعياهم مجاراة المثقفة، وأعجزهم منطقها، فتحسسوا جيوبهم وأرصدتهم، فراحوا ينصبون لها مقاصل الجهل والترويع والترهيب!! فاطمة ناعوت ياسادة، حالة مصرية متوهجة، وعلى اختلافي السياسي معها، إلا أنني لا أملك إلا أن أحفظ لها قدراً ومكانة تستحقهما، وإن استغشوتم ثيابكم». ازدراء إيهتحت عنوان «ازدراء إيه؟» كتب المتخصص في أدب الجاسوسية وصاحب سلاسل الروايات البوليسية والخيال العلمي الشهير، نبيل فاروق يقول: «الزميلة المحترمة فاطمة ناعوت تحاكم بتهمة ازدراء الأديان، وهي تهمة بنيت على قانون لست أدري من اقترحه ولماذا؟! ثم إنه قانون يظهر حين يريد البعض ويختفي عندما يتجاهلونه». فاروق انتقد بشدة القانون الذي على أساسه تمت إحالة ناعوت إلى المحاكمة بموجب مواده، فهو «قانون بلا ملامح، وبلا شكل واضح. فمن سيقرّر حالة ازدراء الأديان، من حالة مناقشة بعض الأمور المتعلقة بالدين، وهي نفس الأمور، التي سيطرحها غير المسلمين على المسلمين». وتابع صاحب «رجل المستحيل»: «فلو أن من يتصوّرون أنهم أصنام العصور الحديثة، غير قادرين على الرد على مثل هذه الأمور، وسلاحهم الوحيد هو لعبة الاتهام بازدراء الأديان للربح، فهم إذن أعجز من أن يوصفوا بالدعاة، والأفضل لهم أن يقبعوا في بيوتهم، ويرحموا الإسلام منهم». وقياسا على ما صرح به منتمون إلى تيارات إسلامية متشددة، من الإخوان أو السلفيين، تساءل فاروق: «ثم أين كان قانون ازدراء الأديان، عندما كان شيوخ التطرّف يظهرون على شاشات الفضائيات، متهمين الإخوة المسيحيين بأنهم كفار؟! أليس هذا ازدراء للدين المسيحي، أم أن القانون هو قانون ازدراء الدين الإسلامي وحده؟! أليس هذا في حد ذاته ازدراء للأديان، التي تعترف بها الدولة؟! أم أن القانون هو وسيلة لتكميم أفواه كل من يناقش أو يطرح سؤالا؟! عندما كان الأندلس منارة العلم والفكر في أوروبا والعالم، كان فيه من يصدر كتبا إلحادية صريحة، ومن يصدر كتبا تعارضه، وتثبت له أن الله سبحانه وتعالى موجود، وكانت الأندلس دولة قوية مرهوبة الجانب، ذات بأس وشدة. ويبدو أن الأمور مرشحة لمزيد من الجدل والسخونة مع حلول يوم 25 من الشهر الجاري، وهو اليوم الذي من المقرر أن تمثل فيه ناعوت أمام هيئة المحكمة بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.. وللمحكمة حينئذ قولها!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©