السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موهبة محمود عبدالموجود تفجرت في قبر أمه

موهبة محمود عبدالموجود تفجرت في قبر أمه
4 فبراير 2006
القاهرة ـ ياسر سلطان:
الحزن الذي سيطر على الفنان التشكيلي محمود عبدالموجود بعد وفاة أمه حرمه من النوم؛ فقد كان متعلقا بها بشدة لكنه بعد ان رسم قبرها شعر براحة وطمأنينة تغمره وشعر بان كل ضربة للفرشاة وكل خط أشبه بأنامل حانية تربت على كتفه وتزيل بعض احزانه وأوجاعه· كانت اللوحة التي رسمها لقبر أمه مثل الصخرة التي تحطمت عليها كل الأمواج المتلاطمة في اعماقه وادرك ان للفن سحرا، بل هو ضرورة وليس ترفا أو سلوكا عبثيا·
الفنان محمود عبدالموجود، عاشق لصعيد مصر وطبيعته الساحرة التي راح ينهل منها ويسجلها في اسكتشاته ولوحاته المائية المليئة بالمشاعر والتعبيرات الزاخرة باللون والضوء·
وفي معرضه بأتيليه القاهرة يعرض مجموعة من أعماله التي تدور حول صعيد مصر، وتسجل مظاهر الحياة فيه من أناس وحيوانات وصخور حول النيل الخالد· وفي لوحاته تتجلى القدرة على التعامل مع خامة 'الجواش' وتطويعها وابراز ما بها من شفافية ودرجات اللون لديه مشرقة ومتوهجة·
ورغم تمكنه الأسلوبي الواضح، وقدرته على التعامل مع العديد من الخامات وصياغاته المتفردة للطبيعة، فانه لم يدرس الفن في أي من معاهده أو مؤسساته ولم يسع يوما إلى الاستعانة بأحد أو محاولة صقل ما لديه من موهبة بالدراسة، واعتمد على نفسه منذ الصغر واستعان بالقراءة والمشاهدة المستمرة والتأمل والاحتكاك بالآخرين· ويرى ان الموهبة لديه هي الاساس وهي التي دفعته دفعا إلى التعلم الذاتي ثم تأتي الممارسة حتى صار يضارع في أعماله خريجي الفنون بل يتفوق عليهم· أما عدم اتجاهه لدراسة الفنون منذ البداية فيرجعه إلى عدم وضوح الرؤية لديه خلال الدراسة الثانوية وتأثير الأهل عليه الذي دفعه للالتحاق بكلية التجارة كي يضمن لنفسه مكانا لائقا ووظيفة محترمة·
وحين التحق بالجامعة لم ينس عشقه للفن ورغبته في دراسته فاخذ يلتهم كتب الفن ويتابع المعارض والمهرجانات الفنية، وساعده على ذلك النشاط الذي كانت تقوم به الأسر الفنية بالكلية· وبعد التخرج بدأ المشاركة بأعماله في المعارض الجماعية ويذكر استحسان الفنان حسين بيكار لأحد أعماله التي كان يعرضها ذات يوم ضمن المعرض السنوي لاتحاد العمال الأمر الذي اعطاه دافعا قويا للاستمرار·
عاشق الجنوب
وعن سر تعلقه بصعيد مصر يقول محمود عبدالموجود: انتمي أساسا إلى الصعيد رغم انني ولدت ونشأت في القاهرة وعائلتي تعود اصولها إلى احدى قرى أسوان· والجنوب المصري بشكل عام يمثل لدي قمة الجمال والتجانس بين الطبيعة والبشر ورسمت وسجلت الكثير من مظاهر الحياة به في لوحاتي على مدار تجربتي الفنية منذ اوائل سبعينات القرن الماضي، ففي الجنوب تتجسد الهوية المصرية بلا تأثيرات ونلاحظ ذلك في التناغم بين الطبيعة والثقافة الشعبية وطرز المباني والملابس والملامح والأغاني والأهازيج الشعبية والرقصات، وألوان البيوت والزخارف فجنوب مصر لم يأخذ حقه كما يجب رغم ثرائه بالعديد من العلاقات والاشياء الخاصة التي يتفرد بها·
واضاف: ولاني عاشق لكل هذا الجمال الجنوبي حرصت على تناوله في الكثير من أعمالي الفنية بشكل عام الا ان معرضي الأخير يختص بمساحة تبلغ 45 كيلو مترا تمتد من مدينة 'كوم أمبو' وحتى مدينة أسوان في أقصى الجنوب المصري· ففي كوم أمبو على وجه الخصوص شدتني السوق التي تقام بها كل أسبوع لبيع الحيوانات والطيور والدواب وهي سوق مليئة بالعلاقات والتكوينات والألوان ونسبة كبيرة من الأعمال في هذا المعرض تتعرض لمشاهد من السوق وتسجل آليات التعامل والعلاقات بين الحيوانات وبين البشر والحيوانات· والمجموعة الأخرى سجلت فيها مظاهر الحياة المحيطة بنهر النيل الممتد إلى مدينة أسوان بكل ما يدور فيه وحوله من علاقات ودراما لونية مفعمة بالحياة من بيوت وصخور وجبال ومراكب وأشرعة وسماء مشرقة دائما ثم ذلك الأفق غير المحدود الخالي من التلوث·
والفنان محمود عبدالموجود لديه مشروع خاص يعد له الآن لتسجيل الحياة في منطقة توشكى التي يزحف إليها العمران بقوة مغيرا من طبيعة الحياة فيها والعلاقات البيئية الموجودة هناك·ويقول: تدربت عيني بفعل الوقت والخبرة على متابعة الجمال وملاحظته وهو أمر أشبه بعملية قيادة السيارة فانت حين تقود السيارة تشعر بانك تمارس القيادة بتلقائية دون أدنى تفكير في الحركات أو التعقيدات الأخرى التي تصاحب هذه العملية فلا صعوبة لدي في العثور على المشهد الذي ارسمه خاصة في الجنوب المصري الذي يمتليء بمظاهر الجمال والسحر·
تقشف فني
وبرع الفنان محمود عبدالموجود في تصوير المفردات والعناصر رغم صعوبة الخامة التي يرسم بها وهي 'الجواش' أو الألوان المائية التي يقول انه اختار العمل بها فقط لما يقال عن صعوبتها وابتعاد الكثير من الفنانين عن التعامل بها فهو يحب التحدي ولا يميل إلى الأمور السهلة حتى انه اختار اردأ أنواع الجواش امعانا في التحدي ولكي يثبت للآخرين ان الفنان هو محور العمل وهو الذي يستطيع بأقل الخامات وأشدها تقشفا ان يقدم أفضل النتائج وأكثرها قيمة اذا استعان بما لديه من موهبة وذلك يشبه الصراع أوالمعركة بين الفنان واللوحة التي أمامه فاما ان ينتصر الفنان فيها ويحقق رؤيته ويفرضها على مساحة العمل أو ان تنتصر اللوحة نفسها فتأتي على هيئة مغايرة لما كان يأمله أو يتطلع إليه·
ويقول: كان يمكنني ان استعين في وقت من الاوقات باحد الفنانين الكبار لصقل الموهبة لدي وسد الفراغ الاكاديمي في خبرتي، إلا انني خفت من التأثر بفنان بعينه أو الوقوع في اسر أسلوب ما ربما تفرضه عليّ هذه الدراسة الاكاديمية والفن من السهل دراسته بشكل ذاتي اذ ان كتب الفن تملأ المكتبات واعمال الفنانين متاحة أمام الجميع والفن يعتمد على الموهبة والاستعداد الداخلي·ويضيف: تأثرت في البداية بأعمال السرياليين خاصة أعمال الفنان الاسباني 'سلفا دور دالي' الذي أعشق أعماله حتى اليوم الا انني حين رأيت الجنوب وتطلعت الى مظاهر الجمال الطبيعي تحولت نهائيا الى الواقعية ومن ير النيل هناك على وجه الخصوص وما به من جمال أخاذ لا يمكن له الا ان يرسمه كما هو دون تغيير أو تصرف أو تجريد·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©