الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قدور قصر الحمراء.. تتفوق على الخزف

قدور قصر الحمراء.. تتفوق على الخزف
31 مايو 2014 01:12
د. أحمد الصاوي (القاهرة) كانت الأندلس فيما مضى من أيام المجد أكثر بلاد الغرب الإسلامي شهرة في صناعة الخزف، حتى إنها كانت تصدر المنتجات الخزفية الفخمة لمدن شمال أفريقيا في تونس والجزائر والمغرب، فيما تقوم تلك المدن بإنتاج أنواع الخزف الشعبي والمخصصة للاستخدامات اليومية المعتادة. وقد ذاعت شهرة بعض المدن الأندلسية نظراً لتخصصها في إنتاج أنواع معينة من أواني الخزف، وخاصة تلك المدن الساحلية الصغيرة الواقعة في جنوب الأندلس، بيد أنها جميعاً لم تحظ بشهرة تطاول تلك التي حازتها منتجات غرناطة ومالقا من أواني نقل الماء، وكذلك من نوع من الجرار يعرف بين مؤرخي الفنون باسم قدور قصر الحمراء، نظراً للعثور على بعض جرار من هذا النوع في أبهاء القصر الغرناطي الشهير، والذي كان مقراً لملوك بني نصر آخر حكام الأندلس من المسلمين. شهرة كبيرة وتعود صناعة تلك القدور غالباً إلى القرن الثامن الهجري «14م» وقليل منها يعتقد أنه صنع في القرن التاسع الهجري ونظراً للشهرة الكبيرة التي تمتعت بها هذه الأواني في أرجاء القارة الأوروبية فقد قامت بعض المصانع الإسبانية في مناطق الأندلس بتقليدها في القرن 19م. وتسربت بعض هذه القدور المقلدة إلى عدد من المتاحف والمجموعات الفنية. وعجينة قدور قصر الحمراء تميل إلى الصفرة وعليها بطانة بيضاء رقيقة رسمت فوقها زخارف بالبريق المعدني الذهبي وكانت مالقا مصدر هذا النوع، أما غرناطة فقد تفردت قدورها باستخدام اللون الأزرق الكوبالت في الزخرفة إلى جانب لون البريق المعدني. وتقليدياً احتوت زخارف هذه القدور على رسوم أوراق وأفرع نباتية مع كتابات كوفية ونسخية وحمل بعضها شارات ملوك غرناطة، فضلاً عن رسوم حيوانات محورة عن الطبيعة. ملوك غرناطة وقد ظهرت أول قدور الحمراء في نشرة علمية مصورة عن الآثار الإسلامية في إسبانيا، وذلك بناء على طلب الأكاديمية الملكية الإسبانية للفنون الجميلة في العام 1193هـ «1780م»، حيث نشرت صور لقدرين أو جرتين من هذا النوع القدر، الأول منهما يتميز بأن مقابضه بداخلها أشكال عقود وعليها عبارة «لا غالب إلا الله» شعار بني نصر ملوك غرناطة، ومن أسف أن هذه الجرة الثمينة تحطمت في العام 1227هـ «1813م»، أما الجرة الثانية فهي تلك القطعة الأكثر شهرة بالعالم وهي من مقتنيات متحف الحمراء بغرناطة وتتفرد بين مثيلاتها برسوم الغزلان على بدنها. وقد استخدم اللون الأزرق لتغطية أرضية الزخارف في تلك الجرة، بينما قسم الخزاف بدنها إلى منطقتين متماثلتين تقريباً في المساحة وجعل في العلوية منهما القريبة من الفوهة مناطق بداخل كل منها رسم لغزالين متقابلين أما الجزء الأسفل الذي ينتهي بالقاعدة الضيقة فبه مناطق من زخارف نباتية رسمت باللون الذهبي على الأرضية الزرقاء اللون تتبادل مع مناطق بها كتابات بخط النسخ الأندلسي. ويعتبر هذا القدر الأشهر بين 12 قدراً تنسب لفترة حكم ملوك بني نصر بغرناطة، علماً بأنه لم يعثر إلا على اثنين منها في حفائر قصور الحمراء. اللون الأزرق ويحتفظ متحف الأرميتاج في بطرسبرج بروسيا بقدر آخر يبدو أنه من صناعة مالقا في القرن التاسع الهجري «15م» وزخارفه رسمت بلون البريق المعدني، بينما لم يتم استخدام اللون الأزرق إلا في المقبضين، وتضم زخارف قدر الأرميتاج كتابات كوفية تمتزج بها الزخارف النباتية، بينما رسم بالمقبضين شكل كف اشتهرت في التراث الأندلسي باسم يد فاطمة وهي من الرموز المألوفة في المنتجات الفنية لمدينة غرناطة، بما في ذلك بابها القديم حتى عدت من رموز مدينة غرناطة. ومن قدور قصر الحمراء المعروضة بالمتاحف العالمية قدر آل لمتحف اللوفر بباريس بعد طول تنقل بين مجموعات خاصة، فقد كان أولا في حوزة هنري دو روتشيلد ثم انتقل لمجموعة ستورا، وأخيراً إلى مجموعة عائلة أدا التي قامت بمنحه هبة لمتحف اللوفر في العام 1965م. عبارات دعائية ويتميز هذا القدر بأن مقبضيه بداخلهما أشكال عقود على غرار القدر الذي تحطم في العام 1813م، ويدور حول وسط بدن القدر شريط كتابي بخط النسخ يحوي عبارات دعائية بالعز والتمكين والفتح لصاحب القدر، أما بقية البدن والمقبضين والعنق فكلها تحتوي زخارف نباتية من فروع حلزونية تتخللها أوراق نباتية، فضلا عن زخارف من أنصاف المراوح النخيلية المحورة عن الطبيعة. وزخارف هذا القدر منفذة بأسلوب الصب وتعد أحد أهم القطع السبع المعروفة في العالم من هذا النوع، وهي تحوي بين كتاباتها أسماء اثنين من ملوك غرناطة هما أبو عبدالله وأبو الحجاج، مما يرجح أنها صنعت في القرن التاسع الهجري. وقد تباينت آراء علماء الفنون الإسلامية في شأن الغرض من إنتاج هذا النوع من القدور الكبيرة ذات الزخارف المتأنقة فهناك من يرجح أنها كانت تبث في أرجاء قصور الحمراء الملكية وقد وضعت بها بعض الزهور اليانعة العطرة ويعتمد هؤلاء على مجموعة من الروايات التاريخية لعدد من الأوروبيين الذين زاروا قصور الحمراء بعد استيلاء ملوك الإسبان عليها، فقد أشار الدبلوماسي الفرنسي برتو الذي زار قصر الحمراء في مهمة دبلوماسية العام 1659م. إلى وجود جرار كبيرة من الخزف المطلي أسفل الجناح العسكري بقصر الحمراء وفي بعضها قليل من الزهور وتبعه أيضاً في الإشارة لوجود هذه الجرار بعض المؤلفين الإسبان فيما تلا ذلك من سنوات حتى منتصف القرن التاسع عشر. إضاءة وفقاً لروايات تاريخية تعود لفترة حكم بني نصر فإن هذه القدور الضخمة صنعت فقط بغرض الزينة الملوكية، فكانت توضع في فتحات كبيرة مزدوجة أو توأمية، بحيث تعزز طابع التماثل المعروف عن تقاليد فنون الزخرفة والعمارة في حضارة الإسلام ويسند هذا الاعتقاد ما نعرفه من خلال نقوش الحمراء من أبيات من الشعر سجلت في تلك «الكوات»، وهي تتضمن إشارات لتلك القدور الخزفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©