حلمي صرخة التحدي إلى نورٍ ينبثق من الظلمة

بخفة من ألف العتمة حتى صارت نوراً له، بصدق من لامست روحه قمم الفرح بالعطاء وهو فاقد اليدين، بحفيف أقمشة بألوان الربيع وفراشاته وطيوره تختال بها أجساد تعلّمت كيف تسمع موسيقى الروح رغماً عن الصمم، وعن عيون أطفأها الحظ العاثر فرسمت طريقاً يمجّد نعمة رهافة الاحساس وسموّه، بالإشارة البدائية التي سبقت اللغة التي تحوّلت إلى عالم كائن بذاته له سكناته وحركاته، انفعالاته ورسالته··· بكل ذلك وأكثر وباحتراف فني ملفت، ألهبت الفرقة الصينية الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة الجمهور في قصر الإمارات في أبوظبي، ولليلتين متتاليتين، وذلك بدعوة من هيئة أبوظبي للسياحة ومجموعة ''أي تي أر'' وبرعاية من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي وحضوره في العرض الأول· تغرف الروح من الطبيعة وتسكب حركتها وألوانها وتناغمها في العرض، ويذهلك هذا الحشد من التعبير الفني المتنوع بكل صوره من غناء ورقص ورقص تعبيري وعزف وتقديم لا يعرف أن يهادن، حين تعرف أنه يصدر من ذوي الإحتياجات الخاصة، من الكفيفين، من الصمّ والبكم، من المقعدين أو فاقدي اليدين··· مجموعة متناسقة لا تسمح لك وإن للحظات أن تشعر بالشفقة· إنه الفخر يجتاحك إذ ترى تحدي الإعاقة يرسم لك عالماً مميزاً تقيم فيه السكينة والسلام··· عالماً يزدهي بالألوان في لوحات من الرقص والغناء والعزف تبتكر ربيعاً لا ينتهي، أو كما قالت مقدمة الحفل بلغة الإشارة لدى حديثها عن لوحة راقصة يؤديها من فقدوا حاسة النظر: ''قد لا يتمكنون من رؤية الربيع غير أن بصيرتهم جعلتهم يشعرون بقدوم الربيع بروحهم وبأقدامهم الحافية وبتلاعب النسائم في ما بينهم''، فإن عجز نور الشمس عن الدخول إليهم يدخل نور الحياة التي فيهم يلامسون الأوراق وينتشون بخضارها، ويتنشقون رائحة الزهور ويرقصون بتناغم مع الطبيعة· ''ماي دريم'' أو ''حلمي'' مخيلة نظّمها وأخرجها إيفانت سوليوسنز، أثبتت منذ انشائها في العام 1987 وعرضها العالمي الخاص الأول في واشنطن دي سي العام ،1989 أن الإعاقة الجسدية أو النفسية لا تعني بالضرورة عدم القدرة على تحقيق الأحلام· و''حلمي'' هو عرض عالمي يقدمه فنانون ذوو احتياجات خاصة، نجحوا بالتغلب على حالتهم الجسدية الخاصة لتقديم روائع في الرقص والموسيقى، وشهادة حية على أن القدرة والعطاء الفنيين لا ينحصران بأفراد دون سواهم· قـــــالوا فيها مـــن أبوظبي في كلمته الافتتاحية، رحب معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي، بأعضاء الفرقة واعتبرهم مثالا يحتذى به في التصميم والإرادة وتجاوز الصعوبات وتحقيق المستحيل· كما أشاد معاليه بدعم هيئة أبوظبي للسياحة ودورها البارز في استضافة الفرقة وإثراء المجتمع بهذه المناسبة الفنية القيّمة، وأثنى معاليه على رؤية الهيئة في تطوير قطاع السياحة في أبوظبي· وأكد سعيد حمدان الطنيجي مدير الإعلام في هيئة أبوظبي للسياحة على أهمية الحدث في تعزيز دور ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع، مشيرا إلى أن رعايتهم وتمكينهم تمثل أحد أولويات الهيئة وأهدافها لإثراء المجتمع· وكان جاو يوشانغ، السفير الصيني في الإمارات العربية المتحدة ومن أكثر المشجعين مع زوجته لهذه الفرقة، قد قال: ''هذا العرض العالمي الذي يثبت للكثيرين بأن الفن هو لغة عالمية تجمع الجميع على اختلافهم في عالم متناغم''· داين ليم، مدير التطوير في هيئة أبوظبي للسياحة قال: ''اختارت هيئة أبوظبي للسياحة رعاية هذا الحدث تحديداً انطلاقاً من مساهمتها في تفعيل الدور الاجتماعي والاقتصادي في الإمارة· فمن جهة، يقع عرض الفرقة الاستعراضية الصينية ضمن استراتيجتنا الشاملة التي ترتكز على احترام الثقافات والقيم والارتقاء بالخدمات الاجتماعية مما يترجم على أرض الواقع بمبادرات حكومية تشتمل على اعتماد المعايير العالمية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة وإعطائهم الحق في أداء دورهم البناء في المجتمع، ويحققوا أحلامهم التي يطمحون إليها أيضاً''· وأضاف:''نأمل في الوقت نفسه أن تشكل هذه الفرقة تحديداً مصدر إلهام لشريحة خاصة من المجتمع وتحثها على تحقيق الأحلام''