الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوامة العنف في كينيا بين ماجيمبو و ايوروشا

دوامة العنف في كينيا بين ماجيمبو و ايوروشا
29 يناير 2008 23:12
لقد أطبق المئات منهم على أهالي القرى ليلاً على حين غرة، وهاجموهم بالسهام والسكاكين والفؤوس والمناجل وغيرها من أدوات الزراعة؛ وأراد المهاجمون الذين أردوا عدداً من الضحايا، إرسال رسالة واضحة إلى الناجين من سكان تلك القرى: إما أن تغادروا الآن أو تموتوا، تعليقاً منهـــا على هذه الصدمة الكبيرة قالـــت ''جوليـــا موثوني'' -إحدى الأرامل المسنات، وقد تمكنت من النجاة والهرب إلى مدينة ''ناكورو'' القريبة من القرى الكينية التي شهدت أحداث العنف هذه مؤخراً-: هؤلاء الذين فعلوا بنا كل هذا هم جيراننا، وأنا أعرفهم حق المعرفة، غير أن ما حدث ورأيته منهم بعيني، هو أمر يصعب وصفه أو تفسيره؛ والمشكلة أنهم يهاجموننا نحن أفراد قبيلة الـ''كيكويو''، بسبب تصويتنا لصالح إعادة انتخاب الرئيس مويي كيباكي، إلا أنهم هددونا حتى قبل الانتخابات، بالإخلاء من القرى التي نقيم فيها حالياً، سواء فاز كيباكي أم لم يفز· يذكر أن هذا البلد الذي تعمه موجة من الفوضى والعنف والاضطرابات حالياً، كان واحة من السلم والاستقرار قبل بضعة أسابيع فحسب، في قلب صحراء من الدول المجاورة التي تمزقها النزاعات والحروب الأهلية؛ وتعد هذه الدولة السياحية، بمثابة العمود الفقري لاقتصاد منطقة شرقي إفريقيا، ومركزاً للتجارة العالمية، إلى جانب كونها قاعدة للعمل الإنساني الدولي؛ وحتى قبل عدة أسابيع، كانت كينيا نموذجاً يمكن للدول المجاورة أن تحذو حذوه، فيما لو جدت وعملت من أجل بناء اقتصاداتها، وفتحت صدرها للقيم الديمقراطية الحرة؛ ولكل هذه الأسباب، فقد جاء اندلاع نيران العنف هذه -التي خلفت حتى الآن ما يزيد على 750 قتيل، بمن فيهم 100 ممن لقوا حتفهم خلال الأيام القليلة الماضية، إضافة لإرغامها لما يقارب ربع مليون مواطن على الهرب من بيوتهم وقراهم، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة المتنازع عليها في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي- بمثابة صدمة كبيرة للكثيرين· لكن وتحت هذا السطح الوديع الآمن لكينيا ما قبل هذه الأحداث، كانت تكمن في الواقع توترات عرقية عميقة، يرى المراقبون لتطورات الأوضاع، أنها طالما أهملت وتم تجاهلها، حتى انفجرت على هذا النحو الدامي الذي نراه حالياً· فإذا كان صندوق البارود قد اشتعل الآن بسبب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن ذلك لا يعني غياب شعلته منذ مدة طويلة سابقة للانتخابات، ذلك هو تعليق ''نجيري كابيري'' -المحلل السياسي ورئيس ''مركز الديمقراطية التعددية الحزبية'' في العاصمة الكينية نيروبي-، والذي مضى بقوله ''كابيري'': ''لقد ظلت التوترات العرقية داخل المجتمع الكيني تراوح مكانها مدة طويلة، دون أن يأبه أحد للتصدي لها وإطفاء نيرانها''· وفي حين يفسر اندلاع أحداث العنف الأخيرة هذه بالأخطاء العميقة التي صاحبت العملية الانتخابية التي أسفرت عن فوز الرئيس كيباكي، إلا أن أساس هذه التوترات إنما يعود إلى اعتقاد شائع بين المواطنين الكينيين بأن مجموعة عرقية واحدة -وهي قبيلة الكيكويو التي ينتمي إليها الرئيس كيباكي- هي الأكثر استفادة من ثروات البلاد، ليس لأي سبب آخر سوى قربها من دوائر السلطة والحكم؛ وكما يقول المراقبون، فإن هناك استياء مزمناً بين شتى المجموعات العرقية الكينية، إلا أن انعدام الثقة في قبيلة الـ''كيكويو'' بالذات، ظل يتعاظم بين المجموعات العرقية الأخرى، منذ وقت مبكر من نيل كينيا لاستقلالها من الاستعمار البريطاني في عام ،1963 وتولي زعيمها الوطني ''جومو كينياتا'' لمقاليد الرئاسة حينئذ· وفي ظل الرئيس ''كينياتا'' -الذي كان من قبيلة الـ''كيكويو نفسها- صعد أفراد القبيلة إلى مواقع رفيعة في جهاز الدولة والحكم، ووضعوا أيديهم على الشركات الكبرى في البلاد، إلى جانب شرائهم لمعظم الأراضي الزراعية التي خلفها الفلاحون البيض وراءهم في منطقة الوادي المتصدع المعروفة بخصوبتها وصلاحيتها للزراعة· لكن ومع ذلك، فإن في اندلاع أحداث العنف الأخيرة هذه ما يمكن تفسيره بأنه شعور بالخيانة، على حد قول المعلقين السياسيين؛ ففي عام ،2002 تمكن تحالف سياسي واسع، شكّله زعماء المعارضة السياسية المنتمون إلى شتى المجموعات العرقية، من الإطاحة بديكتاتورية الرئيس السابق ''دانيل أراب موي''، التي امتدت لأربعة وعشرين عاماً كاملة· وعلى إثر ذلك الإنجاز السياسي، وقعّت الحكومة الجديدة المنتخبة على مذكرة تفاهم نصت على الاقتسام العادل للسلطة في البلاد؛ إلا أن ''كيباكي'' نقض ذلك الاتفاق في عام ،2003 ليعود بكينيا تارة أخرى، إلى سابق عهد الهيمنة السياسية والعرقية لأفراد قبيلة الـ''كيكويو''، وذلك بشغله لجميع المواقع الحكومية الحساسة، بما فيها اللجنة الانتخابية، على أساس الولاء الشخصي أو القبلي، أو الاثنين معاً· وبسبب هذا الشعور بالخيانة والإقصاء المتعمد من السلطة، أعلن بعض قادة التحالف المعارض السابق، وفي مقدمتهم ''ريلا أودينجا'' -وهو من قبيلة لوو ويزعم فوزه بنتائج انتخابات 27 ديسمبر الماضية- خروجه عن الحكومة وبدء حملة أطلق عليها اسم ''ماجيمبو'' وهي كلمة سواحيلية تعني الحكم الذاتي، إلى جانب الإعلان عن مقاومته لحكومة ''كيباكي''· ومن رأي ''ويجانجو كاموتو'' -يعمل ممثل ادعاء، إلى جانب كونه مراقباً سياسياً-، فليس ثمة غرابة في اندلاع موجة العنف هذه، مؤكدا سماعه منذ عدة أشهر مضت، لكلمة ''نايوروشا'' الصادرة من أهالي منطقة الوادي المتصدع، وهي كلمة سواحيلية أخرى تعنى ''سوف نعيدكم إلى نصابكم ونضعكم في مكانكم الصحيح''· وكما يستشف من هذه العبارة العدوانية، فهي تستهدف في الأساس أفراد قبيلة الـ''كيكويو'' المقيمين في منطقة الوادي المتصدع، التي لا ينتمون إليها جغرافياً· فكيف السبيل لتجنيب كينيا خطر اندلاع حرب أهلية شاملة؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
المصدر: ناكورو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©