الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعبوية أوربان.. واستفتاء اللاجئين

2 أكتوبر 2016 00:00
-يشارك المجريون اليوم، الأحد، في استفتاء يعتبره معظم المراقبين غامض الأهداف، وربما يكون بلا معنى. وقد جاء النص الطويل للسؤال الوحيد الذي سيُطرح عليهم باقتراح من حكومة الجناح اليميني للحزب الوطني المحافظ «فيديتز» بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان بهذه الصيغة: «هل تتمنى أن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على إعادة النظر في قضية التوطين القسري لغير المجريين في المجر من دون موافقة البرلمان المجري؟». ومن المتوقع أن تصوّت الأغلبية بـ«لا». وقد تؤدي هذه النتيجة إلى إلغاء القرار الذي توصل إليه الاتحاد في شهر سبتمبر من العام 2015 ويقضي بإعادة توطين طالبي حق اللجوء، وربما لا يفضي إلى أي نتائج تشريعية في المجر ذاتها. ولا يبدو أن الأمر ينطوي على أي لغز عندما نتساءل عما يمكن لهذا الاستفتاء أن يحققه لأوربان ذاته، أو لمشروعه السياسي ذي الأهداف البعيدة المدى والذي حظي بترحيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما أن الاستفتاء يمكن أن ينقذ أوربان من مشاكله الداخلية ويسمح له بتعزيز موقفه كمعارض من نوع جديد لسياسات أنجيلا ميركل في ما يتعلق بتسيير الشأن الأوروبي، بحيث يلعب دور الزعيم المدافع عن الثقافة القومية المسيحية ضد التهديد الحضاري لما يسمى «الغزو الإسلامي»! كما أن الاستفتاء مصمَّم لدعم وجهة نظر أوربان حول الاتحاد الأوروبي التي تقضي بضرورة العمل على تمكين الدول والشعوب من التعبير عن مواقفها الصريحة المضادة لبروكسل. وتتلخص وجهة نظر أوربان في أن من حق كل حكومة في دول الاتحاد تجد نفسها في الجانب الخاسر عند اتخاذ أي قرار جماعي، أن تنظم استفتاء وطنياً لتعزيز موقفها في المحادثات المقبلة. وهي وجهة نظر توحي بأن هذا الاتحاد مهدد بالانهيار والتفكك في النهاية. ولابد لنا من التوقف عند بعض الحقائق التاريخية المتعلقة بالمجر وبالنازحين الذين أقلقوا مسؤوليها. فقد تم تحديد عدد طالبي حق اللجوء الذين كان يفترض فيها إعادة توطينهم بناءً على الاتفاقية الأوروبية التي تم التوصل إليها خلال الخريف الماضي بعدد 1294 لاجئاً. ولكن، لم يصل منهم أي نازح على الإطلاق، وليس من المتوقع أن يصل أي منهم أبداً. ويتوقع محللون أن تصادق القمة الأوروبية التي ستلتئم هذا الشهر في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا على مشروع قانون يلغي اتفاقية العام الماضي المتعلقة بعملية إعادة توطين المهاجرين. وحتى هذه الحقائق لم تكن كافية لإخفات أصوات الضجيج التي أثارها أيضاً السياسي البلغاري ذو النزعة القومية إيفان كراستيف الذي يشغل منصب مدير مركز الاستراتيجية الليبرالية في صوفيا، والتي أطلقها تحت عنوان «التصور الديموغرافي». فقد أشار إلى أن المجر عانت لفترة طويلة من مخاوف «الانقراض الذاتي كدولة». وكانت هذه المخاوف تتجلى أحياناً بالنتائج المنتظرة من انخفاض معدل الولادات، وتتعلق في أحيان أخرى بكون المجر لا تمثل أكثر من دولة صغيرة لا تنطق بأي من مشتقات ولهجات اللغات «الهندو- أوروبية» التي تتداولها معظم شعوب أوروبا، وتجد نفسها وسط بحر من الأقوام الناطقة باللغة السلافية. كما أنها أيضاً تحمل ذكريات مُرّة كدولة فقدت استقلالها عندما اجتاحها العثمانيون، ثم وقعت تحت حكم «آل هابسبورغ» مؤسسي ما يعرف باسم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ثم وقعت تحت الهيمنة السوفييتية بعد الحرب العالمية الثانية. والآن، اتخذت تلك المخاوف وجهة أخرى لتتركز على الخطر الكامن في تدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط، الذين تُكال لهم أوصاف ونعوت متعددة مثل «التهديد الحضاري وشبه العسكري». وبالنسبة لأوربان وعصبة المطبّلين الداعين لترويج أفكاره، فإن هذا الاستفتاء مع الحملة المرافقة له، لن يكلف أكثر من 40 مليون دولار، إلا أنه يعتبر في نظره عملية مهمة لكبس الأزرار العاطفية التي يمكنها أن تستفزّ في أنفس كل المجريين المشاعر الهستيرية المعادية للمسلمين. ووفقاً لما يقوله وزير الدولة لشؤون الحكومة المجرية «جانوس لازار»، فإن الهدف النهائي من أطروحات أوربان لا يمكن أن يقلّ عن تحقيق «البقاء طويل الأجل» للدولة المجرية إن هي فشلت في الاحتفاظ بـ«وحدتها الديموغرافية». وقال أيضاً: «إن وحدة هذا البلد لا يمكن ضمانها إلا عن طريق هذا الاستفتاء. ونحن نعلم أن بروكسل لا تخشى إلا الشعوب، ولا تنحني إلا لإرادة الشعوب». وإذا كان لهذه الأطروحات أن تذكّرنا بشيء يتعلق بالحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، فإن ذلك لم يأتِ بمحض الصدفة. فقد أعلن أوربان عن تأييده المطلق لدونالد ترامب هذا العام، فيما وجّه «لازار» اتهاماً صريحاً للرئيس أوباما بأنه يسعى بالتعاون مع بعض الجماعات السياسية الأميركية، لإغراق أوروبا بالمهاجرين المسلمين. ويأتي استفتاء أكتوبر، ليضاف إلى مكسب سياسي آخر حققه أوربان بالفعل. ففي ربيع العام 2015، عمدت الحكومة المجرية إلى تنفيذ مبادرة غير ملزمة أطلقت عليها مصطلح «الاستشارة الوطنية» حول قضيتي الهجرة والإرهاب. وتم توجيه الأسئلة عبر البريد الإلكتروني إلى 8 ملايين مواطن (عدد سكان المجر الحالي أقل بقليل من 10 ملايين) مع حثّهم على التصويت بالموافقة على الإجراءات الحكومية المضادة للهجرة من خلال الإشارة إلى أن سوء إدارة ملف الهجرة من طرف بروكسل هو السبب الكامن وراء تزايد الأعمال الإرهابية. وانتشرت في طول المجر وعرضها اللافتات التي تحرّض المواطنين على مقاومة الهجرة ومنع طالبي حق اللجوء السياسي من الدخول، وكتب على أحدها «إذا أتيت إلى المجر، فلا تسرق وظائف العمل من المجريين». وقد صنعت هذه الحملة الشعبوية الأعاجيب لأوربان. ولم يعد أحد يتحدث أو يركّز على فضائح الفساد التي تتزايد بسرعة عجيبة داخل حكومته، ولا عن النصف مليون مجري الذين غادروا وطنهم للعمل في بلدان أخرى بسبب عدم توفر فرص العمل في بلدهم قبل بروز مشكلة اللاجئين. وأصبح الحصول على الامتيازات الكافية لمواصلة الحياة يعتمد على «الواسطة» وقوة الارتباطات الشخصية والسياسية. ولعل ما هو أهم من هذا وذاك أن أوربان اختطف من حزب أقصى اليمين «جوبيك»، شعاراته التي كانت تشكل خطراً عليه، بحيث لم يعد هناك مجري واحد يمكنه أن يصدق أن هناك رجلاً غيوراً على قوميته ونزعته الوطنية ومعادياً للأجانب مثل أوربان. ونعرض هنا لبعض النصوص المكتوبة على اللافتات المنتشرة في شوارع المدن المجرية: «هل تعلم أن أكثر من 300 شخص قُتلوا في أعمال إرهابية منذ بداية أزمة الهجرة إلى أوروبا؟»، و«هل تعلم أن بروكسل تريد توطين عدد من المهاجرين غير الشرعيين في المجر يساوي عدد سكان مدينة مجرية كاملة؟». ولقي مشروع أوربان لإقامة جدار عازل على طول الحدود مع صربيا ثم مع كرواتيا، الترحيب الكبير في المجر، وظهر فيه بمظهر «الحلاّل الناجح للمشاكل» التي تعاني منها أوروبا. وتأتي هذه «الإنجازات» لتكلل اقتراحات أخرى سبق له أن طرحها، ومنها إنشاء «الجيش الأوروبي»، وتأسيس مخيم ضخم لتجميع وإيواء كل المهاجرين والنازحين في ليبيا. وبدافع من أطروحات ينادي بها أمثاله من المحافظين، كحزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي الألماني» الذي يمثل الفرع البافاري للحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه أنجيلا ميركل، فقد دعا إلى قيام «ثورة ثقافية مضادة شاملة» في الاتحاد الأوروبي كله. وهو الذي قال أكثر من مرة بأن الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي أصبح يمثل «فرصة رائعة» لدول مجموعة «فايزغراد» الأربع: بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك! * أستاذ العلوم السياسية في جامعة برنستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©