الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاريكاتير.. «وخزة ضمير» العالم

الكاريكاتير.. «وخزة ضمير» العالم
15 أغسطس 2017 21:41
يمكن للقضايا الكبرى أن تتمثّل في رسومٍ كاريكاتيرية وأيقونات أو رموز، ويمكن للأحداث الساخنة أن تتجسّد في رسومٍ بسيطة تُبرز عُمقها وخطورتها، ويمكن للشخصيّات السياسية المهمّة أن تتحوّل إلى فزّاعات كرتونية جريئة ومُستفزّة. لكن ثمّة فرقا بائنا في التمييز، بين السخرية، وبين الإمساك بلحظة نقدية، تتحوّل فيها المأساة إلى مهزلة. إنها لحظة الكاريكاتير، وهذه المسافة هي التي تسكن فيها عواطف الكاريكاتيريست، باعتباره رمزاً لعاطفة جمعية، وضميراً شعبياً. فالكاريكاتير هو "وخزة ضمير" يستسيغها عموم الناس، ولا يتحمّلها بعض من تلامس جلودهم وغرورهم. حصاد هذا الشهر من تلك الوخزات، متأثّراً بحركة العالم الغارق بتداعيات متلاحقة، في صفحتين خصّصهما "الاتحاد الثقافي" شهرياً لفنّ الكاريكاتير ورسّاميه والكتب المختصّة به. لقد تمحورت اهتمامات الكاريكاتيريين العرب والعالميين على أحداث عدّة، أهمّها: الأزمة الخليجية المستحكمة بين قطر ودول الخليج العربية، ذكرى هزيمة 1967، تفجيري لندن الإرهابيين، التفجيرات في إيران، والحرب العراقية والسورية المفتوحة على مصراعيها.       رياض سطوف و«عرب المستقبل» حقّقت سلسلة "عرب المستقبل" للفنان السوري الفرنسي رياض سطوف والتي تضمّ قصصاً كاريكاتيرية مصوّرة، أرقاماً خيالية في المبيعات وصلت إلى المليون نسخة، ولقيت هذه السلسلة نجاحاً كبيراً في الولايات المتّحدة الأميركية وألمانيا خصوصاً، بعد أن تُرجمت إلى 20 لغة ما عدا العربية، فضلاً عن النجاح الباهر الذي حقّقته في فرنسا، إذ أصبح سطوف من أشهر رسامي الكاريكاتير في باريس. سطوف المولود من أمّ فرنسية وأب سوري من قرية طير معلة في ريف حمص، يروي كاريكاتيرياً في مجموعته المؤلّفة من 3 كتب، المأساة السورية المستمرّة منذ عقود تحت حكم آل الأسد، والطفولة التي عاشها بين ليبيا وسوريا في ظلّ القمع والحرمان. ويوثّق بحسّ فكاهي مشاهد البؤس التي دوّنها بين سنة 1978 و1984، والتي تعكس الخدمات العامة المُتهالكة، والأبنية المتداعية، وسيارات النقل المهترئة، فضلاً عن سلوكيات تحتقر المرأة في مجتمعات مُتخلّفة. كما يسخر برسومه من الانتخابات الرئاسية في سوريا التي حقّق فيها الرئيس القائد فوزاً بنسبة مئة في المئة، ويتطرّق إلى مجزرة سجن تدمر وغيرها من مجازر النظام. يروي سطوف في مجموعته طُرفة عن طفولته عندما بدأ الرسم، إذ راح ينسخ بأسلوبٍ ساخر صورة الرئيس القائد التي كان يراها مُعلّقة في كلّ مكان، على المنازل والأبنية والأعمدة، فضلاً عن تماثيل الرئيس التي تملأ الساحات، وعندما رأى الأب ما رسمه الابن ارتعب وعاقبه بشدّة، وشتمه قائلاً "لعن الله أباك يا ابن الكلب". اشتهر سطوف في زاويته الكاريكاتيرية "الحياة السرّية للشباب" التي رسم فيها هموم الشباب المقيمين في ضواحي باريس بلغتهم الجريئة؟ عمل في صحيفة "ليبراسيون" الطليعية وفي مجلة "تيليراما" الشعبية و"لا نوفيل أوبزرفاتور". حاز سطوف على جوائز فرنسية وعالمية عدّة عن مجموعته، من بينها جائزة "أنغوليم" الفرنسية، وجائزة "لوس أنجلس تايمز للكتاب". أرمان حمصي: الكاريكاتير مقال في لحظة نقرؤه برمشة عين من الصفحة الأخيرة في جريدة «النهار» اللبنانية، يُطلّ أرمان حمصي كلّ يوم منذ 22 عاماً، حاسماً برسومه قضيّة أثارت جدلاً واسعاً في البلاد. أنشأ موقعاً خاصّاً للكاريكاتير المُتحرّك - animation لكنه لا يزال شغوفاً بالحبر والورق، ويُحب أن يرى رسومه من دون ألوان، ومن دون كلام، إلّا ما قلّ ودلّ منه. هو فنان تشكيلي وأحد أهمّ رسّامي الكاريكاتير في لبنان والعالم العربي، مُتابع دؤوب لحركة الأدب والفنون والسينما وإصدارات العالم، جاء من عوالم الهندسة الداخلية في العاصمة الفرنسية باريس، ليخوض بحِرفية وثقافة واسعة عوالم النقد والمُكاشفة في مواجهة السلطة والفساد. معه كان هذا الحوار: ----------------- * هل لدينا في لبنان مدرسة حقيقية لفنّ الكاريكاتير؟ ** ليس لدينا مدرسة بالمعنى التقليدي، لكن ميزة الكاريكاتير اللبناني أنه حرّ. فإذا نظرنا إلى الكاريكاتير في الدول المحيطة بنا، نلاحظ الفرق الكبير بين ما نتناوله من مواضيع وبين ما يقدّمه الكاريكاتيريون العرب عموماً. * لكن الحرية قد تسيء أحياناً إلى الآخر؟ فما هي حدود الحرية في لبنان؟ ** الحرية التي أتحدّث عنها حدودها الحاسمة الاحترام وعدم التعاطي بالأمور الشخصية، وهي تقع ضمن حدود اللياقة، وعدم المسّ بالكرامات الشخصية، وهذه ميزة الكاريكاتير في لبنان. لبنان أولاً * نلاحظ أنك متخصّص بالكاريكاتير المحلي وقليلاً ما تخرج رسوماتك عن الشأن الداخلي؟ ** الشأن المحلي هو أولوية القارئ اللبناني، وقارئ صحيفة «النهار» عموماً هو لبناني، سواء كان مقيماً أو مغترباً، ويهتمّ بما يحصل في بلده بشكل خاصّ. لكن المواضيع الإقليمية والدولية مهمّة جداً بالنسبة لي، بشرط أن تكون باهرة كالانتخابات الأميركية أو الفرنسية مثلاً، والتي لا يمكن لرسامي الكاريكاتير تجاهلها. وأذكر أنني في بداية الحروب التي اندلعت في المنطقة، خصّصت الحيّز الأكبر لهذه الأحداث وغيرها من تلك التي تجري على نطاق دولي. * لكن ألا تُقلق رسوماتك السياسيين اللبنانيين عادة؟ ** نحن لدينا في لبنان ثقافة الكاريكاتير وثقافة النقد وتقبّله، وهذه الميزة تحدّثت عنها في البداية. الوزراء والنواب والطبقة السياسية عموماً يقبلون الصورة التي نضعهم فيها، والمشروطة بقواعد أساسية، هي الاحترام والموضوعية. شغب ولعب * ما الذي يقوله الكاريكاتير ولا تقوله الكلمة؟ ** أشياء كثيرة بعيداً عن الكلام، من خلال التلميح فقط، القارئ ذكي عادةً ويتلقّف ما نرسمه من دون شرح كثير. وهنا لذّة الكاريكاتير وقوّته، فإذا قدّمنا رسماً مباشراً يفقد الكاريكاتير معناه، الشغب واللعب هو روح هذا الفنّ. * وماذا يضيف إلى المقال عندما يكون مقروناً به؟ ** الكاريكاتير هو مقال في لحظة، نقرؤه برمشة عين، وهنا تكمن أهمّيته، بينما المقال يأخذ وقتاً أطول بالتأكيد. أنا أصلاً أؤمن بالصورة، وأرى أن الصورة تساوي ألف كلمة. لست مصلحاً اجتماعياً * أرمان حمصي ساخط دائماً على الواقع اللبناني فهل تجد نفسك في خانة النقد والكشف عن الأزمات؟ ** هدفي هو الإضاءة على الحدث، الرسام ليس مُصلحاً اجتماعياً، وشرط الكاريكاتير أن يكون صادقاً، أي أن يكون الحقيقة نفسها، قد لا يُعجبك أنني انتقدت زعيمك، لكنك لا تستطيع أن تُنكر رأيي لأنه حقيقي ومبني على حدث حصل وليس تلفيقاً. * ما الذي تتجنّب رسمه؟ ** كلّ ما هو غير جاذب للريشة، هناك أشخاص يستدعون الريشة والحبر، وهناك أحداث تفرض نفسها، والعكس أيضاً. * كيف تُعرّف الكاريكاتير؟ ** هو طريقة مُختلفة في رؤية الأشياء، وربطها ببعضها البعض بأسلوب فنّي وذكي. * ماذا عن الوقت الذي تقضيه في الرسم؟ ** عادة أرسم في الليل بعد الانتهاء من أحداث النهار، والرسم أخّاذ لدرجة أنني لا أستطيع التوقّف بسهولة، هو كالكتابة تماماً. هناك رسومات لا تأخذ مني أكثر من نصف ساعة، وبعضها يأخذ مني ثلاث ساعات أحياناً. * لكن نلاحظ أن كاريكاتير أرمان حمصي قليل الكلام؟ ** فعلاً أنا أركّز على الرسم، وأكتب كلمة واحدة أحياناً في إحدى الزوايا فقط كي ألفت انتباه القارئ أكثر للموضوع. * هل تهتمّ بفنّ الرسم عموماً؟ ** طبعاً كان لي أكثر من معرض، أنا أحب الأكريليك ولدي علاقة خاصّة بالحبر أيضاً، والآن أُعدّ كتاباً كاريكاتيرياً هو قيد الإنجاز.     «دكتاتور» فرزات.. وشارب صدام حسين «هل كان الدكتاتور ذي الشارب الكثّ في اللوحة الكاريكاتورية المعروضة هو الرئيس العراقي صدّام حسين؟» سؤال طرحه آلاف الزائرين لأكبر معرض للكاريكاتير نظّمه معهد العالم العربي بباريس في الثمانينيات، وجمع فيه ألمع رسامي الصحف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في حفل الافتتاح، حضر سفير صدام حسين في باريس ضيفاً على المعهد ليتفقّد اللوحات المعروضة، إذ استرعت انتباهه لوحة للفنان السوري المعروف علي فرزات، وهي تُمثل دكتاتوراً يقف وسط خراب بلاده التي دمّرتها الحرب، ويصبّ الأوسمة في صحنٍ فارغ ويوزّعها على الفقراء من أبناء شعبه. استشاط السفير العراقي غضباً، وطلب لقاء مدير المعرض ليُخبره أن عليه إنزال هذه اللوحة كونها تُوجّه اتّهاماً مباشراً إلى الرئيس العراقي. وأمام إصرار السفير، آثر مدير المعرض أن يعقد لقاءً بينه وبين رسّام اللوحة علي فرزات ليرى وجهة نظره في الأمر، فالتقيا وحدث بينهما الحوار التالي: السفير: ماذا تقصد بهذه اللوحة؟ فرزات: أنا عادة لا أعلّق على رسومي ولا أكتب عليها، هذا أسلوبي.. أنا أخاطب القارئ من خلال الذهن، ورسومي معروف عنها أنها ذهنية أكثر من كونها حدثية آنية. السفير: لا، أنظر جيداً في اللوحة، أنظر ماذا تقصد فيها بالضبط؟ فرزات: اللوحة أنا رسمتها وأنا أعرف ماذا أقصد بها، هل تريد أن تعلّمني ماذا أقصد. السفير: ألا تقصد الرئيس صدام حسين فيها، ألا يشبه هذا الرئيس صدام؟ فرزات: أنت ترى ذلك، هذه مشكلتك وليست مشكلتي، أنت تريد أن تُقحمني في إطار مفهومك للأمور، اسمح لي أن أقول لك إني غير مستعدّ للنقاش في هذا الموضوع على الإطلاق، وبصراحة، هذا الرسم الذي أعلّقه على الحائط ليس كاريكاتيراً، بل هو مرآة كل إنسان يرى صورته فيها. في اليوم التالي حضر مُلحق عن السفارة العراقية إلى المعرض، وأصرّ على إنزال اللوحة، وأمام هذا الإلحاح قرّر المدير إنزالها، غير أن القائمين على المعرض خاضوا إضراباً عن العمل وأقفلوا مكاتبهم، قبل أن يستدعوا وسائل الإعلام الفرنسية التي دخلت على الخط، وأثارت ضجّة إعلامية حول الموضوع، لدرجة أن رابطة فناني الكاريكاتير الفرنسيين كتبوا بلاغاً في نشرات الأخبار التلفزيونية، أدانوا فيها تدخّل سفير دولة أجنبية في الشؤون الفرنسية. تناقلت وكالات الأنباء والصحف أخبار التصادم بين سفير النظام العراقي والفنانين العرب المشاركين في المعرض، وبعد محاولات «لوي الذراع»، على حدّ تعبير الصحافة الفرنسية، انتصر الفن وفشل سفير النظام العراقي. هدأت الجلبة بعد حين، وبقيت لوحة «الدكتاتور» في مكانها تُبهج الزائرين الذين تقاطروا لرؤيتها بعدما ذاع صيتها في أرجاء فرنسا كافة، لكن السؤال المُعجز الذي طالما طرحه الجميع بخصوص تلك اللوحة بقي من دون جواب: هل كان «دكتاتور» فرزات هو صدّام العراق؟  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©