السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحولات العربية... و «يوتوبيا» النزعة الإنسانية

18 مايو 2011 22:37
في لحظات التحول الكبرى، كهذه التي تعرفها بعض المجتمعات العربية في الوقت الراهن، وفي إطـار جدليـة طرح الأفكار الأولية التي قد تنير طريق الإصلاح والمستقبل، حول ما يمكن أن تتضمنه تعددية البدائل الممكنة في الواقع وليس في مجرد الرؤى الحالمة "اليوتوبية"، قد يتطلب الأمر من المنظرين الانجذاب إلى بعض تقاليد فن الهندسة المعمارية، لأن المهندسين المعماريين ليس لديهم بديل، بحكم طبيعة عملهم، سوى أن يخلقوا أشكالاً وبنيات جديدة، أحياناً كثيرة على غير مثل سابق. وفي عالم السياسة، والإصلاح الاجتماعي، يمكن الانعتاق من فضاء المكان والزمان إلى الطبيعة -التي هي مادة المكان والزمان إذا جاز التعبير- بمعنى استشارة سنن الحياة، ومستقر العادة، عند التنظير، هذا طبعاً دون إغفال حقيقة كون الطبيعة البشرية لا ينبغي اختزال أبعادها في المنحيين الواقعيين الاجتماعيّ والتاريخيّ وحدهما، بل إن فيها أيضاً مكاناً لإعمال الخيال وللقدرة على تجاوز معطيات الواقع إلى الأحلام، وهذا مما ينبغي تسجيله والاعتراف به. وربما يتعين علينا اليوم كعرب أن نكون حالمين بمستقبل جمعي أفضل يحقق لكل واحد منا تطلعاته الخاصة، ويحقق لمجتمعاتنا تطلعاتها العامة، ومع ذلك فإن الانتقال من الخصوصية المناضلة إلى الفعل الجمعي، إنما يتم دائماً من خلال توسيط المؤسسات، والكيانات الجمعية التي ننشئها بوعي قصدي، من أجل ذلك الغرض. وقديماً قيل إن الإنسان كائن اجتماعي- سياسي، على نحو يظهر من خلال الاشتراك أو عدم الاشتراك في نضالات معينة لتحقيق أهداف جمعية، تستمد قوتها من المفاهيم المحتواة داخل الكائن الإنساني الفرد. وهناك قائمة متنوعة ذات طابع إنساني حضاري، قد تزودنا بمسودة أولى للحقوق الجديرة بالنضال والعمل الجماعي من أجلها، فقط إذا كانت لدينا نحن العرب القدرة على العمل لتحقيق المستقبل المرغوب، بعيداً عن حالة الفوضى في بعض بلداننا، في الوقت الراهن، مع الأخذ في عين الاعتبار، ضرورة الوعي بأهمية التحفيز على استثمار هذا الواقع الجديد، على أحسن وجه، من قبل الشعوب العربية المعنية. إن النقد الواقعي ذا النزعة الإنسانية للخطاب "اليوتوبي" غير الواقعي المنتعش الآن في بعض الساحات العربية من شأنه أن ينير دروب المستقبلات البديلة، بما في ذلك ضرورة وجود جرعة من النزعة الإنسانية المتعالية على أي تشرنق أو تقوقع حول الذات العربية، لأننا في النهاية جزء من العالم الإنساني الواسع. ولدينا نحن العرب، القدرة على إدراك النزعة الإنسانية في عمومها، وفي أرفع مقاصدها، من خلال تطوير حزمة من المفاهيم العامة، ومن خلال نقد أية نزعة "يوتوبية" انعزالية مفارقة للواقع، لتأسيس ثقافة إنسانية النزعة جديدة للمواطن العربي المعاصر. والراهن أن محاولة استعادة مفهوم المواطن العربي الإنساني إنما هي محاولة لحل المعضلة الخاصة بالتغير التاريخي والوجودي، وعلى مستويات ثقافة الوعي، الحاصل اليوم في بعض البلدان العربية. ونحن على قناعة بصورة عامة، بأن المفاهيم الإيديولوجية المغلقة يجب التخلي عنها، فمفهوم المواطن العربي الإنساني يتميز بشيء متعلق بنقد الذات، والنقد المضمر لمختلف الدعاوى المثالية الخاصة بأية نزعة طائفية أو جغرافية ضيقة. وهذا المفهوم في رأيي، أصبح أمراً لا غنى عنه، في سياق مواكبة فضاء النظريات الاجتماعية والثقافية والسياسية العالمية، وهو إلى جانب ذلك يزودنا بمدخل إلى البحث العلمي فيما سيجعلنا أمة موحدة في وعيها ورؤيتها الجمعية على رغم معظم الاختلافات (الدينية والمذهبية والقومية والاقتصادية والفكرية والجغرافية). فمجال اهتمام وحراك المواطن العربي، بالمعنى الذي نقصده، هو الفضاء الاجتماعي العربي والإنساني الأعم والأهم، من حيث كونه منجزاً للمستقبلات المحتملة، ذات الطابع الجمعي، في البلدان التي تعرف تحولات بصفة خاصة. وليس معنى ذلك نفي وجود المبادئ الخصوصية في الحياة اليومية العربية. فهناك بطبيعة الحال، احتياجات خصوصية أساسية بالنسبة للإنسان العربي الفرد. ومثل تلك الاحتياجات الأساسية ينبغي تلبيتها بوسائل اجتماعية وسياسية شديدة التنوع. وقد تكون هناك مفارقة ذات مغزى بين ما تتسم به هذه الاحتياجات من طابع يومي، وبين الإحساس المرير تجاه المبادئ والتحديات الكلية الجمعية التي ينطوي عليها مفهوم الكائن العربي الإنساني، بكل عموميته وشموليته. وفي المجمل، يمكن القول إن إعادة صياغة المفاهيم حول مبادئ واتجاه التحولات على هذا النحو، ينطوي على كل أنواع الاحتمالات السياسية المثيرة، التي تتعالى أحياناً على المناقشات حول الخصوصيات الضيقة، والتي يتم التعبير عنها، لدى بعض الحالمين والمندفعين، من خلال إطلاق الخيال المجنح الذي يحرك المناقشات في فضاءات الأمل، غير المؤكدة. وهذا ما ينبغي تجاوزه، لأن للسرديات والأحلام "اليوتوبية" الكبرى حدوداً في الواقع، ينبغي ألا تتجاهلها. سلام الربضي - كاتب من الأردن ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©