الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعدام «العفريت»

إعدام «العفريت»
29 مايو 2014 20:36
اختفت «شيماء» منذ أسبوع كامل ولم يعثر لها على أثر، لا أحد يعرف أين ذهبت، بحثت عنها الأسرة كلها وبمساعدة جميع الأهل والأقارب في كل مكان حتى التي لا يمكن أن تصل إليها ولا يتوقعها أحد، الفتاة ليست صغيرة، وواعية ورشيدة ومتعلمة فقد حصلت على شهادة متوسطة منذ عامين وتعرف كيف تتحرك ولا يمكن بحال أن تضل الطريق أو تتوه في زحام المدينة مهما كان الأمر، لذا فمن المؤكد أنها تعرضت لمكروه أو لظرف طارئ خارج عن إرادتها، وربما أيضا تكون قد اختفت بكامل حريتها واتخذت قرارا بذلك، ولم تراع أنها بذلك تتسبب في فضيحة لعائلتها المحافظة وتسيء إلى سمعتها ربما لسنوات بل لعقود طويلة فهذه الأشياء لا ينساها الناس بسهولة خاصة الذين يسيئون الظن. انقطاع السبل تم إبلاغ الشرطة وتحرير محضر بتغيب الفتاة عن منزل والدها، ولكن جهود البحث لم تأت بأي معلومة تذكر عن سبب أو مكان اختفائها، ومازالت الأسرة من جانبها مستمرة في البحث بلا توقف ليل نهار والاتصالات الهاتفية من الهواتف المحمولة والمنزلية لا تتوقف عن الرنين عسى أن يصل أي منهم إلى ما يمكن أن يطمئن القلوب، لا يخفون أنهم يتمنون حتى لو عثروا على جثتها ميتة في حادث أو قتيلة أو فاقدة الوعي، فهذا كله رغم بشاعته لكنه أهون عليهم من هذا الغموض وسيريحهم من العذاب الذي يغرقون فيه والألم الذي يعتصر قلوبهم، الموقف صعب ولا يحسدون عليه، فارق النوم عيونهم وأعياهم البحث وانقطعت بهم السبل ولم يعد أمامهم ما يفعلونه، أصبحوا مثل من يبحث عن إبرة في تل من القش، أو يجمع الدقيق بين الأشواك في يوم ريح عاتية. لم يعد الآن للندم مكان، وهم يقولون ليتها ما جاءت من القرية وليتهم ما وافقوا على تزويجها من رجل لا تريده، ولم يكونوا متأكدين أن هذه الزيجة قد تكون هي السبب وراء اختفائها، فمنذ عدة أشهر تقدم لها رجل أرمل فقد زوجته ولديه ثلاثة أطفال أكبرهم عمره خمسة عشر عاما والرجل يكبرها بنحو سبعة عشر عاما، وبجانب هذا الفارق الكبير بينهما في العمر، فإنه أمي لا يجيد القراءة ولا الكتابة بينما هي حاصلة على مؤهل متوسط، لذلك لا يوجد بينهما أي شيء مشترك يمكن أن يؤدي إلى التفاهم، وترى أن من حقها أن تتزوج شابا يقاربها في السن ولا تكون بينهما فجوة تعليمية وثقافية، صحيح أنها لا ترتبط بشاب بعينه ولكن على الأقل يجب أن تكون هذه الشروط متوافرة فيه، وقد حاولت الأسرة بطريقتها وأسلوبها أن تقنعها بقبول هذا الرجل زوجا لها، من باب أن الكبار يعرفون مصلحة الصغار اكثر منهم وأنهم يحكمون على الأمور بعقولهم وخبراتهم لا بقلوبهم وعواطفهم، ومع ذلك كله لم تقتنع الفتاة بما يرددونه وتعتبره بعيدا عن المنطق. عريس شؤم رفضت «شيماء» العريس الأرمل الذي لم تجد فيه ميزة واحدة ولا سببا يضطرها لقبوله، وأصرت على موقفها وبكت وتوسلت فتم تأجيل الموضوع لعدة اسابيع عساها أن تغير رأيها وتحّكم عقلها، وعاود العريس مطلبه وتكرر ما حدث منذ البداية، الأسرة تراه مناسبا وتقدم لها الكثير من الإغراءات في إعداد عش الزوجية وتلبية كل مطالبها، بينما هي راغبة عن هذا كله ولا تريد شيئا منه ورفضت مجددا، لكن مازالت الضغوط مستمرة وبشدة، واصطحبها أبوها لتقيم معه في المدينة الكبيرة حيث يعمل هو وإخوتها الثلاثة، وأيضا جدتها تقيم هناك، كانت الدعوة لها أيضا نوعا من الإغراء المستمر ووسيلة لجعلها توافق، وها قد حدث وقبلت ولكن على غير اقتناع، فقط استجابت لترضي الأسرة وتتخلص من الكلام الكثير والضغوط التي يمارسونها عليها. أسبوعان فقط قضتهما شيماء هنا، كان معظم وقتها مشغولا بين الأسواق بها تشتري ما تريد من ملابس وأشياء مما تحتاجه العروس سواء في حفل وليلة الزفاف أو بعد ذلك، تريد أن تكون متميزة عن الأخريات، وتحاول أن تغطي على العيوب التي تراها في العريس وهي غير قادرة على تجاوزها أو التغاضي عنها، هذا الانشغال مجرد تسرية عن النفس ومحاولة لتناسي الوصول إلى النقطة الصعبة الحاسمة والعودة إلى القرية حيث سيتم الزفاف بسرعة لأن العريس متعجل، ولم تجد حيلة للخلاص من هذا الموقف ولا تريد أن تغضب أسرتها وفي نفس الوقت عجزت عن الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، فكرت أن توافق وتنكد على الرجل حياته حتى يضطر أخيرا إلى تطليقها، ولكن ماذا تستفيد بعد أن تحمل لقب مطلقة وهي في ربيع العمر، إذا تقتله وتصبح أرملة، الأمر اكثر سوءا والنتيجة الحتمية السجن. علاقة عبر الهاتف جدتها تقول: إنها كانت تسمعها تتحدث عن هذه الأفكار مع شخص يقال له “العفريت” وعندما سألتها من يكون هذا العفريت المخيف لم تتلق منها جوابا، واكتفت بالمزاح بأنه لا يظهر في النهار ولا يمكن للناس أن يرونه بعيونهم المجردة حتى هي لا يمكن أن تراه، فقط كل ما تستطيع أن تفعله هو الحديث معه عبر الهاتف، صحيح أن الجدة لم تصدق هذا الكلام العبثي، ولكن أيضا لم تلح عليها في معرفة المزيد عن العفريت، فهي واثقة من حسن أخلاق حفيدتها ولم تكن تتحسب لذلك الحديث الهاتفي المطول الذي في الغالب يتكرر كل يوم في المساء، أو عندما لا يكون الأب والإخوة متواجدين في المنزل، فتتم الاتصالات من وراء ظهورهم، لكنها في معظمها لا تخرج عن الشكوى من هذه الزيجة، وتكون الكلمات ممزوجة بالدموع. هذه المعلومات اضطرت الجدة لأن تقولها لابنها ربما يتمكن من خلالها من الوصول إلى شخصية العفريت، الذي ربما يكون هو السبب وراء اختفاء الفتاة، كانت المعلومات مهمة بالفعل للأب وأبنائه، خاصة بعد أن تأكدوا أنه خلال الأسبوعين الذين قضتهما شيماء هنا ومن خلال هاتفها المحمول اكتشفوا أنه تمت بينهما اتصالات يومية، والعفريت هذا شاب في الثامنة والعشرين من عمره، ينتمي إلى نفس قريتهم لكن لا تربطه بهم أي صلة قرابة، جاء إلى هنا منذ أكثر من عشر سنوات بعد أن حصل على شهادة الدبلوم ليبحث عن عمل في مقهى أو حتى حارسا لبناية كما يعمل الكثيرون من أقاربه، وتنقل خلال هذه الفترات بين العديد من الحرف والأعمال التي لا يجيد منها أي واحدة، لكنه يحاول أن يكتسب مهاراتها وهي كلها لا تحتاج إلى خبرات سابقة. شخص غريب اسمه “جمال” لكن حتى الآن لا أحد يعرف سبب إطلاق كنية “العفريت” عليه، شاب هادئ الطباع خفيف الظل، ومحبوب ممن حوله، لذا لم تطلق هذه التسمية بسبب خصال أو صفات غريبة أو سيئة فيه، وكذلك لم يهتم أحد بالبحث عن أصل ذلك، فعندما كان في بلدته لم تكن معروفة عنه، ومنذ أن حضر إلى هذه المنطقة لا يعرف إلا القليلين اسمه الحقيقي، الكثيرون يتعاملون معه بمفردات خاصة، عندما يجيء يقولون حضر العفريت وعندما يذهب يقولون إنه انصرف، وتوجه إليه “صالح” والد شيماء يسأله عنها، لكنه أنكر تماما معرفته باختفائها وأقسم بغليظ الأيمان على أنه لم يرها منذ أن جاءت من القرية إلا مرات معدودة بالصدفة في الشارع ويتبادل معها التحية ليس إلا باعتبارها ابنة قريته، وعندما واجهه أبوها بالاتصالات الهاتفية التي جرت بينهما، تلعثم في البداية وحاول أن يكذب وينفي حدوثها لكنه اعترف بها وأنها فقط كانت تشكو له من رفضها للعريس. لم يصدق صالح ما قاله العفريت، ولم يقتنع ببراءته، بل لم يجد هو وأبناؤه إلا المزيد من الشك في أنه وراء اختفاء ابنته أو اختطافها أو على الأقل تحريضها على الهروب وقد يعرف مكانها، لذلك أجرى أخوها الأكبر اتصالا به وطلب منه الحضور إلى منطقة معينة لأنهم يبحثون عن شيماء هناك، وليساعدهم في ذلك وليقف بجوارهم خشية أن تنشب مشاكل مع أهل المنطقة، وما كان هذا إلا فخا نصبوه له، استدرجوه إلى بناية تحت الإنشاء، صعدوا إلى الطابق الأخير، وقاموا بتوثيقه بالحبال وتعليقه في السقف، استجوبوه أولا، فلم يجدوا إجابة غير ما قاله من قبل، ضربوه وأوجعوه، فلم يزد عن النفي مع الصراخ، خافوا أن يكتشف أمرهم فكمموا فمه، بلغ التعذيب مداه وهو غير قادر حتى على الاستغاثة، يشير برأسه أنه بريء يرفعون الكمامة عن فمه فلا يجدون إلا النفي، لم تأخذهم به رحمه طعنوه بالمطاوي، علقوه من رقبته لتنفيذ الإعدام فيه من غير حكم ولا بينة أو يقين، وهو على نفس الحال حتى فارق الحياة وألقوا بجثته في نفس المكان. شك حارس البناية في وجود حركة غير عادية فتوجه إلى أعلى ووقعت عيناه على المشهد، وأبلغ الشرطة التي حضرت لكن بعد أن قضي الأمر، ألقوا القبض على الأب وأبنائه، أمرت النيابة بحبسهم ووجهت إليهم اتهامات القتل والتعذيب واحتجاز مواطن بغير وجه حق، ولم تتوافر أي معلومات عن حقيقة اختفاء شيماء. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©