الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرة الفن السابع.. المستقبلية

ذاكرة الفن السابع.. المستقبلية
15 مايو 2013 20:22
رغم مرور 66 عاما على انطلاق مهرجان (كان) العتيق، الذي دشّن فعالياته أمس بعرض فيلم الافتتاح «غاتسبي العظيم» للمخرج الأميركي باز لورمان، إلا أن طموحه في البقاء كأحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم من جهة انتصاره لحرية التعبير الذاتي من خلال الفن، جعله يقدم في كل دورة جديدة من دوراته المتعاقبة مفاجآت تنظيمية مغرية تستدعي ذاكرة الفن السابع إلى الزمان والمكان الذين يليقان بهذه الذاكرة المتقدة على الدوام، اعتمادا على العراقة التي يتمتع بها المهرجان والصيت الذي يستند عليه، والذي لا يخلو بدوره من ابتكار وانشغال حقيقي بالمفاهيم السينمائية المعاصرة والاحتفاء بالتجارب والرؤى الشابة. هذا المهرجان العتيد الذي تستمر فعاليات دورته الحالية حتى السادس والعشرين من شهر مايو الجاري، يثبت لمتابعيه وفي كل مرة أن حيويته الفنية والإعلامية ما زالت يافعة ومتجددة ونابضة من خلال برامج وأقسام وفعاليات متخمة بالثراء والتنوع، ما جعل هذا الوهج السينمائي المشع على شواطئ الريفييرا الفرنسية وجهة مفضلة لمحبي السينما والمنشغلين بها كتابة وإخراجا وإنتاجا وتسويقا وتنظيرا وإعلاما. ويبدو أن اختيار القائمين على المهرجان لـفيلم «غاتسبي العظيم» كي يفتتح عروض هذا الحدث الكبير، هو اختيار متوافق مع ثيمة (الوفاء) التي وسمت وطغت على أجواء الدورة الحالية وعلى برامجها وأفلامها المختارة عموما، وهذا الوفاء أو استذكار الحنين السينمائي، كان مطبوعا وبقوة على ملصق الدورة الحالية والذي يجمع وبتناغم جسدي وعاطفي بين الفنان الراحل بول نيومان الذي فقده السينمائيون في العام 2008، وزوجته جوان وودوار منسيكونان المستسلمان لوضعية حميمية جمعتهما معا في فيلم حمل عنوان «نوع جديد من الحب» للمخرج ميلفيل شافيلتون قدمه في العام 1963 كنوع جديد أيضا من أفلام الكوميديا الرومانسية الرائجة قي تلك الحقبة. هذا الوفاء الفني بدوره يقارب ويلامس ما قدمه فيلم الافتتاح، أو نسخة العام 2013 السينمائية من العمل الروائي الأهم للكاتب الأميركي ف. سكوت فيتزجرالد بعنوان «غاتسبي العظيم» التي صدرت في العام 1925 وظهرت عدة أفلام منذ تلك الفترة عالجت النص من زوايا فنية مختلفة ولكنها ظلت أمينة لعناصر الرواية الأساسية المتعلقة بالانعطافات الحادة في الشخصية والتي تمليها ظروف معينة وتقودها إلى الانحلال الخلقي والفساد والتخلي عن مبادئها تماشيا مع ظروف جديدة قد تكون خادعة ومؤقتة في أغلب الأحيان. شارك في النسخة الحالية من الفيلم مجموعة من الممثلين المميزين في هوليوود مثل ليوناردو دي كابريو وتوبي ماجواير وكاري موليجان ويقودهم المخرج ذاته الذي حصد السعفة الذهبية لمهرجان كان في دورة العام 2001 من خلال فيلم «مولان روج». وعلى صعيد الأفلام الداخلة في المسابقة الرسمية للدورة الحالية من المهرجان، فإن ملامح المنافسة بدأت تتضح بشدة على الأفلام العشرين الساعية لحصد السعفة الذهبية، خصوصا مع الأفلام القادمة من هوليوود أو معقل السينما العالمية وخصوصا تلك الأفلام المتجانسة مع مزاج مهرجان كان، والتي تتمتع بقدر من الاستقلالية والتوجه الفني المغاير لشروط السينما الترفيهية، ويتنافس خمسة مخرجين أميركيين فيما بينهم على شرف نيل السعفة الذهبية والجوائز الكبرى الأخرى مثل الكاميرا الذهبية وجائزة أفضل إخراج وهم جيم جارموش من خلال فيلمه «وحدهم العشاق يبقون أحياء» الذي يقدم معالجة جديدة ورؤية خاصة لعالم مصاصي الدماء يغذيها جارموش بنظرته التأملية الباذخة مع مسحة من الكوميديا الجارحة التي طالما وسمت أعمال جارموش السابقة، ويقدم الأخوان جويل وإيثان كووين عملهما الجديد بعنوان «داخل لوين دافيس» ويعالج الفيلم قصة مغن شاب يدعى لوين دافيس يعشق الموسيقى الشعبية ويعيش في مدينة «غرينويتش» في العام 1961 وسط تجاذبات مهنية ونفسية عنيفة، ويكافح في ظروف معيشية طاحنة من أجل أن يثبت موهبته وسط التغيرات الجديدة في عالم الموسيقا. ويعود المخرج جيمس غراي بفيلم يحمل عنوان «المهاجر» ويتوقع لهذا الفيلم أن يحظى بالتفات نقدي كبير خلال عرضه بالمهرجان، ومن المحتمل أن يحصد جائزة مهمة وجوائز أخرى فرعية، ويتناول الفيلم الذي يقوم ببطولته الممثل جواكيم فينيكس والفرنسية ماريون كوتيارد قصة الأختين إيوا وماجدا اللتين تغادران مسقط رأسيهما مدينة بولونيا في العام 1921 للتوجه إلى أرض الفرص الذهبية نيويورك، وعند وصولهما تصاب ماجدا بمرض السل ويتم عزلها، تاركة «إيوا» وحيدة في مواجهة مصيرها الغامض، وفي مواجهة مناخ شرس يفيض بالممارسات المحرمة وهوس الغيرة وقهر الرجال. وفي فيلمه الذي وصفه بـ»الأخير» قبل اعتزاله العمل في السينما بسبب بلوغه الخمسين من عمره يقدم المخرج ستيفن سوديربيرغ صاحب الفيلم الشهير «تهريب» فيلما بعنوان «خلف الشمعدانات» كتلويحة وداع لمهرجان كان، وفيه يحتفي سوديربيرغ بالفنان (ليبراتشي) عازف البيانو الشهير في السبعينات ويغوص في تفاصيل شخصيته العابثة والمجنونة والمهووسة بالمسرح وأستوديو هات التلفزيون مستعرضا حياته السرية خلف الكواليس والتي تنطوي على خبايا تقع خارج المقاييس المعتادة في قصص العشق والانجذاب العاطفي. ومع فيلم «نبراسكا» يقدم ألكسندر باين آخر المخرجين الأميركيين الخمسة في المسابقة عملا يستوحي أحداثه من قصة رجل مسن مصاب بالذهان يغادر مدينته مونتانا إلى مقاطعة نبراسكا لإحضار جائزة اليانصيب والذي يعتقد أنه فاز بها، ومع المواقف المحرجة التي يسببها الرجل المسن لعائلته، يقرر ابنه اصطحابه في رحلة نحو أرض الذاكرة رغم الشعور العبثي الذي يغامر الابن عند اتخاذه لهذا القرار. ولم تخل المسابقة أيضا من أسماء سينمائية مهمة مثل رومان بولانسكي الذي لم يهجر هوسه بالإخراج رغم كل الظروف المضادة والملاحقات القضائية التي أرهقته طوال السنين الماضية، يعود بولانسكي للمسابقة الكبرى لمهرجان كان وفي جعبته هذه المرة فيلما بعنوان «فينوس ترتدي الفرو» وفيه يتحدث عن العلاقة الغرائبية التي تنشأ بين مخرج مسرحي وممثلة مبتدئة تقلب مفاهيمه الخاصة حول التمثيل والجاذبية العاطفية رأسا على عقب. ويشارك المخرج الإيراني أصغر فرهادي صاحب أوسكار أفضل أجنبي في العام 2012 في المسابقة الرسمية لمهرجان كان بفيلم ناطق بالفرنسية يحمل عنوان «الماضي» ويتناول فيه قصة الشاب أحمد الذي يأتي من طهران إلى باريس بعد أربع سنوات ترك فيها طليقته الفرنسية ماري وابنته لوسي، وتكشف له هذه العودة عن مسارات جديدة في حياة عائلته الصغيرة التي تركها لمصير غامض كي يجد نفسه محاطا بواقع أكثر غموضا مما تخيّل. ومن المخرجين الآخرين المشاركين في المسابقة يأتى المخرج التشادي محمد صالح هارون بفيلمه «غريغري» متناولا قصة الشاب غريغري ذي الخمسة والعشرين عاما والذي يجرّ ساقه المشلولة إلى حلم مخالف لتوقعات المحيطين به والمتجسد بالفوز في مسابقة الرقص، ولكن الأحداث المعاكسة لهذا الحلم تجبر الشاب على الدخول في مهنة خطرة تتمثل في تهريب الوقود وسط حياة بائسة لا تعترف بأكثر الأحلام بساطة ونقاء. وبالإضافة إلى مسابقة (نظرة ما) التي تحتفي بالمخرجين الجدد حول العالم، فإن المهرجان سوف يحتفي أيضا في دورته الحالية بالسينما الهندية التي تحتفل هذا العام بمرور مائة عام على إنتاجها السينمائي المبكر مقارنة بالدول المحيطة بها، وسيشهد المهرجان عرض أفلام منتقاة من كلاسيكيات السينما الهندية وأفلام أخرى حديثة سوف يشارك نجومها المشهورين في تقديمها للجمهور والحديث عن آفاق ومستقبل هذه السينما ذات الخصوصية الإنتاجية الغزيرة. «دبي السينمائي» في (كان): مبادرات وتواصل بمناسبة احتفاله بمرور عشر سنوات على انطلاقته خلال دورته الجديدة في شهر ديسمبر سوف يقوم مهرجان دبي السينمائي الدولي بإقامة عدد من اللقاءات والنشاطات والندوات التخصصية وإطلاق مجموعة من المبادرات السينمائية المهمة خلال مشاركته في الدورة الحالية من مهرجان كان، على اعتبار أن هذا الحدث العالمي يوفر فرصة ذهبية للتواصل مع المهتمين بالسينما من مختلف المرجعيات والاتجاهات الفنية. ويعتبر مهرجان دبي من أوائل المهرجانات السينمائية الدولية التي شهدتها منطقة الخليج، وصنعت حراكا ثقافيا وإبداعيا جديدا اعتمد على فن بصري مؤثر اجتماعيا وإنسانيا ومعرفيا، وبات مصدرا سياحيا واقتصاديا جاذبا للكثير من دول العالم ، ورسخ مهرجان دبي خلال السنوات التسع الماضية لقواعد تنظيمية مبتكرة في المنطقة وتتواءم مع مفاهيم الانفتاح والتسامح والتعرف على الثقافات المجاورة والبعيدة أيضا، من خلال وسيط فني ينطلق من الخصوصية إلى الشمولية ويخترق حواجز التاريخ والجغرافيا بحرية وشفافية لا تتوفر بهكذا بذخ وسخاء في الفنون الأخرى. وسيتعرف جمهور مهرجان كان ولأول مرة في الدورة الحالية على المراحل التي قطعها كل من مهرجاني دبي السينمائي ومهرجان أبوظبي السينمائي من خلال مقر مشترك يجمع المهرجانين تحت مظلة واحدة، ما يجعل حضور الإمارات في هذا المحفل العالمي حضورا بارزا ومتفاعلا مع التطورات التنظيمية والتقنية المتسارعة في مسارات صناعة السينما. ومن أولى المبادرات التي أطلقها مهرجان دبي هو توثيق الإبداع السينمائي العربي في موسوعة باللغتين العربية والإنجليزية تضم أفضل 100 فيلم عربي اعتمادا على استفتاء سوف يجريه المهرجان مع نخبة من السينمائيين والنقاد والأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالفن السابع من عرب وأجانب، وستصدر الموسوعة أثناء انعقاد الدورة القادمة للمهرجان في ديسمبر القادم. وتعليقا على إطلاق هذه المبادرة الساعية لتوثيق المنجز الفني للسينما العربية أكّد رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي عبد الحميد جمعة على أهمية هذا المشروع الفريد من نوعه في المنطقة العربية، خاصة أنه يتزامن واحتفالية مهرجان دبي السينمائي الدولي بدورته العاشرة، معتبراً أنه «يشكل فرصة استثنائية لمعاينة تاريخ السينما العربية ومنجزها واشراقاتها بواسطة نخبة من الاختصاصين، بما يتيح لعشّاق السينما في العالم العربي والعالم أجمع التعرف على تجليّات هذه السينما ومفاصلها التاريخية من خلال ما سيختاره أهل الاختصاص والمعرفة»، مضيفاً أن هذا المشروع «يتناغم تماماً مع توجهات مهرجان دبي السينمائي الدولي الحريص على الدوام على تفعيل العمل السينمائي العربي المشترك، سواء على صعيد مشاركاته ودعمه للإنتاج العربي المشترك أو على الصعيد الثقافي والمعرفي». وأشار المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمر الله آل علي إلى تطلعه لأن يقدم هذا المشروع مرجعاً هاماً لأجيال السينمائيين العرب قائلاً «إن آليات هذا الاستفتاء والموسوعة التي سيفضي إليها، تشكل إعادة اكتشاف لكل ما حققته السينما العربية، وركيزة أساسية لتأسيس علاقة جديدة بين الفيلم العربي والمتلقي يستعيد من خلالها المغيّب منها، ما يمنح التجارب السينمائية العربية المعاصرة والمستقبلية سياقاً تاريخياً، بحيث تكون العلاقة بين ما أنتج في الماضي والحاضر علاقة متصلة ومتكاملة» مؤكداً أن المهمة الأولى التي سيحققها هذا المشروع تكمن في «فتح الباب أمام مقاربات معرفية مغايرة لتاريخ السينما العربية، والإضاءة على منجزاتها ما ينعكس إيجاباً على مستقبلها». وفي هذا السياق قال مدير تطوير المحتوى في مهرجان دبي السينمائي الدولي زياد عبدالله: «إن هذا المشروع معبر أكيد نحو التأسيس لتقليد مفتقد في الحياة السينمائية العربية، خاصة أنه يتأسس على الفعل التشاركي من خلال التصويت الحر، وهكذا ستكون مقاربة منجز السينما العربية للمرة الأولى غير قائمة على انحياز لذائقة بعينها أو مقاربة نقدية أحادية، بل ستكون مفتوحة أمام جميع الاتجاهات النقدية والفكرية ومن شتى أنحاء العالم العربي، هذا عدا النقاد والسينمائيين غير العرب المتابعين للسينما العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©