الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتاب في «ندوة»

كتاب في «ندوة»
18 مايو 2011 20:11
شهدت العاصمة أبوظبي يوم الأحد 15 مايو الحالي ندوة أقيمت في جامعة زايد للبنات، للحديث عن كتاب “نور سلطان نزار باييف ونشأة كازاخستان” للكاتب البريطاني جوناثان آيتكين، تحدث خلالها مؤلف الكتاب جوناثان آيتين وسفير كازاخستان في الولايات المتحدة الأميركية ايرلان ادرسوف وجيرمان كيم خبير الاستراتيجيات والأستاذ بجامعة كازاخستان، وجاليلوف كافورفتش الباحث في تاريخ كازاخستان، والشاعر حبيب يوسف الصايغ المدير التنفيذي للمركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، وكانت أشبه باحتفالية فكرية تم خلالها توقيع الكتاب وتوزيعه مجاناً على نخبة من الحاضرين، بالإضافة إلى بناء حوار متنوع مع الكاتب حول كتابه وعلاقته بالإمارات. صدرت الطبعة الأولى من كتاب جوناثان آيتين، وهو عضو سابق في البرلمان البريطاني وحكومة المملكة المتحدة، وصدر له 12 كتابا من بينها: السيرة الذاتية للرئيس ريتشارد نيكسون، وكتاب “الكبرياء والحنث باليمين” و “السجن والهوى” و”أبطال ومعاصرون” وغيرها من الكتب التي وضعته في مكانة مرموقه بين كتّاب السيرة الذاتية لعظماء التاريخ، في العام 2009، أما الطبعة الثانية منه فصدرت في 2 أبريل من العام الجاري، وقد راجع الترجمة الدكتور عامر محمد عامر الأستاذ بكلية الألسن بجامعة عين شمس بمصر، وصدر بالتعاون مع سفارة جمهورية كازاخستان بدولة الإمارات بإشراف اسكار موسينوف. وتضمن الكتاب كلمة شكر وتمهيداً وأربعة عشر فصلاً حول النسب والطفولة لرئيس جمهورية كازاخستان “نور سلطان نزارباييف”، ومن الدراسة إلى مصنع الصلب، بين الحزب والحياة الزوجية والتمرد على النظام، ارتقاء السلم الحزبي، خيبة أمل رئيس الوزراء، الانقلاب وانهيار الاتحاد السوفييتي، الاستقلال لذي جاء بعد مخاض صعب، هل نكون أو لا نكون دولة نووية؟ عملة جديدة ودستور جديد واقتصاد جديد، روسيا وبحر قزوين والصين، إطلالة على العاصمة. شكر وصداقة استهل المؤلف كتابه بعنوان يتضمن شكرا خاصا على إصدار الكتاب باللغة العربية، وجاء في الاستهلال: (إن الفضل في إصدار هذا الكتاب باللغة العربية يعود إلى الكرم والتشجيع من قبل أصدقائي المخلصين في دولة الإمارات العربية المتحدة الذين أتقدم إليهم بكل الشكر على دعمهم، وأخص بالشكر العميق الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي تشرفت بأول لقاء به في مطلع التسعينيات، عندما كنت أشغل منصب وزير الدفاع البريطاني، حيث كان يجمعنا تعاون وثيق في قضايا الدفاع بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وكان لي الشرف في استقبال سموه في أول زيارة رسمية لسموه إلى لندن في عام 1993. إنه من دواعي سروري الكبير أن تصدر النسخة العربية من هذا الكتاب في العاصمة أبوظبي التي يربطني بها العديد من أواصر الصداقة التي يرجع بعضها إلى أكثر من أربعين عاما، حيث كانت أول زيارة قمت بها إلى هذه الإمارة في عام 1967، حين تم إيفادي إلى هناك وأنا صحفي شاب لإجراء أول حديث لصحيفة غربية في “القلعة القديمة” أو (قصر الحصن) مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فور توليه منصب حاكم إمارة أبوظبي (الكتاب ـ ص 7 و 8). وأكد المتحدثون في الندوة أهمية الكتاب على مستوى المضمون واللغة والأسلوب والإطار العام، مع إجراء مقاربة بين محتويات الكتاب ومواضيع ذات صلة بتاريخ وحضارة كازاخستان، من حيث علاقاتها مع الخارج، ووضعها الثقافي والديني والاقتصادي وتطلعاتها نحو مستقبل جديد، وقد كشف المتحدثون عن عمق العلاقات التي تربط الشعبين الإماراتي والكازاخستاني في جوانب عدة، كما أوضحوا قيمة الكتاب في عكس هذه الجوانب وبخاصة ما تتمتع به الإمارات من تبن لثقافة الانفتاح والتسامح وتشجيع حوار الحضارات، وربما يكون أهم ما في الكتاب غير رصده الدقيق لحياة ومسيرة رئيس جمهورية كازاخستان والنهوض ببلاده، هو تقديمه له في إطار إنساني أكثر من إطار سياسي، بحيث بدت فصول الكتاب بما تحتويه من سرد، ذات طابع روائي، وهو ما يحسب للمؤلف بحيث أخرج كتابه من دائرة قراء النخبة إلى دائرة القراء العاديين، زد على ذلك أنك تجد في الكتاب بعضاً من الطرافة والتّفكه التي وجدت لها متسعاً في جنبات المشهد بشكل عام. أبو كازاخستان حينما التقى المؤلف الرئيس في إحدى المقابلات الصحفية اقتبس مقولة للكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس وأعدها ضمن سؤال وتقول: (أحيانا يجب على المرء أن ينتظر المساء كي يدرك كم كان رائعا يومه)، فرد الرئيس بقوله (لماذا تظن أن مسائي قد حان؟)، وربما كان هذا تلميحا بأنه إذا سمحت الحالة الصحية والظروف فإنه من الممكن تماما أن يرشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة في عام 2012، وسواء حدث هذا أو لم يحدث فهو ترأس كازاخستان على مدى فترات عدة، بدءا من الشيوعية وفترة الفوضى في الحقبة السوفييتية وانتهاء بنجاح واستقرار الدولة حديثة الاستقلال، حتى صار الجميع يطلق عليه لقب (أبو كازاخستان)، وفي ظل هذه الشعبية يتساءل المؤلف: ألم يئن الأوان للتساؤل: ما الأثر الذي تركه نزارباييف في التاريخ؟ وماذا فعل لشعبه وللمنطقة وللمجتمع الدولي؟. يرد المؤلف على التساؤل الذي طرحه بقوله في ص 390: (إذا نظرنا إلى التصور الخيالي لأستانا القرن الحادي والعشرين، فمن السهل نسيان الفقر والتقليدية القديمة التي كانت تعيشها كازاخستان القرن العشرين، حيث تبدلت تبعيتها الخشنة بحرية عذبة لدولة متعددة القوميات، حرية يعززها الاستقرار السياسي وإثبات الذات الوطنية، وربما لا يزال المشوار طويلا للوصول إلى ديموقراطية جيفرسون، ولكن الحريات الشخصية والاقتصادية تشهد اتساعا، فنزار باييف يحكم البلاد بيد صارمة، ولكن الحكم الرئاسي المركزي يعد في تنفيذه شكلا مجديا). رئيس يعترف بأخطائه أورد المؤلف الكثير من المعلومات التفصيلية عن شخصية الرئيس، عن مزاجه، وأحلامه وطريقته في التعامل مع الناس، طريقة لها خصوصية تشكل بمجملها إيقاعا مختلفاً عما نقرأه عن الزعماء ويقول المؤلف في ذلك: (يتمتع الرئيس بشعبية حقيقية، الأمر الذي يرجع في الأغلب إلى حرصه على ضم الناس إلى صفه وبناء الحوار، فهو على استعداد للاعتراف بأخطائه وسوء الاستغلال من قبل إدارته التي لا تزال مشبعة بـ (الحرس القديم) الذي ما فتئ الرئيس يحافظ على ارتباطه الشخصي به، فمثل هؤلاء الوزراء ورجال الدولة لا يخلصون دائما في خدمة بلدهم، فالناس في كازاخستان يشكون من أن بعض موظفي الدولة يدهم خفيفة في أخذ الرشوة، ثقيلة في إجراء التحقيقات من قبل أجهزة الشرطة أو الأمن، ومع ذلك فهناك كفة أخرى راجحة للميزان تتضمن عدم وجود سجناء معتقلين لأسباب سياسية أو دينية في كازاخستان، وقلة انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى الدولة (الكتاب ـ ص 391). وصف بعض المتحدثين في الندوة الرئيس بأنه يتمتع بعدد هائل من المواهب، كان من شأنها أن تضمن له ارتقاء سلم السياسة بسرعة البرق لو أنه ولد في الغرب، فهو تكتيكي ثاقب الفكر، جليس يجذبك بحديثه ويمتعك بكلامه، خطيب مقنع وزعيم كاريزمي ذو رؤية وشجاعة لا سيما في المواقف الصعبة، في حين وصفه المؤلف بصفات أخرى حينما قال: (وقد اكتسب الرئيس بعضا من سمات القوة لديه من صرامة التنشئة في أسرة بدوية تقليدية، بينما نشأ بعضها الآخر نتيجة تعليمه الروسي وعمله الصعب في الصناعة وحب الاستطلاع الذي لا ينفد لديه سواء في مجال الفكر عامة، أو في مجال السياسة الخارجية، وهو كرئيس منفتح أكثر مما هو منغلق، ويفضل النظر إلى الخارج، فقد تحمس لاقتصاد السوق والخصخصة بعد حديث مع مارجريت تاتشر، أما إنشاؤه لمجموعة شركات سامروك فقد جاء من فكرة مشروع مماثل في سنغافورة (الكتاب ـ ص 394). تناول بعض المتحدثين في الندوة تاريخ العاصمة استأنا، كما تحدثوا عن تعدد الديانات فيها، وكيف أن احترام الأديان هو السمة الأساسية في تعامل الناس، وخلصوا من ذلك إلى أن العالم يضم بين خرائطه واحدة من أهم العواصم الفريدة غير التقليدية تصميما، ومضمونا معماريا جماليا. اختتمت الندوة التي تخللها حوار مع جمهور الحاضرين الذي ضم أساتذة الجامعة وعدداً كبيراً من المهتمين بعلوم التاريخ والتراث والآثار، وعدداً من رجال السلك الدبلوماسي، بما جاء في نهاية هذا الكتاب، حيث قال المؤلف: (يقال إن الفرق بين السياسي ورجل الدولة هو أن السياسي يركز على الانتخابات المقبلة، أما رجل الدولة فيضع الخطط للجيل التالي، ونزارباييف يفعل هذا وذاك، لكن وقائع السياسة الكازاخية أتاحت له الفرصة للتركيز على المستقبل طويل الأمد، فهو يحسن اكتشاف المواهب الشابة وتنميتها، كما يتمتع ببعد النظر ويبني خططا لبلده، فهو يحلم بأن يرتفع مستوى التعليم والابتكار في بلاده إلى أعلى الدرجات حتى تتخلص من اعتمادها المفرط على قطاع الخدمات. وبلوغ هذا الهدف البسيط ممكن إذا أخذنا في الاعتبار أن بحر قزوين بإمكانه إنتاج ما يزيد على خمسة ملايين برميل نفط يوميا، ولكن كازاخستان حتى بصفتها (الدورادو) المستقبل ستكون في حاجة ليس فقط لخبراء استخراج الخامات، وإنما أيضا لأصحاب الفكر الحر واقتصاد السوق، وإلى نخبة المثقفين، ولذلك ليس من المستبعد أن تصير رؤية الرئيس للدولة متعددة القوميات المنفتحة سواء للمواهب أو للتنوع السمح، واحدة من قصص النجاح في آسيا في القرن الحادي والعشرين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©