الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسطورة رسمت بالطباشير

أسطورة رسمت بالطباشير
15 مايو 2013 20:19
لم يتحدث كتاب أندرياس بفلتش «أسطورة الشرق رحلة استكشاف» عن الشرق بقدر ما يتحدث عن أوروبا والغرب، فصورة الشرق التي يستعرض مكوناتها المؤلف في المخيال الغربي لا تزيد على كونها تزيد عن مرآة رأى فيها الغرب نفسه دائماً على نحو معكوس، وأسقط عليها مخاوفه وتَوْقه وحرمانه، أو عززت لديه رضاه البلغ عن ذاته. والمؤلف أندرياس بفلتش مولود في مدينة «بيرغنويشتات» في مقاطعة شمال الراين فستفاليا/ شمال غرب ألمانيا عام 1969م، ودرس العلوم الإسلامية وعلم الأديان المقارن والأدب العربيّ في بون وموسكو ودمشق، وعمل في المعهد الألماني الشرقي في بيروت، ويعمل محاضراً في معهد الألماني الشرقي ببيروت، كما يعمل منذ عام 2001م محاضراً متفرغاً للأدب العربي في معهد الدراسات السامية والعربية في جامعة برلين الحرّة. وفي سياق إلقاء الضوء على أهمية الكتاب حمل هذه العبارات التعريفية: «ومن النادر أن نقع على كتاب في هذا الموضوع يجمع، مثلما فعل مؤلفه بفلتش، بين الدقة العلمية وسلاسة العرض وغزارة المادة في مثل هذا الحجم الصغير. إنّه كتاب جريء ومُنصِف في نظراته الثقافية التفكيكية للشرق مثلما يتبدّى في الصورة التي صنعها له الغرب بما فيه من تنميط وثبات، على الرغم ممّا فيه أيضاً من تناقض شديد بين عصر وآخر». شرق الغرب احتوى كتاب «أسطورة الشرق رحلة استكشاف» أربعة أقسام. جاء القسم الأول «مدخل» أشار فيه المؤلف لقضيتين هما: أين يقع الشرق؟ والشرق في الأّذهان. فقد أشار بفلتش إلى أنّ ما هو أكثر أهمية منن هذا التحديد التعسفي هو مصطلح «الشرق» باعتباره كياناً ثقافياً أو تعبيراً شاملاً عن كلّ الثقافات التي تقع «شرق الغرب». وأضاف قائلاً: هناك اليوم قبل كلّ شيء البلدان الإسلامية التي نربطها بجوهر مصطلح «الشرق»، الأتراك والعرب والفرس بالرقص الشرقيّ والنخيل أو ما يخطر في أذهاننا، ولكن أيضاً شبه القارة الهندية بالساري والسيتار والغورو والمهراجات؛ واليابان بالكوميكاز والهاراكيري وفنّ تقزيم الأشجار، وفنّ تنسيق الزهور، ولا ننسى الصين التي أصبحت منذ «ماركو بولو» رمزاً للغريب والقَصِيّ، لقد تغيرت حدود الشرق بمرور الزمن... وذكر عن «الشرق في الأذهان» بأنّ: الشرق والغرب خطوط طباشير رسمها أحد ما أمام أعيننا لبعث بمخاوفنا. هكذا قال مرّة فريدريش نيتشه، إذ لا حدود حقيقية تفصل بينهما، فمثل هذه الحدود لا توجد على أية خريطة للأرض. إنّ الشرق والغرب فكرتان. سوء فهم «الشرق والغرب... مواجهات وسوء فهم»، عنوان القسم الثاني للكتاب، أشار فيه المؤلف إلى كل من: «بدايات هادئة وكوارث أولى... العصور الوسطى، الانطلاق الأوروبي، النهضة والإصلاح وعصر الكشوفات، مهد الإنسانية، التنوير، شرق الشعر الرومانتيكي والآخر، أوائل القرن التاسع عشر، الاستعمار والحداثة، أواخر القرن التاسع عشر، على محور الشرّ، القرن العشرون والوقت الحاضر». كذلك ذكر المؤلف من أنّ الفكرة التي تقول بإنّ التاريخ يسير في خط مستقيم، وإنّ الزمن الذي نعيشه اليوم سيحدد بشكل منطقيّ تقدماً إلى الأمام على أكثر التصورات الخاصة بالحداثة وتقدمها وبعقيدة التطور عناداً، كما أنّ إسقاط الآراء بأثر رجعيّ على أزمات سابقة، أو تقويم التاريخ انطلاقاً من السياق المُعاصر كثيراً ما يقود إلى تقديرات مغلوطة جسيمة، فهكذا يتمّ النظر إلى صورة فتح العرب لأسبانيا وصقلية من خلفية تنافس ديني وعقائدي غالباً، وذلك أقرب إلى كونه إنتاجاً للحداثة، ولا صلة له إلاّ بشكل ضئيل بمعايشة الأحداث في تلك الأوقات. صور لا تموت أما القسم الثالث من الكتاب فهو» صور لا تموت... الشرق الغامض الغرائبي» عرض فيه لكل مما يأتي: عن الهرب من العالم والسياحة، عن الشرق الروحاني غير العقلاني، عن الأديان والنشوة، الشرق الخرافي الرائع، عن البُسُط الطائرة والمصابيح السحرية، عن القصور والبازارات ورائحة القهوة، الشرق الحِسِّيّ الشهوانيّ، عن الحريم وخيالات ذكورية أخرى، الشرق المُتعصّب الغاشم، وعن الخلفاء والحُكّام المستبدين والإرهابيين. ثم يرى المؤلف في هذا القسم بأنّ النظرة التاريخية الشاملة تظهر بوضوح أنّ أسطورية الشرق قد اصطبغت بصبغة من الأفكار والتصورات المتناقضة. وفي أثناء ذلك تظهر دائماً موتيفات أساسيّة في سياقات وتقييمات مختلفة، ويتبدّى الشرق مكاناً للحواس والروحانية والفخامة والترف والروعة... وأضاف أندرياس بفلتش بأنّ موتيفات الشرق تمتد إذن في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد والدين والحياة الخاصة، وتكشف تقريباً عن مُجمل الطيف الاجتماعي. أما القاسم المُشترك للصورة المتعددة الأجزاء التي تكوّن الشرق فهي الغرابة الغامضة العامة التي يراها المرء فيه. «الشرق المُفعَم بالأسرار» هكذا كتبت غيرترود بيل: «لا أحد يفهم قِيَم الشرق مثل الشرقيّ؛ ولأنّ هذا العالم مُفعم بالأسرار فهو مليء بالمفاجآت الفاتنة، وعلى سطحه تظهر أشياء جميلة كثيرة، ألوان ساطعة، نورٌ باهر، عزلة رهيبة، نشاط صاخب، بيدَ أنّ كلّ هذه الأمور تبدو فقط مثل رسوم على الستارة التي تحجب بصورة أبدية الأعماق الغامضة للحياة الشرقية. إنّ فتنته الحقيقية هي من طبيعة رقيقة». رائحة القهوة ثم عرّج مؤلف الكتاب في هذا القسم ليتحدث لقارئه عن «القصور والبازارات ورائحة القهوة» حيث قال: إنّ شرق ألف ليلة وليلة الخرافيّ هو شرق مغارة الكنوز والفخامة والترف. ومن النادر أن أستطاع الأوروبيون في القرون الثلاثة الأخيرة مقاومة الإغراء المُتمثل في مقارنة الواقع الذي يجدونه أمامهم مع تصورات ألف ليلة وليلة، مثل «بيير لوتي» الذي رأى في بازارات إيران حتى أوائل القرن العشرين «كنوز علاء الدين» فمن الشرق يأتي الضوء... كذلك تناول في معرض حديثه أيضاً عن فخامة بلاد الهند الأسطورية وثراء بلاد الصين الذي لا يحيط به عدٌّ فقد باتا معروفين في أوروبا من خلال «ماركو بولو». وصارت عظمة المهراجات مضرب الأمثال، ولذلك لا يوجد اليوم قيصر الموضة، وبابا الأدب فقط، بل أيضاً إمبراطور الإعلام. كما لم ينسَ المؤلف بفلتش من أن يلقي الضوء على ذكر المقاهي، والشاي والقهوة والتوابل، والورق وملح البارود، وكذلك المنسوجات القطنية الرقيقة «المُوسلين» نسبة إلى مدينة «المَوْصل» العراقية التي زارها الرحالة الأيطالي ماركو بولو في القرن الثالث عشر الذي وصفها بأنها مدينة غنية تزدهر بتجارة أقمشة من الذهب والحرير نسميها الموسلين، وكان يُطلق على التاجر من هذه البقاع الموسليني. صراع الثقافات لقد أنهى أندرياس بفلتش كتابه بالقسم الرابع بعنوان «صراع الثقافات... الشرق والغرب والعولمة» الذي ضمنّه الهوامش والإحالات، والمصادر والمراجع التي أعتمدها في كتابه هذا. ابتدأ المؤلف هذا القسم بالحديث عن «صراع الثقافات... الشرق والغرب والعولمة» موضحاً إلى أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م على نيويورك وواشنطن كان المجتمع الدولي موحداً: من الآن فصاعداً لن يكون أي شيء مثلما كان حتى الآن، وبدأ «صراع الثقافات» الذي دار الحديث عنه كثيراً بخوف والذي رآه صموئيل هنتنتغون مقترباً في الأفق بعد انتهاء الحرب الباردة كأنّه أصبح حقيقة واقعة. بعد ذلك تناول الحديث عن عصر العولمة الذي يراه ليس بعيداً عن كونية حقوق الإنسان، وأنّ اتهام بلدان الشرق بأنها غير مستعدة لحوار جاد مع الغرب يتضح أنّه غير صحيح وأنّ الغرب الذي يخوض حواراً مكثفاً منذ ما يزيد على مائة عام لا يريد في الواقع أيّ حوار. وأورد المؤلف أندرياس بفلتش في كتابه الطرفة-المُخترعَة طبعاً- التي تعود إلى عالم الأديب الأميريكي «ستيفن غرينبلات» والتي تقول: أنّ كريستوف كولومبس حين هبط مع رجاله على شاطئ القارة المُكتشفة تواً أعلن: «لقد جئنا للتحدث إليكم عن الله والحضارة والحقيقة». فاستمع الناس مندهشين إلى الغريب القادم من العالم القديم وأجابوا: «حسنٌ ماذا تريدون أن تسمعوا؟ يظهر أنّكم معتادون على تصدير المُكتسبات وليس على تبقينها، وفي ذلك لم يتغير الكثير».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©