الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوفر أبوظبي.. بوابة العالم

لوفر أبوظبي.. بوابة العالم
19 مايو 2013 13:03
لا أعرف لماذا ينتابني هاجس خفي، غريب حينما أواجه أعمالاً فنية آتية من زمن بعيد، هذا الزمن الذي لا يشكل وجودي فيه كوني أعيش امتداده إلا لحظة أو أقل منها بكثير، وكأنني أتساءل هنا هل يجتمع كل ذلك الزمن البعيد، والحقب الماضية، والتاريخ الطويل من حضارات البشرية في هذه اللحظة التي أواجه فيها ما قدمته تلك الحضارات؟. ويعقب كل هذا الهاجس المجهول سؤال مهم عن شخصية ذلك الصانع الماهر الذي خلد لحظته في منحوتة، أو لوحة أو صاغ عقداً من الذهب أو صقل حجراً من الماس، وكان ربما يسعى بهذه الأخيرة إلى رضا امرأة أو قائد أو حاكم. هذا حينما نبصر المنحوتات الرائعة تنتابنا الحيرة، ويغشانا سؤال الغموض، غموض فيه لذّة البحث عن إجابة لا يمكن التحقق منها مطلقاً، لماذا انشغل الصانع في منحوتته؟ ما سر هذا التمثال الجميل، وهذه الأيقونة الفارهة، الدقيقة الجميلة التي تحمل فوق كتفيها كل لحظات العصور التي مرت بها.. عبرتها بصمت القديسين وبكبرياء الجمال، وبرغبة في البقاء، أي ذوق هذا الذي عاش تلك الحقب، الأزمان، أزمان الحروب، والفيضانات، وأيدي البائع والشاري والليالي الباردة التي تنسج الصدأ فوق معدن المنحوتة الرائعة، والنهارات القاسية الحارة فوق رأس المنحوتة الصغيرة، والأقبية المظلمة التي عاشت تلك المنحوتة بين طبقاتها الرطبة. كل ذلك عبرته تلك القطعة بكبرياء البقاء وبإصرار الجمال الذي حفظها من الزمن وهي تعيش أياماً سعيدة وأخرى أكثر حزناً من شخص ضائع لا يعرف أين سيكون غداً وفي أي مكان سيستقر. في متحف «نشأة متحف» نواة اللوفر أبوظبي عرض 130 عملاً فنياً تمثل كنوزاً تاريخية وحضارية جاءت جميعها لتستقر في منارة السعديات، حيث نشهد قصصاً وحكايات، ترويها تلك الأعمال الخالدة، تسرد أسباب بقائها، وصمودها رغم المحن والخيبات التي عاشتها متنقلة لآلاف الأعوام من يدٍ ليد ومن مالك لمالك وزمن لآخر. أجنحة ثمانية في أجنحة «نشأة متحف» الثمانية ثمة مقتنيات تنوعت بين الأعمال النحتية والمخطوطات والأعمال التشكيلية والمصوغات الذهبية واللقى والأواني الخزفية والتي تنوعت مصادرها المكانية والزمانية، حيث تبتدئ من عصر ما قبل التاريخ في جناحه الأول مروراً بالعوالم القديمة والمقدسات «نسخة من التوراة والقرآن الكريم»، والصور الشرقية «صور من الهند القديمة» والنظرة الغربية «تصوير العالم من عصر النهضة الأوروبية»، وقسم الاكتشافات والخيال «عصر ماركو بولو» والأشكال المسافرة التي تنقلت بين الحضارات بفعل العامل التجاري والأسفار، والتي حملها التجار المتنقلون بين العوالم القديمة في القرنين السادس حتى الثامن الميلادي، وأخيراً الجناح الثامن الذي أطلق عليه قسم الزخرفة والحداثة، وضم لوحات كبرى للفنان التشكيلي الأميركي ساي تومبلي وهي بلا عنوان، ذلك الفنان الخرافي الذي ولد عام 1928، حيث انتمى إلى الجيل الثاني من التعبير التجريدي المحض. عماذا نبحث في «نشأة متحف» هل نبحث عن الإنسان؟ هل نبحث عن فعله؟ إنجازه المعرفي؟ أم عن جماليات روحه؟ إنه ذلك الإنسان الذي وجد في كل مكان، وعاش كل زمان، وما بينهما كانت روحه تبحث عن الجمال، يرنو إنسان الشرق إلى الجمال، وكذلك إنسان الغرب والشمال والجنوب، وكأن مع خلق الإنسان خلق الجمال فيه، خلقت يده لتصنع كل ما هو جميل وعينه خلقت لتبصر روح الجمال. «أميرة من باختريا» أقدم منحوتة من نهاية الألف الثالث قبل الميلاد وبداية الألف الثاني من آسيا الوسطى، ذلك التمثال الصغير، الرائع الذي عثر عليه في آثار الباختري ـ المارجياني في تركمانستان وأوزبكستان وأفغانستان «حضارة الأوكسوس» هو تحفة فريدة احتوت الجمال كلهُ، رأس من الكالسيت الأبيض وجسد من الكلوريت الأخضر، حيث رصعت العينان والحاجبان سابقاً على ما هو واضح ليكون التمثال أكثر جمالاً، أما المعطف السميك الذي يغطي جسد الأميرة فيعزى إلى ثوب الصوف سومري الأصل المسمى «كوناكيس».. إنه تمثال يأتي من ما قبل التاريخ يحكي قصة الأميرات وهيبتهن وكيفية تشكيل تلك الهيبة من خلال الملابس. اللباس مشغول بالمربعات المنحرفة والصدر مغطى ما عدا الرقبة «هي الجزء الأنثوي للجمال»، والأذنان بارزتان والتأمل في الوجه أكثر هدوءاً. تمثال آخر صغير من البرونز للإله أوزيريس إله الموتى والفرعون الأسطوري الأول وهو مجسد على شكل بشري يأتي من مصر القديمة، زمن الحقبة الثالثة الوسطى للسلالة الحادية والعشرين والثالثة والعشرين 1085 ـ 730 ق. م، وهو من البرونز مع آثار أوراق ذهبية وترصعات من الزجاج بارتفاع 44 سم وعرض أقصاه 10.5 سم. أوزيريس في تمثاله المصنوع من البرونز المصري يقف وقفة رسمية يؤديها الجنس البشري الفرعوني. أثر نحتي مطلي بالذهب ومزنر بكفن للتحنيط ويعتمر التاج الملكي ويضم بين ذراعيه المكتوفتين على صدره السوط والصولجان. ومن الغرابة أننا نجد تشابهاً في «الوقفة»، «النظرة»، «التأمل»، «الاستعداد» بين تمثال أوزيروس، وأميرة باختريا وكأن هذه الوضعية التي توجد عليها التماثيل هي جزء من هيبة الشخصية وسمات كيانها الراسخ اجتماعياً وتقديسها في وسطها الإنساني آنذاك. من باكستان يأتي تمثال «بوديستافا واقفا» «ميتريا» ومن قندهار تحديداً من القرن الثاني أو الثالث الميلادي. يجسد هذا التمثال حقاً البعد الدلالي في اتصال الحضارة اليونانية بتخوم العالم الهندي، منذ حملة الإسكندر الكبير التي وصل فيها إلى السند عام 326 قبل الميلاد، وفيه يقف ميتريا بكل حليه وطويات ملابسه التقليدية وبرأسه المتوج وبيديه اللتين ضمهما إلى الخلف في إطراقة تأمل وهدوء جسدها ذلك الفنان القادر على تمثل الجمال. سوار بأسدين ويصوغ الإنسان المشرقي من معدن الذهب جمالاً، حيث نبصر في «نشأة متحف» سواراً مزيناً بأسدين، رأس أسد في نهاية السوار المفتوحة يقابل رأس أسد آخر في الطرف الثاني من نهاية السوار نفسه، يا لجمال الصنعة ودقة الصانع، مصوغ يأتي من إيران من القرنين الثامن أو السابع قبل الميلاد، ذهب خالص بطول 6.5 سم وقطره الأقصى 9.5 سم. وقـد اكتشـف في 1947 في زيــويه وهو من أجمل القطع التي عثر عليها في كنز زيويه، حيث اكتشفه مزارعون في عام 1947 في إقليم آذربيجان الإيرانية ويشكل السوار الذهبي إحدى تحف الصياغة الفارسية المحفوظة لدى متحف الآثار الإيرانية في طهران. هذا السوار الذهبي بكل كيانه يمثل أيقونة دلالية على الرفاهية التي تتحلى بها المرأة الشرقية التي تنتمي إلى العائلات الكبرى في مجتمعات الحقب، ولكن ما يأسر الناظر إليه هو القدرة على تمثل رأس الأسد وجمالية عنقه واستفزازه الواضح عبر فتحة فمه وبروز أسنانه، قطعة نادرة لذهب مجسر صافٍ من الداخل متقوس من الخارج. قصة كنز عرف الإنسان المشبك الصدري منذ مئات السنين ومشبك دومانيانو على شكل نسر هو ما يضمه «نشأة متحف»، ذهب وعقيق وصدف آتية من النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي على شكل نسر ذهبي كونها قطعة أكثر فرادة في الكنز المكتشف في عام 1893 في دومانيانو في جمهورية سان مارينو، وقد تم اكتشافه بالصدفة أثناء تنفيذ أعمال زراعية من دون أن يُعرف بالضبط ما إذا كان الموقع مخبأ للكنز أم قبراً أو عدة قبور أميرية، وكان النسر هو موضوع الاكتشاف الأول، أي أنه القطعة التي تلقت ضربة المعول المحظوظة، والدليل على ذلك هو الضرر اللاحق بالصفيحة الذهبية تحت منقار الطائر. ويمكن توصيف المشبك الذهبي، على هذا النحو: جناحا نسر واقف ينسدلان إلى الأسفل مع امتداد جسده طولياً وذيله المتساوي المفروش مع جسده وكأنه قاعدة المشبك، أما الرأس فيمتد أيضاً مع الجانب الطولي للجسد في الوقت الذي تبدو فيه عينه البيضاء المرصعة حدقتها بالعقيق تنظر إلى الأعلى وقد خرج المنقار من قمة الرأس متوجهاً إلى الأعلى في انحناءاته الجارحة، وفي الصدر ثمة دائرة كبيرة من الصدف التي تتخللها مربعات متوازية ومتداخلة شكلتها تلك الصدف الذهبية. تشابه غريب من جانب آخر، نذهب إلى جنوب الهند وفي مرحلة تاريخية آثارية عرفت بمرحلة تشولا في النصف الثاني من القرن العاشر، حيث نشاهد «شيفا الراقص»، ذلك التمثال المذهل الذي صنع من البرونز وهو مزيج نحاس أيضاً عن طرق التذويب في الشمع التالف. حركة الجسد، حركة الساقين واليدين، ودقة التوازن وشيفا الناظر بهيبة إلى وجوهنا، هي جزء من العبادة الهندوسية «ديانة الهند الرئيسية» العبادة الثنائية كثيفة الحضور وقد منحت التيار الشيفاني حضوراً والذي يرى في شيفا «الإله الأعلى». يظهر شيفا على شكل دعامة تسمى لينغا/ الإشارة باللغة السنسكريتية والتي ترمز أيضاً إلى الرجولة، حيث يتمثل شيفا بأشكال شتى على جدران المعابد الهندية أو عبر الصور المحمولة في الطواف، طبقاً لمجموعة من الصور المتنوعة التي تتخذ مظهراً بشرياً لكنها في الوقت نفسه غير واقعية على الصعيد الشكلي. شيفا محمول على ظهر حيوان يجلس على وسادة وساقة اليسرى قد تطوحت في الهواء، إنه يتوازن على ساق واحدة ويداه متناسقتان في التمثال على جهتي الجسد في ذات الحركة المتقابلة المتساوية في الثقل والاتجاه، بينما بدا وجهه ناظراً إلى الرائي وفوق رأسه حلّة التاج المقدس. جراح المسيح ولنبصر تمثال المسيح يبدي جراحه، الآتي من بافاريا أو النمسا أو ألمانيا في حوالي 1515 ـ 1520 وهو من خشب الزيزفون ومتعدد الألوان لنلاحظ في هذه المنحوتة الضخمة ذات الحركة: اليدان مرفوعتان بذات التوازي في الكتلة. كذلك الساقان، وعلى الرغم من أنهما كلتيهما ترتكزان على وسادة دائرية وقف التمثال عليها، إلا أنهما امتازتا بحركة خفيفة من الساق اليسرى ذاتها التي وجدنا حركتها في تمثال شيفا. منحوتة «المسيح» مصنوعة من الخشب متعدد الألوان، وهو لا يزال يعتمر الشوك كما تظهر عليه آثار جروح الصلب والوقوف بين الأموات. ربما نحتها مثال قريب من أوساط عباقرة الفن القوطي الألماني المتأخر، حيث نجد قوة الشفرة وباعتها في بطن التمثال، ونجد مهارتها في قطعة القماش الملفوفة «من الخشب» وسط التمثال، إذ هي قوة تعبيرية تمثلها هذه المنحوتة متمثلة بعمق نظرته العطوف، والمستسلمة بهدوء، وذلك من جمالية المنحوتة التي نقلت عبر تمثل الزوايا والبراويز لصدر وبطن المسيح. قوة الإيمان وضمور البطن في صبر. بدت الألوان المتعددة في هذه اللوحة، التحفة، قد كشفت أن ثمة عمليات تلوينية مورست عليها منذ القرن السادس عشر، تضيف تأثيراً مؤنسناً لهذه التحفة النادرة، وجاء في التعليق على هذا التمثال إحدى الشهادات النادرة للإنتاج الألماني المستوحى من مشاعر متفاقمة واعتبارات إنسانية منبثقة من عصر النهضة، والتي نجت من عمليات تدمير الأيقونات في عصر الإصلاح الديني. هي قطعة من الخشب، عبرت حدود الألم والخوف والعصور العدائية والتناحر الديني المخيف، قطعة ظلت متصالحة مع الزمن، فلم يكسر منها شيئاً، وظل المعنى فيها طافياً على أكتاف الجمال الذي حملها إلى أبوظبي لتجلس فيه بأمان على ساحل الخليج تناغي أمواجه العذبة. فنون شرقية وفي عمق الفن التشكيلي تطالعنا رسمة فروسية للمهراجا شيودان سينج من الوار في الهند، راجستان حوالي عام 1863، وهي غواش مائي مع لمسات ذهبية على الورق. بلاطات الملوك الهنود، حيث بلاط الوار الملكي الصغير على مقربة من جايبور وقد طلب الملك شيودان سينج من فنانيه أن يرسموه وفق التقاليد في لوحة فروسية. اخضرار في أرضية اللوحة وابيضاض رصاصي في جسد الحصان وفارس يجلس على حصان مطهم بلون القهوة الفاتح وإكسسوارات جميلة، متناسقة، لا إبهار فيها سوى الصمت والكبرياء، بينما رفع الحصان ساقه اليمنى عند الأرض في الوقت الذي كان رأسه فيه قد انسرج إلى الأسفل، بينما كان نظر الملك متوجهاً إلى الأمام، ويده اليمنى تمسك شعر الفرس ويده اليسرى ماسكة بلجامه. ونلاحظ هنا مقارنة مع لوحة الأمير الذي يقرأ طغيان اللون الأخضر على فن الشرق والتعبير بالألوان الهادئة بعكس الألوان الحارة التي كان يستخدمها الفنانون الغربيون. ولنقرأ ذلك لاحقاً في هذه المقالة. ومن الشاهنامة الفارسية «ملحمة الفردوسي التي تعود إلى القرن العاشر»، نقرأ لكيو، وهو يتحدث مع كيكاوس حوالي 1560 ـ 1570، وقد كتبت بالحبر وزينت بالألوان والذهب على الورق بارتفاع 29 سم وعرض 22 سم ورقة من الشاهنامة «كتاب الملوك»، وقد رسمت فيها عدة مستويات وكتابة، وصورت مجتمعاً ونقلت عمق الديانة الإسلامية في أيقونتها القبة الإسلامية وجلسات البنى الاجتماعية وحكاياتها. فنون الغرب وفي قسم ضم لوحات رائعة لعباقرة الفن التشكيلي العالمي يقدم لنا اللوفر أبوظبي الإيطالي جيوفاني بيليني (1430 ـ 1516) في لوحته «مريم والطفل» حوالي 1480 ـ 1485، وهي بالألوان الزيتية على الخشب. وتجسد هذه اللوحة النهضة الأولى التي شهدتها مدينة البندقية، حيث نجد تقنية الزيت وقد بدأت حديثة العهد في إيطاليا خلال حقبة إنجاز هذه اللوحة، وهو ابتكار ميز البندقية عن سائر المراكز الفنية في شبه الجزيرة الإيطالية. رسمة لبيليني يجسد في أناقة حركتها وعاطفتها الجيَّاشة وجمال الوجهين المتناغمين بين مريم والطفل، حيث تمنح قوة الألوان فيها ما يميز هذه الحركة التي هي دقة في التعبير وفي الرؤية، واهتمام رائع بالضوء والوضوح مع الخلفية السوداء أحادية اللون، وليس لخلفية تجسد منظراً طبيعياً كما هو شائع في غالبية أعمال هذا العبقري الخلاق. يكشف بيليني عن نقاء ريشته من خلال غطاء رأس مريم وحركة يديها، وتماس أصابعهما وإطراقتها وخشوعها ونظرة الطفل وتوزيع جسده. فنون الشرق ويأتي عثمان حمدي باي 1842 ـ 1910 ليرسم لنا أميراً شاباً منكباً على الدراسة، وذلك في إسطنبول 1878 بألوان زيتية على قماش الكانفاس، حيث يستلقي فتى شاب على منصة من الرخام مغطاة بسجادة شرقية وهو يقرأ مخطوطة بيضاء موضوعة على مخدة حمراء. يحيط بالفتى الأمير خزف عثماني أزرق وسعيفات يعلوها عمود حلزوني ملاصق للجدار وأفريز مزخرف بكتابات كوفية، ومشكاة جدارية تحوي مخطوطتين أخريين وشمعدان مسجد تعلوه شمعة ضخمة. يرتدي الشاب لباساً قطنياً لونه فستقي، وعلى رأسه عمامة من النسيج الموصلي وتوحي المخطوطة بالمصحف، أما المخطوطتان فقد ورد عليهما «جلائل المشهور» لمحمد حافظ بن عاش أفندي (ت 1850) وقاموس المحيط للفيروز أبادي (1329 ـ 1414)، وعلى يسار المشكاة ثمة أفريز نقش عليه «وما توفيقي إلا بالله»، وكتب الفنان اسمه عثمان حمدي اسمه بالخط نفسه على يمين المشكاة. درس في التشريح في لوحة «السامري الصالح» حوالي 1616 لجاكوب جوردانس (1593 ـ 1678) رسمت بالألوان الزيتية على الكانفاس، لوحة مدهشة بحقيقة ما فيها من مشاعر الحب والفضيلة التي انتابت أعمال القرن السابع عشر. جسم منهك ومتعب ومستسلم وحركة الخادم القوية التي يحاول أن يسند فيها انهيار الجسد الهامد، حيث لا بد أن توضع بهدوء على الأرض، أما السامري فقد تلبسه الحنان بكل أبعاده، حيث يستر عري الشاب، إنها درس في التشريح، حيث تبدو العضلات، عضلات جسد الشاب والخادم والكلب الذي احتل الزاوية اليسرى السفلية من اللوحة، كل شيء بارز ومجسد بشكل رائع، أما الظلال فإن هناك ما يقابلها بدقة وهو الضوء المسلط ببراعة منتقاة من دهشة الريشة وهي تكتب حكاية ولا ترسم لوحة فقط. ونقترب أكثر في هذا الجناح من «نشأة متحف» لنبصر أدوار مانيه (1832 ـ 1883) في لوحته البوهيمي ـ باريس 1862، وقد رسمها بالألوان الزيتية على قماش الكانفاس. في نشأة متحف نبصر لمانيه ثلاث لوحات وهي «البوهيمي» وطبيعة صامتة «القفة والثوم» و»الغجر» التي رسمها في الفترة بين 1861 ـ 1862، حيث قطعت الأخيرة إلى ثلاثة أجزاء بعد 1867، والمقطع الثالث وعنوانه «شارب الماء» موجود ضمن مجموعة معهد الفن في شيكاغو منذ 1969. في اللوفر أبوظبي، نجد لوحة الغجر تعطينا فهماً للوحات الثلاث المأخوذة منها، هنا لوحتان من تلك اللوحة جرى جمعهما في لوفر أبوظبي، مانيه البرجوازي أثار جدلاً كبيراً في الرسم مما جعله ينتج مدرسة أطلق عليها اسم الانطباعية، حيث اعتبرت أعماله علامة فارقة في تاريخ الرسم وتمثل البدايات للفن الحديث. مانيه صاحب عازف الناي، والموسيقار العجوز، والغابة في الخريف، والغداء على العشب وأولمبيا، ومصارع الثيران المصروع، والمغني الإسباني، نقرأ له رسماً رائعاً بعنوان البوهيمي في لوفر أبوظبي، حيث نشأة متحف، ذلك السواد الذي احتل نصف اللوحة تقريباً ورأس الغيتار البارز من خلف ظهر البوهيمي ونظرة البوهيمي وعصابته وتأمله. ستة وجوه ونتحول في قاعة اللوفر أبوظبي في «نشأة متحف» إلى غوستاف كايبوت (1848 ـ 1894) إلى لوحته «لعبة ورق بزيك» 1881 من الألوان الزيتية على الكانفاس لنبصر هذا الفنان الانطباعي الرائع، وقد صور أصدقاءه في لعبة الورق، حيث اعتنى بالسواد في بدلات الرجال وقدم أبعاداً هندسية للوجوه في درس أكاديمي بالرسم كان السواد طاغياً على براعة اللوحة وكأن شيئاً فارقاً يفصل هذا السواد عن بعضه. ونعيش داخل هذه القاعة مع غوغان (1848 ـ 1903) في لوحته «الولدان يتصارعان» 1888 من الألوان الزيتية على القماش الكانفاس، مخيلة فيها من الواقعية الشيء الكثير، وربما هي إسقاط واضح من حكاية غوغان مع فان جوخ وتصارعهما الذاتي، حيث لم يستطيعا أن يستمرا في علاقة مصالحة، هذه الأيقونة التصارعية هي امتداد أسطوري للصراع البشري، منذ طفولة الإنسان، حيث أقام غوغان هذا المفهوم أما الألوان والحركة فهي إنجاز لا يصدق حقاً. وتنتهي هذه القاعة المذهلة بلوحة بابلو بيكاسو (1881 ـ 1973) صورة شخصية للمرأة التي رسمها 1928، وهي من غواش وحبر وتلصيق على الورق، وهي صورة قيل إنها لناتالي بالي الابنة الصغرى للقيصر الكسندر الثاني وزوجة الخياط لوسيان لولون، وأكد هذا الافتراض التشابه مع صور الموديل المزعومة التي كانت عارضة أزياء مشهورة في وقتها. استدارة الوجه ودقة الملامح والقامة الفارعة، هي صفات بالي السيدة التي صادقها جان كوكتو الشاعر الفرنسي صاحب «الحسناء والوحش»، تلك المرأة التي تمثلها بيكاسو في هذه اللوحة وكأنها آلة موسيقية تعزف لحناً بأنفها الطويل وبنظرتها الهادئة المتأملة. وربما يعد الكثير من النقاد أن التفاتة الفتاة هي أجمل ما تجسده اللوحة. إبحار الأمير وتطالعنا لوحة، وهي ستارة قصة ملك الصين: «إبحار الأمير» من نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وقد نسجت من الصوف والحرير، وهي نتاج المشغل الملكي في بونيه خلال عهد الملك لويس الرابع عشر في عام 1664. تضم الستارة 9 مشاهد، في حضرة الإمبراطور، الإمبراطورة خلال السفر، الوجبة الخفيفة، العودة من رحلة الصيد، علماء الفلك، قطاف ثمار الأناناس تقديم الشاي إلى الإمبراطور، إبحار الإمبراطور. مشاهد جميعها في نسيح صوفي، هي ستارة تجسدها المخيلة، تضارع حياة الملك الشمس، وليس لها صلة بأي واقعة تاريخية. تومبلي في 9 في لوحة ساي تومبلي (1928 ـ 2011) الأميركي التي توزعت إلى 9 قطع ليس لها عنوان (من دون عنوان 1 ـ 9) التي رسمها في إيطاليا قبل ثلاث سنوات 2008 من وفاته، وهي من الإكريليك على قماش الكانفاس، تمثل تيار الفن المعاصر الذي يندرج في إطار الاستمرارية التاريخية للحركة التعبيرية التجريدية إبان الحرب العالمية الثانية في أعقاب السريالية بتأثير من بيكاسو. جيل ساي تومبلي توجه إلى المفاهيمية بعمق، وربما يرى المتفحص لهذه اللوحات قصة خطوط البياض على الأرضية الزرقاء، خطوط ربما لها معان، في تشكلها وفي التفافها مع البعض، ربما تقول شيئاً من الصعب قراءته حيث رحل مع رحيل تومبلي نفسه، إنها تحتل آخر جناح في معرض «نشأة متحف» الذي قدم تاريخ فنون وحضارات سادت ثم بادت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©