الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب كتبوا الشعر حتى على التفاح

العرب كتبوا الشعر حتى على التفاح
18 مايو 2011 19:57
يحفل التراث والثقافة العربية بالعديد من ألوان المظاهر الحضارية التي عرفها العرب عبر عصورهم التاريخية المتعاقبة. وقد ظهرت تلك المظاهر جليّة في العصر العباسي في العراق وتحديداً في عاصمتي الخلافة الإسلامية بغداد – دار السلام- ومدينة سُرّ مَن رأى - سامرّاء - حيث الحياة المستقرة والاهتمام بدور العلم والمعرفة والشعراء وطبقة الأدباء من خلال المجالس الأدبية العامرة. كانت الحياة الرغيدة والعيش الميسور والترف الحضاري والتأنق في الملبس والمأكل أحد تلك المظاهر الحياتية التي عاشها الناس في بغداد العباسيين، حتى قيل عن الذي ينعم بالخيرات والمال الوفير والعيش الهنِي بأنّه “يَتَبَغْدَد” نسبة إلى بغداد، وما زال هذا المُصطلح متداولاً بين الناس إلى اليوم الحالي. لقد اهتدى الإنسان في الماضي إلى الملابس الأولى نظراً لحاجته إلى ستر جسده، واتقاء المطر والبرد أو لفح الحرّ. وذكر محمّد رجب السامرّائي في كتابه “غطاء الرأس في التراث الشعبي العربي” الصادر عن نادي تراث الإمارات “أنّ هناك أساطير عن أول مَن اتخذ الملابس وكيفية اتخاذها، منها الأسطورة التي تروى عن البطلة “برتا Berta” التي كانت أول امرأة غزلت بيدها ثم نسجت أول ثوب في العالم لتجتذب به أنظار المعجبين. أما عن العرب فينسبون صناعة الملابس إلى النبي إدريس عليه السلام”، ويقول الثعالبي: إنّه - النبي إدريس- أول من خطّ الكتاب وخاط الثياب، وإنما كان من قبله يلبسون الجلود. وينسب اليونان صناعة الملابس إلى “هرمسHermes” عُطارد، كان الإنسان في البداية يتخذ من الجلد رداءً يُغطي به جسمه، سواء في ذلك النساء والرجال، ثم لما عرفت الملابس بقي الجلد زيّاً تقليدياً لفئة خاصة هي فئة الكهنة التي استعملت جلد الفهد زيّاً دينياً فوق نَقبَة بسيطة في كلّ العصور الفرعونية”. مغنّيات ذلك الزمان كانت طبقة القِيان – المغنيات- يُكثرن من الاختلاف إلى دور الشعراء في بغداد أيام الدولة العباسية، وكان الشعراء وغيرهم من فتيان بغداد يزورونهن في دور أصحابهم من المُقيِّنين، وكانت أشبه بنوادٍ كبيرة للغناء والموسيقى، فالناس يذهبون إليها شعراء وغير شعراء للسماع ورؤية الجَمَال من كلّ شكل وعلى كلّ لون. ويشير د. شوقي ضيف في كتابه “العصر العباسي الأول” أنّه قد اقترنت بهذا الظرف مظاهر كثيرة في الأزياء وفي العطور وآداب الطعام والسّمر ومن أهم مظاهره تهادي القوم بالأزهار والرياحين رامزين بأسمائها وأشكالها إلى معاني المودة والمحبة، وكانت الجواري والقيان يكلفنَ بالورود كلفاً شديداً، ويُروى أنّ مُتيّم الهاشمية جارية علي بن هشام ومغنيتهُ كان يعجبها البنفسج جداً فكانت لا تخلي منه كُمّها. وكان لهذا الإعجاب والكَلَف أثره في العناية بالأزهار والرياحين وتغني الشعراء بها غناء كثيراً. كما أهدت الجواري التفاح كثيرا إلى من يكلفون بهنّ أو يتعلقنّ هن بهم، وكُنّ يضعن عليه أثر أخذه بأفواههن وقد يفلِّجنه ويشقِّقنه بالمسك وغيره من أنواع الطِيب، وقد يكتبن عليه بعض أبيات رقيقة، تصّور صَبابتهن، وفي أخبار الخليفة المهدي العباسي أنّ جارية من جواريه أهدت إليه تفاحة وطيبتها وكتبت عليها: هدية مني إلى المهدي تفاحةٌ تُقطف من خدِّي مُحمرة مصفرة طُيِّبَت كأنّها من جنّة الخُلدِ ويروي بعض الأشخاص أنه دخل على الخليفة هارون الرشيد فرأى الوصائف من ورائه وقد تزينّ بعصّابات نُظمت فيها الدرر واليواقيت وكُتبت عليها أبيات في صفائح الذهب، مثل قول بعض الشعراء: مالي رميتُ فلم تُصبك سهامي ورميتني فأصبتَني يا رامي وقول آخر على لسان إحدى الجواري: أفلتُّ من حُور الجِنانِ وخُلِقت فتنة مَن يراني يذكر المغني إسحاق الموصلي أنه دخل على الخليفة الأمين بن هارون الرشيد يوماً فوجد من حوله وصائف يَخْتلن في حُسنهن، وبأيديهن مَراوح نُقشت عليها أبيات غزل مختلفة، منها هذا البيت: أتهوون الحياةَ بلا جنونِ فكُفُّوا عن ملاحظة العيون التهادي بالتُحف النفيسة كانت الجواري والقيان يتبارين في التهادي بالتُحف النفيسة، من ذلك ما يروى عن مُؤنسة جارية المأمون من أنها أهدت إلى مُتيم الهاشمية جارية علي بن هشام في يوم احتجمت فيه مُخنقة (قلادة) في وسطها حبّة لها قيمة جليلة، وعن يمين الحبّة ويسارها أربع يواقيت وأربع زُمردات وما بينها من شذور الذهب، وغمستها في الغالية. وهناك نماذج مختارة وقفنا عليها في مظان الأدب العربيّ لبعض ما كان يكتبه روّاد المجالس من أقوال وأشعار كانت في الغالب تعبر عن نزعة صاحبها وميوله فمما نقشه أهل الحزم على خواتيمهم: “القناعة خير من الضراعة” و”السلامة خير من الندامة”. وممّا نقشه أهل العشق قولهم: “من قدّم هواه دام أساه” و”آفة الحبيب نظر الرقيب” و” آفة الغزل سرعة الملل”. وقال الشاعر العباسي علي بن الجهم: رأيت جارية في بيعة مريم في دار الروميين بمدينة السلام - بغداد- كأنها فلقة قمر خارجة من الهيكل وفي وسطها زنّار عليه بيتان: زنّارها في خصرها يطرب وريحها مِن طيبها أطيب ووجهها أحسن مِن حُلِيّها ولونها مِن لونها أعجب كتبت على فصّ لخاتمها وهناك من قد يعارض أحدهم مَن يريد معارضته بالكتابة على فصوص الخواتم، فمن ذلك ما وقع بين عبدالملك بن الزيّات وجارية من جواري القِيان كان يحبها، ثم تنكر لها فكتبت على خاتم لفظاً تعرّض له بالعتاب فبلغه ذلك فكتب على خاتمه ضدّ ما كتبت، فبلغها فمحت ما كان على خاتمها وكتبت ضدّ ما كتب ذلك في أبيات قال فيها: كتبت على فصّ لخاتمها مَن ملّ أحبابه رَقَدا فكتبت في فصّي ليبلغها مَن نامَ لم يشعر بِمَن سهَدا فمحتهُ واكتتبت ليبلغني ما نامَ مَن يهوى ولا هَجَدا فمحوتهُ ثم اكتتبتُ أنا والله أول ميت كَمَدا قالت: يعارضني بخاتمه والله لا كلّمته أبدا وكتبت الجارية شادن على وقاية تجمع فيها ذؤابتها: بيضاء تسحب مِن قيام فرعها وتغيب فيه وهو جثل أسحم فكأنّها فيه نهار مُشرق وكأنّه ليل عليه مُظلم وكتبت أخرى على قلنسوتها قائلة: أدميت باللحظات وجنتها فأقتصّ ناظرها مِن القلب كتابات في الكوفة عرف العرب الكتابة على الألبسة والمفارش والأسلحة، ثم النقش على الجدران والأبواب والسقوف. وأول بادرة لهذه الظاهرة فيما أورد ابن قتيبة للكتابة على الألبسة والمفارش وغيرها، قائلاً: كان في مجلس زياد، الذي كان يجلس فيه للناس بمدينة الكوفة بالعراق، في أربع زواياه كتاب بالقلم الجليل:” الوالي شديد غيّ غير عُنفٍ، لين غير ضعف، الأعْطيَةُ لأبانها، والأرزاق لأوقاتها، البُعوثُ لا تُجمرَّ، الحسن يجزى بإحسانه، والمسيء يُؤخذُ على يديه. ويذكر في هذا الصدد أن الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد أمر يوماً بالفَرشِ الصّيفيّ أن يُخْرَجَ فأُخْرِجَ فيما أُخْرِجَ منه بساط طَبَريَ أو أصبَهَد بُذاتي مكتوب في حواشيه: لجَّ بالعَينِ وأكِفُ مِن هَوَى لا يُساعفُ كُلّما جَفَ دَمْعُهُ هَيّجتهُ المَعازِفُ إنّما الموتُ أنْ تُفَا رقَ مَنْ أنتَ آلِفُ لكَ حُبّانِ في الفُؤا دِ تليدٌ وطَارِفُ يروي الشاعر أبي نواس بعض ما شاهده في مجلس الخليفة الأمين بن هارون الرشيد ببغداد، فقال: دخلت على الأمين أمير المؤمنين، وهو قاعد في قبّة له، ومعه جارية لم أرَ قطّ أحسن منها قال: وإذا على جبين الجارية مكتوب بالغالية- أخلاط من الطِيْبِ - ممّا عمل في طراز: الله، وعلى رأسها إكليل وفي حجرها عود، وإذا على الإكليل مكتوب: واللهِ يا طَرَفيَ الجاني على كبدي لأُطفِئَنَ بدمعي لوعةَ الحَزَنِ باللهِ تطمعُ أن أبلي هوىً جوىً وأنتَ تَلْتَذُ طيبَ العيش والوَسَنِ وإذا على العُود مكتوب: يا أيُّها الزاعِمُ الذي زَعَما إنّ الهوى ليس يُورِثُ السّقَما لو أنّ ما بي بِكَ الغَداةَ لما لُمْتَ مُحِباً إذا شَكَا ألمَا الكتابة الشعرية على حَمائل السيف ونجد ثياب القَيَان ما كان ليُنتقَى مصادفة أو عشوائياً، بل كان من وراء اختياره أهداف وغايات. فطالما عبّرَ عمّا تكُنهُ القَيْنَة في ضميرها مِن مَرَامٍ، وما يختلجُ في فؤادها مِن تباريحَ الحُبِّ وآلام الجَوَى. وقد يكون ما على ثيابها صادقُ التعبير، وقد يكونُ مِن باب التزلفُ والخداع. ومن ذلك ما كتبته إحدى الجواري على عصابتها بصفائح الذهب: ظلمتني بالحُبِّ يا ظالم والله فيما بيننا حاكِمُ ولم يستثنَ الهلال في الصدر من الكتابة عليه، فإذا إحداهن وعلى هلالها: أفْلَتُّ مِن حُور الجِنَانِ وخُلِقْتُ فِتْنَةَ مَن يَرَانِي كما لم يخلو السيف الذي حملنَه وكتبنَ على حمائله من الشِعْرِ ما نزعَ عنه دوره الأساس وجعله لا قيمةَ له أمام سيوف الألحاظ: لم يكفِهِ سيفٌ بعينيهِ يقتلُ مَن يشاءُ، بحدّيْهِ حتى ترّدَى مُرْهَفاً صارِماً فكيفَ أبقى بين سيفَيْهِ فلو تَرَاهُ لابِساً درْعَهُ يخطُرُ فيها بينَ صفَيْهِ علِمتُ أنّ السيفَ مِن طرفِهِ افتَكُ مِن سيفٍ بكفيْهِ ذكر الوشّاء في كتابه “المُوشى” نماذج من الأشعار التي عقدها للإشارة إلى الكتابة على التفاح والآلات والأدوات والفرش وغير ذلك. فقد وجد ألفاظاً مِلاحاً كتبت على التفاح، ذكر منها، أنّه قرأ على تفاحة مكتوباً بماء الذهب: قبلَ تُهدُوني فخُطُّوا فيَّ سطراً مِن ذَهَبْ إنّني أعطِفُ مِن صـ ــدَّ ليُصفي ذا كَرَبْ ووجد على تفاحة أخرى بالفضّة: ليسَ شيءٌ يُتهادَى مثلَ تفّاحٍ مُكَتَّبْ يا مُنَى قلبي ما تَرْ ثي لِذِي عِشْقٍ مُعذّبْ وعلى تفاحة أخرى وجد مكتوباً: أنا للأحبابِ بالســرِّ وبالوصلِ رسولُ أَتَهَادَى فأرِقّ القلبَ والقلبُ مَلُولُ وعلى تفاحة أخرى: وإذا ما مُرْسِلٌ نَـاـمَ فما أنتِ نَمُومَهْ أنتِ ريحانَةُ قلبي ثُمّ للسِّرِّ كَتُوْمَهْ لابن الأحنف على وشاح قميص كما أشار علي محمّد هاشم في كتابه “الأندية الأدبيّة في العصر العباسي” إلى رواية عن الماوردي في قوله: رأيتُ جارية، ونحنُ عند محمّد بن عمرو بن مسعدة، لم اشكُ أنّهُ عاشقٌ لها، لِمَا رأيتُ مِن حركاتهِ إذا نَظَرَت، وسرورهِ إذا نَطَقَت، وتهلُّلِهِ إذا غنّت، وكانت فوق وصفِ الواصِفِ مِن الحُسْن والجَمَال، وعليها قميصٌ مُوشّحٌ، ورِدَاء مُعَيَّنٌ، مكتوبٌ في وِشَاح القميص بيتان للعباس بن الأحنف: أغِيْبُ عنكَ بوْدٍّ لا يُغَيّرُهُ نأيُ المَحَلِّ ولا صَرْفٌ مِنَ الزّمَنِ تَعْتلُّ بالشُّغلِ عنّا ما تُكلّمنُا الشّغلُ للقلبِ ليسَ الشّغلُ للبَدَنِ وعلى طِرَازِ الرّدَاء: أقلُّ الناسِ في الدُّنيا سُرُوراً مُحِبٌّ قد نأى عنْهُ الحَبِيبُ وأضاف قائلاً: كتبت بَنَانُ جرية الخيزُرَان على ترانين دُرّاعةٍ لها بالذهب: لِمَ تَقُلْ قولاً ولكِن حَلَفت أنّها أحسنُ عَيْنٍ أُطْرِفَت زَعَمَت أنِّيَ قد لا حَظتُها أيُّ عينٍ لَحَظَت فاعترفت أظهَرَت حُجّةَ مَن يعشَقُها واستباحَت غفلَةً وانصَرَفَت عين مُسهدة وقال الأديب الجاحظ: رأيتُ نَشوان جارية زَلْزَل- ضارب العُود- وعليها عَصَابة مكتوب عليها: عينٌ مُسهدّةٌ في مائِها غَرَقَتْ يا ليتَها ذَهَبَت لو لم تكُن خُلِقَتْ لم تَذهَبِ النَفْسُ إلاّ عند لَحظتِهَا ولا بَكَت بدمٍ إلاّ لِما أرِقَتْ يا مُقلَةً سوفَ أُبْكِيهَا ويا كَبِدَاً بها أحاطَ الهَوَى والشّوقُ فاحْتَرَقَتْ كذلك كتب موسى الهادي بن المهدي العباسي على ستره أبياتاً تقول: يا أيّها الزّاعمُ الذي زَعَما أنّ الهَوَى ليسَ يُورِثُ السّقَما لو أنّ ما بِي بِكَ الغَدَاةَ لما لُمْتَ مُحِبّاً إذا شَكا ألَمَا أما المِخَدّة فكتب أحدهم عليها قوله: يا رَاقِدَ الليلِ مِمّن شَفَهُ السَّقَمُ وَهَدَّهُ قَلَقُ الأحزانِ والألَمُ جُد بالوِصَالِ لِمَن أمسيتَ تَمْلِكُهُ يا أحسَنَ الناسِ مِن قَرْنٍ إلى قَدَمِ فذَاكَ مُستظرَفُ الفُؤادِ واشتملت الكتابة الشعرية المجالس والأبواب ووجوه المُستظرفات وصدور القِبَاب. وقد أشار الشاعر علي بن الجهم أنّه رأى في صَدر قُبّةٍ مكتوباً بألوان فُصوصٍ مُنضّدةٍ: لا تُطمِعِ النّفسَ في السّلْوِّ إذا أحببتَ حتّى تُذيبَها كَمَدَا مَن لَم يَذُق لَوعَة الصّدودِ ولَم يَصْبِر على الذُلِّ والشَّقَا أبَدَا فذَاكَ مُستظرَفُ الفُؤادِ يَرَى في كلِّ يومٍ أحبَابَهُ جُدُدَا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©