السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوال السعداوي ساخرة بعدة أقنعة

31 يناير 2006

القاهرة ـ حلمي النمنم:
في الأعوام الأخيرة برز اسم الكاتبة والروائية نوال السعداوي ضمن المرشحين لنيل جائزة نوبل في الآداب، ويقابل ذلك بين الأدباء والمثقفين العرب بالوجوم والاندهاش، بينما يجد ترحيبا في بعض الدوائر الغربية، والترشيح ذاته نتاج للاهتمام الأوروبي الأميركي بانتاج وشخصية نوال السعداوي، وتدور الدراسة التي صدرت ترجمتها العربية مؤخرا بعنوان 'الأمة والمجتمع والجنس في روايات النساء العربيات' حول استقبال السعداوي في الغرب وكيف تعاملت هي مع هذه الحالة··؟!
وإذا كان الأدب العربي قد لفت انتباه المترجمين والدارسين في أوروبا وأميركا بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في العام ،88 فإن السعداوي قد ترجمت اعمالها منذ السبعينيات، في 1977 ترجم إلى الإنجليزية وطبع في لندن كتاب 'الوجه العاري للمرأة العربية' ثم صدرت لها ترجمة أخرى في الولايات المتحدة عام ،1982 وهناك متابعة أميركية دؤوبة لها حتى ان كتابها 'مذكراتي في سجن النساء'، الذي صدر في القاهرة عام 84 وفي عام 86 كانت ترجمته إلى الانجليزية في الولايات المتحدة، أما روايتها 'سقوط الإمام' الصادرة عام 87 فقد ترجمت في العام التالي مباشرة· وما استنتجه عدد من النقاد العرب ان استقبالها في الغرب عملية سياسية واضحة، فهي تقدم للمجتمع هناك ما يود ان يسمعه عن المرأة في المجتمع العربي، وتقوم الدراسة التي بين أيدينا على فحص حيثيات قبول أوروبا وأميركا لكتابات نوال السعداوي، فهي نموذج للعلاقات بين العالمين الأول والثالث في الانتاج والاستهلاك، وبهذا المعنى فان ما تقوله السعداوي أو تكتبه هو أقل أهمية من الأماكن التي تتكلم وتكتب منها، وهي ان كانت كاتبة مصرية تكتب للقارئ العربي، فهي أيضا تخاطب جمهورا يتكلم الإنجليزية عبر ترجمات كتبها ومحاضراتها والمقابلات معها في الخارج· وقد أدى هذا إلى انه يمكن ان يظهر لها أكثر من كتاب بالإنجليزية في عام واحد وهو شرف يستطيع ان يدعيه عدد محدود من الكتاب بأي لغة أخرى، ومع الوقت حدث تحول نوعي في نشر كتبها بالإنجليزية·
في البداية كان يقدمها ناشر محدود، مثل 'زد' في لندن ومطبعة 'بيكون' اليسارية الاتجاه في بوسطن و'سيتي لايتز' في سان فرانسيسكو، ثم حدث التحول بان تولت مطبعة جامعة كاليفورنيا نشر اعمالها، أي ناشر كبير وله طابع أكاديمي رفيع المستوى، وهذا التحول جاء مع تألق مركز د· نوال أكاديميا في الولايات المتحدة، فقد تم تدريس كتبها ضمن المقررات في الصفوف الجامعية وفي صفوف الدراسات العليا عن مؤلفات النساء بشكل عام وعن النظرية النسوية وعن أدب ما بعد الاستعمار في افريقيا والشرق الأوسط، وقد قامت السعداوي نفسها بالتدريس في جامعة واشنطن وفي جامعة ديول وجامعة فلوريدا الحكومية، وهكذا تم تكريمها كممثلة للكاتب العربي، وهي الكاتبة العربية الوحيدة التي ورد ذكرها في كتاب 'جليس النساء' للادب بالإنجليزية، وهي الكاتب العربي الوحيد سواء بين الرجال أو النساء في سلسلة السير الذاتية للمؤلفين المعاصرين، واحد أسباب ذلك حركتها الدولية الشديدة، وان لديها سهولة اتصال بالعالم الغربي·
وبعد انهاء خدمتها كطبيبة في وزارة الصحة المصرية في اعقاب نشر كتابها المثير للجدل 'المرأة والجنس'، في عام 71 تولت مسؤولية برنامج الأمم المتحدة للنساء الافريقيات في أديس ابابا لمدة سنة ثم صارت مسؤولة عن البرنامج النسوي للجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا في بيروت، وكبريات الصحف مثل 'نيويورك تايمز' و'لوس انجيلس تايمز' تقدم اعمالها وتنوه بها·
تحت الطلب
لكن هذا الحضور القوي في الأكاديميات الأميركية وفي الغرب عموما، لا يعني انها سيطرت على صوتها أو صورتها في الغرب، فقد فهمت هناك كما ارادوا لها وكثيرا ما تماشت هي مع فهم الغرب لها·· وعلى سبيل المثال فان كتابها 'الوجه العاري للمرأة العربية' وقصدت به ان تقدم المرأة العربية كإنسان حر ولا تخفي شيئا، قدم في الغرب بأسلوب اخر تماما، فكان عنوانه 'الوجه المخبأ لحواء' وهو على النقيض التام مما قصدته ومما يرد في الكتاب، لكنهم هكذا يريدون الفهم في الغرب، وجاء ظهور الكتاب بالانجليزية مع العقد الذي خصصته الأمم المتحدة 1975 ـ 1985 للاهتمام بحياة النساء في العالم الثالث، وفي عام 80 عقد مؤتمر دولي في كوبنهاجن حول النساء في العالم الثالث، وقد ركز المؤتمر على قضية الختان، وربطت الصحف الأميركية بين هذا المؤتمر وما تعرضت له نوال السعداوي من ختان في طفولتها، وقد حكت هي الحكاية في أول الكتاب، وركز المؤتمر عليها، وقدمت نوال السعداوي في هذا المؤتمر باعتبارها سيدة وحيدة مكافحة بذاتها ضد التخلف في المجتمع الشرقي· لقد كتبت بالحرف في مقدمة طبعة لندن من كتابها 'لا اتفق مع النساء في أميركا وأوروبا اللاتي يركزن على مواضيع مثل ختان النساء ويصورنها على انها دليل على الاضطهاد الوحشي وغير العادي الذي تتعرض له النساء في افريقيا والبلدان العربية· وانني اعارض كل المحاولات لمعالجة هذه المسائل في عزلة'·· والمنطق هنا ان تركيز الناشطات النسويات في بلاد الغرب على قضية الختان يصرف النظر عن القضايا الحقيقية للتحول الاجتماعي والاقتصادي للنساء، ومع ذلك لم يتوقف احد هناك عند قولها هذا وتم التركيز على ختان السعداوي شخصيا·
لقد تزامن انتشار نوال السعداوي في الغرب مع حادث جلل وهو قيام الثورة الايرانية عام 1979 وخلع شاه إيران، وقد أدى ذلك إلى خوف شديد في الغرب من الإسلام عموما، خاصة ما يمكن ان يقع على المرأة، وهنا ظهر الاحتياج لنوال السعداوي، لكنها في مقدمة الطبعة اللندنية لكتابها 'الوجه العاري' اضافت جزءا ليس موجودا في الطبعة العربية وهو الاشادة بالثورة الايرانية ومهاجمة الامبريالية الأميركية ونظام السادات الذي يقف ضد ثورة إيران، وتعتبر نفسها ومشروعها امتدادا لهذه الثورة، إذ تقول 'الثورة الإيرانية اليوم هي ارث طبيعي للنضال التاريخي من أجل الحرية والمساواة الاجتماعية لدى الشعوب العربية التي استمرت بالنضال تحت راية الاسلام وباستمرار وحيها من تعاليم القرآن والنبي محمد'· وتدافع عن الثورة بانها في جوهرها 'سياسية واقتصادية، وهي انفجار شعبي يسعى إلى اعتاق شعب إيران رجالا ونساء على حد سواء، وليس إلى إعادة النساء إلى سجن الحجاب والمطبخ وغرفة النوم'· لكن هذه المقدمة أغضبت قراءها الجدد في أميركا، وعبرت بعض الصحف عن خيبة أملها لترحيب نوال بالثورة الايرانية والإسلام والقومية، وهاجمتها بعض السيدات العربيات اللاتي يعشن في الولايات المتحدة وعبرن عن خيبة أملهن فيها، ورأين فيها نموذجا آخر من البعثيين والناصريين والقوميين العرب· وقد تعلمت السعداوي الدرس، ففي الطبعة الأميركية للكتاب والتي صدرت عام ،1982 اختفت من الكتاب الصفحات التي تهاجم الامبريالية الأميركية وتدافع عن ثورة إيران، وركزت في المقدمة الجديدة على الأسلوب الذي يستعمل به الدين كوسيلة للاضطهاد من قبل المؤسسات السياسية في العالم الثالث، وبينما هاجمت في طبعة لندن الذين يركزون فقط على الختان، إذا بها في الطبعة الأميركية تحذف هذا الجزء وتصف الختان بالممارسة الوحشية وحذفت من الطبعة الإنجليزية فصولا بأكملها ظهرت في الطبعة العربية، فصل 'المرأة العربية والاشتراكية' حذف بأكمله وفيه تنتقد الاستغلال الرأسمالي البشع للمرأة وتطالب بنظام سياسي واقتصادي اشتراكي يضمن للمرأة وللمجتمع كرامته وحذفت أيضا فصلا خاصا بعمل المرأة في المنزل· وطوال السبعينيات كانت د· نوال تنتقد وتواجه مشروع السادات في الانفتاح الاقتصادي بالحديث عن الاشتراكية والعدالة وكانت تنتقد علاقاته الوطيدة بأميركا، وفي الترجمات يختفي ذلك تماما· وفي الطبعة الأميركية اضافت فصلا بعنوان 'ختان البنات' وتضيف قسما للكتاب يتناول مشاكل المرأة العربية مثل الزواج المبكر أو الزواج بلا حب والمعاناة التي تلقاها المرأة العاملة، وجعلت له عنوانا هو 'النصف المشوه' وهذا كله ليس له وجود في الطبعة العربية·
رواية مخادعة
وفي التعليقات الصحفية على الكتاب بالولايات المتحدة تم التركيز على الجزء المتعلق بالختان وموقف الإسلام من المرأة، بل أكثر من ذلك فان نوال السعداوي كتبت 'مذكراتي في سجن النساء' عن فترة التحفظ عليها مع أكثر من 1500 كاتب وسياسي وسياسية مصرية في سبتمبر ،1981 ولكن حين ترجم هذا الكتاب، تم تقديمه على انها سجنت بسبب آرائها في الجنس والختان والتي اغضبت رجال الدين والدولة معا، وهكذا اعتبرت شهيدة هذا الجانب، ولم يذكر احد ولا هي حاولت ان تصحح الأمر بأنها أعتقلت بسبب آرائها السياسية ومعارضتها لكامب ديفيد وليس بسبب آرائها النسوية·· وحين وصلها تهديد بالقتل من بعض العناصر المتطرفة، شأنها شأن عشرات الكتاب المصريين في التسعينيات، إذا بالحملة في الصحف الأميركية تبلغ ذروتها فقد كتب انها 'ذروة ضحايا الإسلام' وقال كاتب أميركي انها تخلق نشيدا وطنيا لكل أولئك الملايين دون اسماء الذين ماتوا الموت الخارجي أو الداخلي بسبب الحكم عليهم نتيجة الاضطهاد القاسي وغير المبرر للنساء من قبل الاسلام الاصولي'·
وحينما أصدرت رواية 'سقوط الإمام' تم الاحتفاء الأميركي بها، عنوان الرواية مخادع، فهي رواية أقل من عادية، فقط اسم البطل 'إمام' لكنها فهمت على انها رواية في التنديد بالثورة الإيرانية ونقد آية الله الخميني والهجوم على السادات وفي عام 1991 أغلقت وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية جمعية تضامن المرأة العربية التي اسستها نوال السعداوي، وسبب الاغلاق ان الجمعية دعت إلى عقد ندوات تندد بحرب تحرير الكويت، وكان هذا الانتقاد حساسا للغاية في مصر بعد ان شاركت قوات مصرية فيها، وكان التصور الرسمي ان هذا الانتقاد يضعف معنويات المقاتلين ويسيء إليهم، لكن في الولايات المتحدة تم تصوير الأمر بغير حقيقته حيث اعتبر اغلاق الجمعية بسبب آراء السعداوي في الجنس والختان وتمكين المرأة·
وقد بذلت السعداوي بعض الجهد لمقاومة سوء الفهم لها في الغرب، ولكن لا يخلو الأمر من الاستفادة من سوء الفهم ودعمه ببعض الطرق فهي تسمح باستخدام أعمالها لتعزيز الانطباعات غير المحققة والراسخة حول الحضارة العربية والإسلامية· اضافة إلى ذلك فان الطريقة التي تقدم بها نفسها للقراء الغربيين تشجع وتعزز استقراءهم لها، فهي مثلا لا تقدم نفسها كجزء أو عنصر من حركة نسوية، أي تتعلم من تجارب النساء الأخريات وتبني عليها، بل تقدم نفسها كامرأة طليعية وذات قدرات استثنائية تماما، وتعلل ذلك بانها لا تنتمي لأي حزب أو تيار سياسي بينما الاخريات ينتمين إلى احزاب أو تيارات سياسية، والقراءة النقدية لمذكراتها في السجن توضح انها تؤكد ان تجربة السجن علمتها فكرة العمل الجماعي، لكنها في الكتاب تسخر من رفيقاتها بالسجن، وهن مناضلات ماركسيات أو يساريات عموما أو إسلاميات، ولابد ان يذكرن بالاسم، كان معها فريدة النقاش وصافيناز كاظم واخريات، وفي موضع آخر من المذكرات تقدم نفسها باعتبارها الوحيدة فيهن التي كانت قادرة على اتخاذ القرار والفعل، بينما هن عاجزات عن ذلك، والواقع انها تريد ان تقدم نفسها كفرد فقط، وليست كجزء من تيار أو مجموعة، وفي قصصها ورواياتها عن نفسها للمجتمع الغربي، تقدم إما كامرأة من ريف العالم الثالث صعدت بجهدها وعقليتها الاستثنائية، حتى صارت تحاضر في الجامعات الأميركية أو انها عانت وتعاني اضطهادا شديدا كامرأة من المجتمع المحافظ ومن رجال الدين به وكل من روايتيها تؤكد فرديتها وتدغدغ مشاعر الأميركيين خصوصا والغربيين عموما·
وقد لا يجادل النقاد العرب كثيرا في آراء السعداوي حول المرأة والنسوية، وهم لا يجدون غضاضة في تقدير اوروبا وأميركا لآرائها تلك، لكنهم لا يتفهمون أكداس المديح لروايات السعداوي، حتى بلغ الأمر الحديث عن احتمال فوزها بنوبل ونقاد غربيون كبار مثل روجر آلن وجوزيف ريدان وتريفور لي غاسيك وهم من كبار المهتمين بالأدب والرواية العربية يعتبرون نوال ممثلة للرواية النسوية العربية، ويتم تجاهل اسماء وأعمال لكاتبات مثل لطيفة الزيات وأمينة السعيد، لكن النقاد العرب لم يتوقفوا عند ذلك، فبينهم من اهتم باعمال السعداوي، مثل الناقد المصري، المقيم في لندن صبري حافظ الذي ذهب إلى ان شعبية رواياتها لا تنطلق من مزاياها الأدبية بل من ارضاء افتراضات القراء الغربيين عن الرجال والنساء العرب· اما الناقد السوري المقيم في باريس جورج طرابيشي فقد أصدر كتابا كاملا عنها بعنوان 'انثى ضد الأنوثة' ويأخذ عليها ان شخصياتها من الرجال والنساء، ذات بعد واحد، وهذا يحرمها من مناقشة العلاقات الإنسانية في تعقيداتها والأوضاع الاجتماعية، وهذا لا يمكن ان يقدم أديبا جيدا، بل يصنع روائيا فاشلا· أما الروائية المصرية اهداف سويف وهي تقيم في لندن وتكتب أيضا عن المرأة فترى ان السعداوي تكتب بحثا علميا جيدا ولكنها تكتب رواية سيئة، ومن غير الانصاف ان يعتقد الغرب ان ما تكتبه يمثل الكتابة الابداعية للنساء العربيات· وتحدث صبري حافظ عن ضعف اللغة لديها وعدم التطور الدرامي والفني لأعمالها، وبمعنى أوضح يذهب الناقد عفيفي فرج إلى انها تفرض منطقا عقائديا على عالم الأدب ولا تهتم بتدرج الاحداث ولكن بالبسط العقائدي والشعارات فقط، وتبقى بطلة السعداوي أسيرة النص العقائدي أو الايديولوجي الجامد ويسيطر هذا النص على السرد الروائي والعقدة والشخصيات، وتبني الرواية على فكرة وليس على وقائع وشخصيات·
وإذا كان النقاد العرب لا يقدرون روايات نوال فان بعض علماء الاجتماع العرب أكبروها وتأثروا بأعمالها، مثل هشام شرابي في كتابه المهم 'من المجتمع الابوي إلى البطريركي في العالم العربي' وعالم النفس اللبناني د· علي زيعور الذي تأثر في تحليله النفسي بروايات السعداوي، وان كانت هي قد تميزت عليهم بان لديها اسلوبا بسيطا اقرب إلى العمل الصحفي، مما يسر لها الانتشار وان تكون مقروءة على نطاق واسع·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©