الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

روائع العقل الهندي في قلب المكتبة العربية

روائع العقل الهندي في قلب المكتبة العربية
24 يناير 2017 00:15
محمود عبد الله (أبوظبي) تعد العلاقات الوثيقة والمتميزة بين الهند والإمارات، متجذرة وضاربة في عمق التاريخ، وقد شهدت تطوراً وتنامياً ملحوظاً مع بداية القرن السادس عشر، حيث قام بينهما ارتباط تجاري أصبح نموذجاً للتعاون والشراكة المبنية على الاحترام المتبادل، ما أدى إلى تكامل في علاقات الشعبين الصديقين، واستطاعت الترجمة أن تضع روائع العقل الهندي في مختلف أوجه الثقافة والفكر والإبداع في مكانة خاصة في المكتبة العربية، ويعد مشروع «كلمة» من أبرز الجسور التي قدمت أعمالاً متميزة وخالدة من الثقافة الهندية إلى اللغة العربية، إضافة إلى جهود مترجمين عملوا طوال سنوات على التعريف بزخم وخصوصية وعمق المنتج الهندي في مختلف فروع الإبداع الإنساني. بداية يتحدث الباحث والمؤرخ الدكتور فالح حنظل باستفاضة عن جذور العلاقة العريقة بين الإمارات والهند، وقال «يكاد أن يكون لهما تاريخ واحد مشترك»، ويتطرق حنظل إلى حضور الهنود ونشاطهم الاقتصادي والتجاري منذ اللؤلؤ وحتى ظهور النفط، ويتوقف عند الشق الثقافي قائلاً: يوجد نوعان من العلاقات الثقافية، الأول ما يمكن تسميته بالثقافة الشعبية، أي بالقدر الذي تأثّرنا بالهنود وأثّرنا فيهم، ويتبدى ذلك في اللغة والمأكولات والملابس، وغيرها. الأمر الثاني، يتجلى فيما نسميه اليوم الجانب الأكاديمي، حين كان أهل الإمارات يذهبون إلى الهند، يلتقون رجال الدين والعلماء ضمن حوار ثقافي وحضاري. وفي كتاب مؤرّخ الإمارات، الراحل عبدالله بن صالح المطوّع، ومراسلاته مع عائلة المدفع، نجده يلتقي علماء من رجال الدين الهنود، ويدخل معهم في نقاشات، ويرسل نتائجها إلى الشارقة، كما أن العلاقات الثقافية والفكرية والإنسانية، ومجالات الفنون المختلفة بين البلدين لا تقل درجة عن ذلك، بل لعلها الأكثر نمواً وطموحاً، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، وما حدث خلالها من تقارب ثقافي، بفضل الرؤية المستشرفة للقيادتين الملهمتين في الإمارات والهند، فمنذ توقيع الاتفاقية الثقافية بينهما عام 1975، التي وفرت الإطار المؤسساتي وآليات التعاون الثقافي بين البلدين، شهدت العلاقات الثقافية تواصلاً نوعياً، في مشهد رائع يتصدر فصول هذه العلاقة، متمثلاً في إهداء الرئيس الهندي براناب موخرجي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، نسخة من كتاب «الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة - احتفال لصداقة أسطورية»، من تأليف شري فينو راجاموني، السكرتير الصحفي للرئيس، والقنصل العام السابق للهند في دبي (2007 - 2010)، وذلك خلال زيارة سموه الرسمية لجمهورية الهند في فبراير من العام الماضي، حيث يقع الكتاب في 200 صفحة، ويتناول الشراكة الديناميكية بين الهند والإمارات، ويحتوي على صور تاريخية نادرة وروايات عصرية، تغطي الجوانب التاريخية والسياسية والثقافية للعلاقة بين البلدين، وقد ترجم ونشر باللغة العربية من قبل المركز الوطني للوثائق والبحوث بوزارة شؤون الرئاسة، وهو عبارة عن كنز من الحقائق والأرقام، وقصص من الروابط القديمة والحديثة والديناميكية، التي تربط الهند ودولة الإمارات تاريخياً وثقافياً، بحيث يسحب مضمونه القارئ في رحلة عبر الزمن، حيث الروايات القديمة والمعاصرة والمقابلات والصور النادرة والمعاصرة التي تعكس العلاقة المتينة بينهما. «كلمة» والإبداع الهندي إذا تحدثنا عن الأوجه البارزة في فصول المشهد الثقافي بين البلدين، نفتتحه بجهود هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة، في إطار مشروعها «كلمة»، الذي يحظى بشهرة عالمية، وهو مبادرة طموحة أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عام 2007، بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ودعم الحراك الثقافي الفاعل الذي تشهده أبوظبي، للمساهمة بدورها في خريطة المشهد الثقافي الإقليمي والدولي، من خلال تمويل وترجمة ونشر مختارات واسعة من أهم المؤلفات الكلاسيكية والمعاصرة، من لغات عالمية عدة، ومنها المنجز الإبداعي الهندي، وقد ترجم وطبع حتى الآن ما يزيد على 40 كتاباً، تنوعت بين أعمال أدبية، من بينها على سبيل المثال «خزانة الشعر السنسكريتي»، و«لغات الهند»، و«قصص قصيرة من الهند»، و«التراث الهندي»، والملحمة الهندية العظيمة «الراميانا»، وصدرت مؤخراً في مهرجان «جايبور» الأدبي الهندي ذي الشهرة العالمية، كذلك وضمن مشروع «كلمة»، ترجم الشاعر الدكتور شهاب غانم، الحائز جائزة طاغور للسلام، من قبل الجمعية الآسيوية التي تأسست عام 1784، مجموعة شعرية تتضمن مختارات للشاعر الهندي الكبير الدكتور ساتشيداناندان، تحتوي على 60 قصيدة متنوعة تجمع في أغلبها الهم الإنساني، ونشرت عام 2009. وأشار غانم في حديث لـ«الاتحاد»: «كنت قد نشرت له بعض القصائد في مجموعات أخرى مثل قصائد من كيرالا، وقد رشح ساتشيدانندان لجائزة نوبل بعد صدور ترجمتي لأشعاره التي ترجمت إلى نحو 16 لغة». كما قدم شهاب غانم ترجمة أنيقة لمجموعة شعرية بعنوان: «رنين الثريا» للشاعرة الهندية الشهيرة كملا ثريا - 1934، ونشرها مشروع كلمة عام 2011، وقد كرم مع كمالا من قبل جمعية ثقافية هندية عام 1996. كما أصدر مشروع «كلمة» كتاباً مهماً بعنوان «الهند في العصور الوسطى: دراسة حضارة»، للكاتب الهندي عرفان حبيب، وترجمه إلى «العربية» الدكتور أحمد عبد العزيز العباسي، يتناول بطريقة سلسة، منطقية ومثيرة، الجوانب الثقافية المتعددة للهند في العصور الوسطى، ولثلاث فترات زمنية طويلة تمتد ما بين (600 -1750م). ويناقش المؤلف عدداً من الجوانب المرتبطة بثقافة وحضارة الهند مثل: النظام السياسي، والدين والآداب، والفنون الجميلة، والفن المعماري، والتعليم، ويركز على الكيانات والطبقات الاجتماعية والاقتصاد والتكنولوجيا، ومدى ارتباط تطور هذه الجوانب بالأحداث التي دارت في الهند، ومنها وصول المسلمين إليها واندماجهم في المجتمع الهندي، وإسهامهم الملحوظ في شتى مجالات الحياة، خاصة التعليم والعلوم والتكنولوجيا. تبادل ثقافي نوعي يصعب حصر المنجز الإبداعي حول التبادل الثقافي بين البلدين، في مقالة أو موضوع، لكن إذا ألقينا المزيد من الأنوار الكاشفة على فصل آخر من فصول هذه العلاقة، سنجد الكثير من التجارب اللاّفتة، ومن ذلك ما توّج مؤخراً بافتتاح قنصلية عامة للإمارات في ولاية كيرلا الهندية، التي تعتبر الوجهة الأهم بالنسبة للمبدعين الإماراتيين، ومنهم على وجه الخصوص المخرج السينمائي والمحاضر في العلاقات العامة في وزارة الداخلية ناصر أحمد اليعقوبي، الذي كشف لـ«الاتحاد» عن أنّه قدّم فيلماً روائياً قصيراً بعنوان: «حنين» تم تصويره بالكامل في كيرلا، ويتحدث عن ثمانية أشخاص هنود، عملوا في الإمارات لما يزيد على أربعين عاماً، ثم غادروها، وفي لقاءات خاصة معهم، عبروا جميعاً عن حنينهم للإمارات، وما قدمته لهم ولعائلاتهم من رعاية واهتمام وحب وتقدير، وما زال حنينهم وحبهم لها عامراً في قلوبهم، ومن ذلك أيضاً تنظيم مهرجان سارك السينمائي في عام 2009، ومعارض الفن الهندي والمسرحيات التاريخية الهندية، وتنظيم النسخة السادسة من مهرجان صدانا الثقافي، في جامعة كاليكوت العريقة، بتعاون مع دار الياسمين للنشر، حيث شهد المهرجان تكريم الباحث والروائي الهندي المبدع موكاندان، الذي قدم للأدب الهندي والعالمي ثلة من الروائع الروائية، وفي ختامه تم الإعلان عن جائزة الشيخة أسماء صقر القاسمي لأفضل بحث في الأدب العربي، وهي جائزة تخص الطلبة الهنود في «الماستر» والدكتوراه، ممن هم مسجلون في إحدى الجامعات الهندية، وأن يكون البحث منجزاً ومناقشاً ومنتمياً إلى الموسم الجامع 2016. إلى جانب ما تقوم به «هيئة جائزة الشيخ زايد للكتاب» بعقد ندوات لتسليط الضوء على العلاقات الثقافية الهندية العربية، القائمة منذ أزمان طويلة، وإجراء مقابلات أدبية بين الشخصيات الأدبية الإماراتية والهندية في نيودلهي وأبوظبي، ومن قريب مشاركة هيئة الشارقة للكتاب في معرض نيودلهي للكتاب بالهند، بدورته الرابعة والعشرين التي أقيمت خلال الفترة من 7-15 يناير الجاري، حيث تمكنت الهيئة من توطيد تواصلها مع الناشرين في جمهورية الهند والدول الأربعين الأخرى التي شاركت في المعرض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©