السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا ورواندا··· مَن يحاكم مَن؟!

فرنسا ورواندا··· مَن يحاكم مَن؟!
18 نوفمبر 2008 01:31
يمثل اعتقال مسؤولة رواندية رفيعة المستوى في أوروبا مؤخراً تصعيداً مفاجئاً ضمن معركة دبلوماسية عالية المخاطر على اعتبار أنه قد يؤدي إلى مواجهة غير مسبوقة في قاعة محكمة باريسية بين زعماء فرنسيين وروانديين، سيتراشقون فيها بالاتهامات بالمسؤولية عن إثارة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في 1994 وقتل فيها أكثر من 800 ألف شخص· فقد اعتُقلت روز كوباي، مديرة بروتوكول الرئيس الرواندي بول كاجامي، في مدينة فرانكفورت الألمانية بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحقها من فرنسا· غير أن القضية ليست، مثلما قد يبدو للوهلة الأولى، عادية تتعلق بمجرم أفريقي يتم جلبه إلى القضاء من قبل الأوروبيين ''المحبين لإنفاذ العدالة''· فقد أفادت وزيرة الإعلام الرواندية لويز موشيكيوابو بعد اعتقال كوباي بأن هذه الأخيرة سافرت إلى أوروبا على رغم علمها بأنها ستتعرض للاعتقال لدى وصولها· وطلبت بعد توقيفها نقلها إلى فرنسا من أجل مواجهة المحاكمة· وبالتالي، فإن الحكومة الرواندية قررت على ما يبدو مواجهة الاتهامات الفرنسية مباشرة بدلاً من تركها معلقة إلى ما لا نهاية· وفي هذا السياق قالت موشيكيوابو بعد عملية التوقيف: ''إنها حقاً لحظة الحقيقة بالنسبة لفرنسا··· لقد خاب ظننا مرات كثيرة في القانون الدولي، ولكننا نأمل ألا تكون العدالة من حق الأغنياء والأقوياء وحدهم''· والراهن أن الظروف باتت مهيأة إذن لما يمكن أن يصبح مواجهة قوية؛ ففرنسا تتهم كوباي بالضلوع في اغتيال الرئيس الرواندي عام 1994 - وهو الحدث الذي أعطى انطلاقة مئة يوم من المذابح في رواندا- أما هي، فلا تنفي هذه الاتهامات فحسب، وإنما تأمل أن تستغل المحاكمة للدفاع عن موقف رواندا في هذه القضية الساخنة ضد دور فرنسا فيها· فقد رحب نظام ''الهوتو'' العنصري في رواندا بالنفوذ والدعم الفرنسيين على مدى ثلاثة عقود، حيث أرسلت فرنسا قوات للدفاع عنه عندما بدأت الثورة التي قادها المتمردون ''التوتسي'' في ·1990 بل إن باريس أرسلت حتى في ذروة جرائم الإبادة الجماعية في أوائل ،1994 شحنات أسلحة إلى النظام القاتل· وعندما بسط جيش المتمردين سيطرته، أقامت فرنسا -بموافقة من الأمم المتحدة- منطقة محمية في شرق رواندا لفائدة القادة الحكوميين والقتلة الذين كانوا يعملون لحسابهم· وتدفق على المنطقـــة أكثر مــن مليــون شخص· وحينها عملت فرنسا على تأمين عبورهــم الحــدود إلى جمهوريــة الكونجو الديمقراطية (المعروفة بزائير وقتئذ)، إلى جانب ما توافر لهم من طائرات الهليكوبتر وناقلات الجند المدرعة، وغيرها من المعدات العسكرية· أما الرئيس ''كاجامي'' وغيره من الموجودين اليوم في السلطة، فقد نشأوا كلاجئين في أوغندا المجاورة يتحدثون اللغة الإنجليزية ويرفضون النفوذ الفرنسي· ولذلك، فإن الزعماء الفرنسيين يخشون، وعن حق، أنه في حال تمكنت رواندا من التخلي عن الثقافة الفرانكفونية، فإن ذلك قد يدفع بلداناً أخرى ناطقة بالفرنسية لتحذو حذوها· ولأن ادعاء فرنسا بأنها قوة عالمية يستند أساساً إلى نفوذها في أفريقيا، فإن ذلك سيشكل بدون شك ضربة استراتيجية خطيرة لها· لقد أصبح واضحاً خلال السنوات الأخيرة أن الجيش المرتكب للجرائم السابقة، الموجود اليوم في الكونجو، لا يمتلك القوة الكافية للإطاحة بـ''كاجامي''، وهو ما دفع حلفاءه في فرنسا إلى تبني تكتيك جديد يقوم على محاولة تقويض الشرعية الأخلاقية لـ''كاجامي'' وحكومته· ففي ،2006 أصدر قاض فرنسي مذكرات اعتقال في حق تسعة مسؤولين روانديين، من بينهم كوباي، أدينوا بتهمة الضلوع في مقتل الرئيس الرواندي السابق الذي أُسقطت طائرته في ·1994 ولكن حكم الإدانة كان غريباً وفق المعايير الدولية على اعتبار أن القاضي لم يبحث الاحتمالات الأخرى، ولم يزر رواندا، ولم يقم بأي تحقيق خاص به· غير أن ذلك كان يخدم الهدف الفرنسي المتمثل في تقديم حكومة ''كاجامي'' على أنها عصابة مجرمين· بيد أن الرئيس الرواندي بدلاً من أن يرهّب، كان يعمد إلى التصعيد في كل مرة؛ حيث أقدمت رواندا على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا بعد الحكم بالإدانة، ثم شكلت لجنة للتحقيق في الدور الذي لعبته فرنسا في جرائم الإبادة· وبعد أشهر من جلسات الاستماع، خلصت اللجنة إلى أن دعم فرنسا لجرائم الإبادة الجماعية ''كان ذا طبيعة سياسية وعسكرية ودبلوماسية ولوجستية''، وأشارت إلى مسؤولين فرنسيين كبـــار بالاسم ودعت إلى مثولهم أمـــام المحاكم الدوليــة، ومن بينهم قادة عسكريون كبار وأرستقراطيون أنيقون· وكما لو أن كل ذلك لم يكن كافياً، تقدمت رواندا رسمياً بطلب الانضمام إلى منظمة الكومنولث البريطانية، والتُقطت لـ''كاجامي'' صورة في لندن مع الملكة إليزابيث· والشهر الماضي، أعلن الرئيس الرواندي أن اللغة الإنجليزية ستصبح اللغة الثانية الرسمية لرواندا بدلًا من الفرنسية· وباختصار، يمكن القول إن ''كاجامي'' يقوم بشيء لم يتجرأ أي زعيم أفريقي قبله على القيام به، ألا وهو سحب بلده الناطق بالفرنسية من الفرانكفونية وإدماجه في عالم الأنجلوفونية· والمسؤولة الرواندية الموقوفة كوباي، تتمتع بذكاء متقد وبفصاحة اللسان، وهي شخصية مثالية للدفاع عن موقف رواندا، حتى من موقع المدعى عليه· فقد نشأت كلاجئة، وحاربت ضمن جيش المتمردين؛ وبعد النصر، أصبحت عمدة للعاصمة ''كيجالي''· ثم ترأست لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الرواندي، وأدارت لجنة محاربة الإيدز في ''كيجالي'' قبل أن تصبح مديرة البروتوكول الرواندي· وإذا مضت المحاكمة قدماً، فإن محامي كوباي لن يدافعوا عنها فحسب، وإنما سيحاولون أيضاً استغلال المحاكمة لتوجيه اتهاماتهم إلى الزعماء الفرنسيين بارتكاب جرائم خطيرة، مما قد يجعلها واحدة من أبرز المحاكمات في التاريخ الحديث للقانون الدولي· وقد يقرر الزعماء الفرنسيون إخلاء سبيل كوباي تجنباً لهذا الإحراج· أما إذا لم يفعلوا، فقد يندمون مر الندم على الأشواط التي قطعوها على طريق عزل رواندا ومعاقبتها· ستيفان كينزر أستاذ الدراسات الدولية بجامعة نورث ويسترن الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©