الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مع صاحب الخلق العظيم

مع صاحب الخلق العظيم
16 يناير 2014 22:11
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد: نحن نعيش في هذه الأيام في ظلال شهر كريم، هو شهر ربيع الأول الذي نتفيَّأ ظلاله، ونتعلَّم من دروسه وعظاته، وما أجمل هذه الأيام!، إنها ذكرى مولد خير خلق الله محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، فما أجدر المسلمين أن يتعرفوا على عظمة نبيهم محمد- عليه الصلاة والسلام-، وأن يقرأوا سيرته العطرة في جوانبها المتعددة، إنها سيرة إمام المرسلين وخاتم النبيين، الذي حباه الله بالتكريم في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، «سورة القلم، الآية 4»، ونستعرض هنا بعض المواقف من سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم-: حِلْمُه - صلى الله عليه وسلم إنَّ صفة الحِلْم من الصفات التي يُحبها الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- قد اتصف بصفة الحلم والأناة، بل كانت صفةً ملازمةً له سائر حياته- صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه قال: «بينما كان أنس بن مالك- رضي الله عنه- يمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إذا بأعرابي يجذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ردائه جذبة شديدة، حتى أَثَّرَ الرداء في رقبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شدة جذبته، ثم قال الأعرابي بغلظة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفتَ إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وضحك، ثم أمر له بعطاء»، (أخرجه البخاري). انظر أخي القارئ إلى حِلْمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسعة صدره، وكيف قابل- عليه الصلاة والسلام- هذا السلوك المشين وهذا السفه من ذلك الأعرابي، فقد قابله- صلى الله عليه وسلم- بالحلم، حيث كظم غيظه - صلى الله عليه وسلم - وسامحه وعفا عنه، وهذا هو خلقه - عليه الصلاة والسلام-، كما جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من جرعةٍ أعظمُ أجراً عند الله، من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله تعالى»، (أخرجه البيهقي). صدقه - صلى الله عليه وسلم- الصدق من أكرم الصفات وأعظم الأخلاق، فهو خلق إسلامي رفيع، ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف دعا إلى مكارم الأخلاق، حيث مدح الله نبينا - صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، «سورة القلم، الآية 4»، وديننا الإسلامي دين الصدق، فالإسلام لا يقبل من أتباعه أن يكونوا كذابين؛ لما ورد في الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سُئِل: «أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، أيكون المؤمن كذاباً، قال: لا»، (أخرجه مالك)، ولقـوله - صلى الله عليه وسـلم-: «كبرت خيانة أن تحدث أخـاك حديثاً هو لك به مُصَدِّق وأنت له به كاذب»، (أخرجه أحمد والترمذي). ومن الجدير بالذكر أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم- كان يُعرف بالصادق الأمين قبل بعثته، فلما أكرمه الله بالرسالة ازداد تمسكاً بهذه الفضيلة حتى شهد له أعداؤه بذلك، وقد حثّ - عليه الصلاة والسلام - على ضرورة الالتزام بها، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وما يزالُ الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكُم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً»، (أخرجه مسلم). لذلك فقد أرشدنا - صلى الله عليه وسلم- إلى وجوب تنشئة الأبناء على خُلُق الصدق حتى يشبوا على ذلك، فمن شبَّ على شيء شاب عليه، لما ورد أن أم عبد الله بن عامر بن ربيعة - رضي الله عنها - دعت ولدها عبد الله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتها، فقالت لولدها: تعال أعطك شيئاً، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم-: ماذا أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «أما إنك لو لم تُعْطه لَكُتِبت عليك كذبة»، (أخرجه أبو داود). عفوه - صلى الله عليه وسلم - العفو من الصفات الكريمة والسجايا الحميدة التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، لذلك فقد حثَّ الله سبحانه وتعالى عليها في قوله: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة آل عمران، الآيتان 133 - 134»، وقد أمر الله - عزّ وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عن الناس، كما جاء في قوله- سبحانه وتعالى-: (فَبمَا رَحْمَـةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنــتَ فَظًّا غَلِـــيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضّـُواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُـمْ وَاسْـــتَغْفِرْ لَهـُمْ وَشَاوِرْهُـمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْـتَ فَتَوَكَّـلْ عَلَى اللّـهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، «سورة آل عمران، الآية 159». إنَّ العفو عن المسيء من أفضل الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ولو علمنا ما في العفو من حكمة وسلامة وأجر، لأسرعنا بالعفو والصفح عن زلات المسيئين. لذلك فإن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يحب العفو ويميل إلى الصفح، فقد ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء طوافه بالبيت، فلما دنا منه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «أفضالة؟!». قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنتَ تحدِّث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله!، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فما كان من فضالة إلا أن قال: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم، وزالت من قلبه العداوة، وحلت محلَّها محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. هذا الموقف يُبَيّن مدى سماحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعفوه عن الآخرين، وأنه كان يقابل الإساءة بالإحسان. حثه - صلى الله عليه وسلم - على الإحسان إلى الجار من المعلوم أنَّ مِنْ أهم ما عُني به الإسلام حق الجوار ورعاية حرمات الجار، حرصاً على سلامة النسيج الاجتماعي، وحماية له من الضعف والوهن، ليكون المجتمع المسلم كما أراده - صلى الله عليه وسلم - كالجسد الواحد، لذلك قال صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»، (أخرجه الشيخان)، ومن الجدير بالذكر أن الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، فأما الجار الذي له حق واحد فهو الجار الكافر، له عليك حق الجوار، وأما الجار الذي له حقان فجار مسلم، له حق الجوار والإسلام، وأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحمٍ، له حق الجوار والإسلام والرحم. وقد جعل نبينا - صلى الله عليه وسلم - الإحسان إلى الجار علامة على خيرية الإنسان وأمارة على صلاحه، كما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشريف: «وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره»، (أخرجه الترمذي)، كما ذكرت كتب الحديث أن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - ذُبحت في بيته شاة، فقال: أهديتم لجارنا اليهودي منها؟ قالوا: لا، قال: أهدوا إليه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، (أخرجه البخاري). وما من شك في أن الإحسان إلى الجار ومعاملته معاملة حسنة، ورعاية حقوقه وتحمل أذاه، يؤدي إلى حصول المحبة والألفة والمودة بين أفراد المجتمع، فالجار لا يستطيع الاستغناء عن جاره في جميع الأحوال، فمن حق الجار على جاره البرّ به، وتقديم العون له في الشدة والرخاء، فيشاطره حزنه، ويفرح لما يسره. هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع حبّ وودّ، ومروءة وخير، مجتمع متماسك البنيان، متوحد الصفوف والأهداف، كما في قوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)، (سورة الفتح، الآية 29). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ‎الدكتور يوسف جمعة سلامة ‎خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©