الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

جاستا .. تشريع «مقاضاة الدول» الأميركي يخالف القانـون الدولي ويهدد بإشاعة الفوضـى فـي العالـــم

جاستا .. تشريع «مقاضاة الدول» الأميركي يخالف القانـون الدولي ويهدد بإشاعة الفوضـى فـي العالـــم
30 سبتمبر 2016 02:29
دينا مصطفى (أبوظبي) أحمد السيد (القاهرة) دينا محمود (لندن) في سابقة تاريخية مرّر الكونجرس الأميركي مشروع قانون مقاضاة الدول الذي يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 برفع دعاوى قضائية ضد الدول الراعية للإرهاب، بدعوى أن عدداً من مواطنيها شاركوا في شن الهجمات. وما أن أسقط الكونجرس الأميركي الفيتو الرئاسي الذي استخدمه أوباما لمنع سَنّ القانون حتى توالت ردود الأفعال الغاضبة بما فيهم البيت الأبيض نفسه الذي أعلن أن تصويت الكونجرس بتمرير هذا القانون يسبب إحراجاً كبيراً للإدارة الأميركية، وتوالت التساؤلات عن أهمية سن القانون بهذه السرعة في هذا التوقيت بالذات؟ وكيف يشرّع الكونجرس قانونا كهذا ضد مبادئ القانون الدولي ينتهك سيادة الدول ويجرد الحكومات من حصانتها؟ وكيف سيؤثر القانون الذي يسمح بمقاضاة دول على خلفية أحداث 11 سبتمبر على العلاقات الأميركية الخارجية؟ وارتفعت أصوات أخرى تتساءل مستنكرة: كيف ستعمل الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى وهي تقاضيها؟ ورجح محللون أن قانون التعويضات الذي مرره الكونجرس ينذر بكارثة لأنه قد يتحول إلى أداة سياسية وورقة ضغط على حكومات الدول، وأنه سيضر بالعلاقات الخارجية للولايات المتحدة مع حلفائها وستكون له تداعيات خطيرة وعواقب وخيمة، ويشكل ظلماً للدول الأخرى التي ستسعى إلى المعاملة بالمثل وتقاضي بدورها الولايات المتحدة على الدمار التي خلّفته في أفغانستان والعراق الذي تسبب في مقتل آلاف الأبرياء. وأكدوا أن القانون لن يصمد أمام الجهات التنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية وقد يتم تعديله، لأنه سيحدّ من تدفقات الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة. كلاوسين: قانون يصعب تطبيقه اعتبر باتريك كلاوسين مدير الأبحاث في معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن قانون مقاضاة الدول الراعية للإرهاب قانون سخيف جداً، حسب قوله، ورأى أنه سيكون من الصعب تطبيقه، لأن مقاضاة دول بأكملها أمر ليس سهلاً وسوف تكون له ردود فعل كبيرة. وأكد كلاوسين المتخصص في الشأن الخليجي، لـ«الاتحاد» من واشنطن، أن الولايات المتحدة الأميركية قد وافقت على مدى عشرة أعوام على مقاضاة حكومات دول العالم المعترف بهم على قائمة الإرهاب لديها، وأنه كان شاهداً على أن أغلب هذه القضايا كانت مرفوعة ضد إيران، رفعها مواطنون أميركيون ضد حكومة إيران. وأوضح أنه بموجب هذا القانون ستتم إدانة حكومات هذه الدول إذا ما ثبت إمدادها للأفراد الذين قاموا بعمليات إرهابية بمساعدات مالية أو تدريبات أو تصريحات دخول أو غير ذلك من أشكال المساعدات. ورأى كلاوسين أنه من الصعب أن يقترب القانون الجديد من أيٍّ من دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي لعدة أسباب منها أنه ليست هناك أي دولة خليجية أمدت المتهمين في أحداث 11 سبتمير بالأموال أو السلاح أو غيرها من المساعدات، ولو أن هناك مواطنين متهمين من السعودية شاركوا في الهجوم، فإنه قبل اتهام الحكومة السعودية بالضلوع في الهجوم يجب أن يقدم محامو المتهمين أدلة دامغة على تلك المزاعم تجاه الحكومة السعودية، وهو ما لم يستطع أحد من المتهمين إثباته بالمناسبة طيلة الأعوام الماضية، حسب كلاوسين. وقال إن أسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر مارسوا ضغطاً كبيراً على أعضاء الكونجرس لاستصدار تشريع لمعاقبة المتهمين. وهم يستندون في ذلك -حسب كلاوسين- إلى العقوبات التي كانت مفروضة من قبل على إيران، وجعلتهم مصممين على محاكمة باقي الدول. ولفت كلاوسين إلى أنه لا يمكن التعامل مع القضية من هذا المنظور لاختلاف المواقف، فالحكومة الإيرانية تمت إدانتها بينما الحكومة السعودية لم تقترف شيئاً، وليست لها علاقة بالهجوم، حسب تحقيقات الحكومة الأميركية بعد الهجوم. وأقر بسخافة مشروع القانون، وقال إن المشروع يخالف القانون الدولي، وإنه قد تتم إدانة سوريا وكوريا الشمالية والسودان وليبيا لدعمها الإرهاب، وهناك إثباتات على ذلك، وهذا ما لا ينطبق على دول مجلس التعاون الخليجي. وتساءل: ماذا سيحدث إن نجحت العراق وليبيا وأفغانستان في مقاضاة الحكومة الأميركية بعد سن قوانين فيها لمحاسبة التدخل الأميركي الذي تسبب في قتل آلاف المدنيين.. ماذا لو نجح هؤلاء في مقاضاة الولايات المتحدة أيضاً؟ وأكد أن عائلات الضحايا يمارسون ضغطاً كبيراً على الكونجرس، مما دعاهم إلى الانتهاء أخيراً من مشروع القرار. وتوقع صعوبة تطبيق القانون. وأكد أن القرار بالفعل ضد مبادئ القانون الدولي ولكن هناك دائماً استثناءات في الحكومة الأميركية، وهذا ما دعا الكونجرس إلى العكوف عليه والانتهاء منه الآن. قانون «غير مسبوق» منذ نشوء أميركا من جانبه وصف الخبير في القانون الدولي د. سعد جبار ذلك التشريع بـ«الغريب والتعسفي، ويعتمد على قانون الغاب أكثر من اعتماده على القانون الدولي أو المبادئ والقوانين والقواعد التي تحكم العلاقات بين الدول المتحضرة». وأكد جبار أن هذا التشريع يخالف «اتفاقية فيينا» الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول، ويتنافى مع «العرف الدولي ويناقض القانون الدولي تماماً، لأن هذا القانون يحترم سيادة الدول، والدول لا تُحاكَم ولا تُجرَّم، بل الأشخاص هم من يُجرَّمون». ومضى الخبير القانوني الدولي قائلاً: «هناك ما يُسمى مسؤولية الدولة؛ إذا ارتكب موظفوها جرائم معينة وثبت ذلك بحقهم، وعندها على الدولة المعنية دفع تعويضٍ فقط». وأشار في هذا الشأن إلى قضية لوكيربي عندما أُدين موظف ليبي في عهد معمر القذافي بإسقاط طائرة ركاب أميركية فوق اسكتلندا فحينها «ألزم القانون الدولي الدولة الليبية وقتذاك بالتعويض لأن المدان كان موظفاً فيها». وشدد جبار على أن «الولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير قوانينها التي توسِّع اختصاص القضاء الأميركي في قضايا الإرهاب وغيرها.. فالنظام القضائي هناك يسمح برفع دعاوى مدنية ضد أجانب ودول أجنبية، حتى قبل أن تثبت إدانة هؤلاء الأشخاص أو الدول». واعتبر الخبير القانوني أن لهذا الأمر جانباً مالياً قائلاً: «الأميركيون يلجؤون إلى المحاكم المدنية لأسباب مادية بحتة.. ففي القضايا الجنائية يُعتبر المتهم بريئاً حتى تُثبت إدانته.. ولكن في القضايا المدنية لا تُتبع هذه القاعدة الصارمة، فلو كانت هناك نسبة شك أو احتمالية لإدانة الطرف المُدعَى عليه يمكن إلزامه بالتعويض أو مطالبته به». وفي هذا السياق، فإن المحامين الذين يمثلون ضحايا هجمات سبتمبر 2001 يطالبون –كما يقول جبار- بتعويضات «بمليارات الدولارات من دولٍ وشخصيات سياسية وغير سياسية، ولكن عبر دعاوى مدنية، قبل أن تثبت إدانة هذه الشخصيات جنائياً من الأصل.. والمحامون يستفيدون من رفع دعاوى بمثل هذا التعويض الضخم أمام المحاكم المدنية، في ظل عدم وجود قضايا جنائية ضد المدعَى عليهم في الأساس». وضرب مثالاً في هذا الشأن بقضايا تعويضات رفعها محامون ضد شركات التبغ الأميركية «وألزموها بدفع تعويضات 40 مليار دولار.. وهذه الأموال ينتهي جزءٌ منها إلى جيوب المحامين لا إلى جيوب الضحايا». وخلص جبار إلى أن التشريع الذي أقره الكونجرس الأميركي «غير مسبوق» منذ نشوء الدول بشكلها الحديث. وقال إن محاولة تطبيقه «ستربك الوضع الدولي.. كما سيصعب تطبيقه من الأصل، لأن أميركا ستواجه المعاملة بالمثل، فقد يرفع شخص عراقي مثلاً دعوى ضد الولايات المتحدة، ويقول إنها وراء قتل والده أو عمه وما إلى ذلك». بنيون: تبعات خطيرة لإقرار مشروع القانون الأميركي الجديد ويتفق مايكل بنيون الصحفي المتخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة الـ«تايمز» البريطانية، مع رأي جبار في ما يتعلق بعواقب تمرير مشروع القانون الأميركي، قائلاً إن محاولات تفعيله ستكون «غير حكيمة للغاية.. لأنه فضفاض ومن العسير تطبيقه». وأضاف «أي قانون يستهدف حكومة دولةٍ ما بسبب أفعال مواطنيها لا يؤتي ثماره عادةً ولا يحقق نجاحاً». وأشار في هذا الشأن إلى أن صدور «عددٍ من القوانين في الولايات المتحدة تستهدف الدولة الروسية على خلفية أشخاص قُتلوا وعُذبوا في هذا البلد.. لم تؤدِّ إلا إلى جعل العلاقات بين البلدين أكثر سوءاً». وحذر من تبعات إقرار مشروع القانون الجديد وتطبيقه قائلاً إن ذلك «يمكن أن يزيد.. من تعقيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول». ولم يستبعد الصحفي البريطاني أن يتسبب مشروع القانون «في حدوث فوضى في العلاقات الدولية». وقال إنه «إذا شعرت دولةٌ ما بأنها مستهدفة بهذا القانون على نحو مجحف، فربما ستقدم على الرد عبر اتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة». ولكنه قلل في الوقت نفسه من التأثير المتوقع لقانونٍ مثل هذا، مشيراً إلى أنه من غير المحتمل أن «تكون الولايات المتحدة بصدد تغيير علاقاتها مع باقي العالم بالكامل». وسائل إعلام أميركية وأوروبية تحذر: القانون يفتح أبواب الجحيم على أمريكا حذر سياسيون ومحللون أميركيون وغربيون من أن موافقة الكونجرس على إبطال نقض الرئيس باراك أوباما لمشروع القانون قد تسفر عن العديد من المخاطر غير مأمونة العواقب بالنسبة للولايات المتحدة نفسها وحلفائها الغربيين. ونشرت صحيفة «الواشنطن بوست» مقالاً لهيئتها التحريرية تؤكد تفهمها لتحذير أوباما في نقضه للقانون من أن دولاً أخرى قد تقاضي دبلوماسيين أو عسكريين أو شركات أميركية، بسبب أعمال منظمات تلقت دعماً أو تجهيزات أو تدريباً من أميركا. وقال محررو الصحيفة إن قلق الإدارة الأميركية له ما يبرره، خصوصاً مع استخدام الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأميركية للعمليات السرية وقوات العمليات الخاصة والطائرات بدون طيار لحماية المصالح الأميركية في العديد من دول العالم، والتي من الممكن اعتبارها «أنشطة إرهابية» ترعاها الولايات المتحدة. وأضاف المقال: «إنه حتى في حالة نجاح أي إدارة مستقبلية في منع دعوى قضائية شبيهة لتلك التي ينوي عائلات ضحايا 11 سبتمر تقديمها، فإن مجرد التقدم بتلك الدعوى قد ينتج عنه إثارة غضب البلد أو البلدان المستهدفة لأخذ إجراءات مماثلة ضد الحكومة الأمريكية». صندوق باندورا! أما الهيئة التحريرية لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فقد نشرت مقالاً عنوانه: «قد يبدو السماح للأميركيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية بشأن الأعمال الإرهابية فكرة جيدة. حسناً... إنها ليست كذلك». وذكرت في تقريرها أن هجمات 11 سبتمبر كانت أمراً مروعاً، وأن الخسائر التي منيت بها أسر الضحايا لا يمكن تعويضها، ولكن الحل لا يكمن في فتح «صندوق باندورا» (أسطورة إغريقية عن مخزن للشرور)، إذ إن المشاكل بين الدول ينبغي أن يتم حلها من خلال الدبلوماسية، وليس من خلال القضايا الفردية في المحاكم المدنية. وحذرت الصحيفة من أنه في حالة موافقة الكونجرس على تجريد الحكومات الأخرى من حمايتها في المحاكم الأميركية، فإن تلك الدول ستقرّ بشكل شبه مؤكد سياسات مماثلة ضد الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى فيضان من الدعاوى القضائية ومطالب التعويض عن الأضرار التي نتجت عن السياسات الأميركية حول العالم. وتابعت: «ونظراً إلى الدور الاميركي البارز في السياسة الدولية، فإن إمكانية تعرض الحكومة الأميركية لمثل هذا الإجراء من شأنه أن يسفر عن خسائر كبيرة لا يمكن تحملها». وضرب المقال مثلاً بالدعاوي القضائية المحتملة التي من الممكن أن تُرفع ضد الحكومة الأميركية، لا سيما بشأن اعتقال العديد من الأشخاص في معتقل غوانتانامو، والجرائم التي ترتكبها بعض الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد الأصول الأميركية في الخارج. ضرر بالغ! في خطاب مفتوح للرئيس أوباما، حذرت مجموعة من مسؤولي الأمن القومي الأميركيين من «الضرر البالغ وطويل الأمد» الذي سينتج عن بدء تطبيق هذا القانون، وأضاف الخطاب الذي وقّع عليه أيضاً عدد من مستشاري الأمن القومي للرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وبيل كلينتون «القانون سيقوض بكل تأكيد علاقاتنا مع حلفائنا ، وستضر علاقتنا مع كثير من الدول». كما أكد مندوب الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، والنائب العام السابق مايكل موكاسي، في مقال لهما على صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «مشروع القانون ينزع سلطات الأمن القومي من السلطة السياسية التي يمكن مساءلتها ممثلةً في الرئيس والكونجرس، ويضعها في يد القضاء، وهو الفرع الأقل اختصاصاً في التعامل مع القضايا الدولية». وأضاف الثنائي: «إذا كان المواطنون يعتقدون أن الرؤساء يتسترون على أمر ما، يمكن للكونجرس أن يتصرف. ولكن دعوة مجموعة من القضاة غير المنتخبين للتدخل في أمور السياسة وإعلان الحرب لهو حماقة في عصر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل». دور إيراني! من المثير في الأمر أن كثيرا من المحللين أشاروا إلى دور خفي لإيران وراء إصرار بعض أعضاء الكونجرس على إقرار القانون وإبطال نقض الرئيس الأميركي. وقالت كلير لوبيز، خبيرة شؤون مكافحة الإرهاب السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية والتي تشغل حالياً منصب نائب رئيس مركز السياسة الأمنية، في مقال لها على موقع «الدايلي كولر» إن اللوبي الإيراني، الذي أسهم بقوة في دعم الاتفاق النووي مع إيران العام الماضي، دفع باتجاه الموافقة على المشروع على أمل أن يطول السعودية. وأضافت «إيران بذلك تحاول مواصلة التهرب من المسؤولية عن دورها في تلك الهجمات، والتي أشار إليها العديد من الوثائق الأميركية مؤخراً»، مؤكدةً أن القانون يجب أن يستهدف إيران كهدف أساسي باعتبارها الدولة التي تواصل السعي نحو امتلاك أسلحة نووية بوتيرة متسارعة كان من المفترض إيقافها منذ زمن. وتابعت «إيران تدعم الآلاف من المرتزقة الشيعة الأجنبية الذين يقاتلون في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ناهيك بقوارب الحرس الثوري الإيراني التي تتحرش بسفن البحرية الأميركية في الخليج من حين لآخر». خسائر كبيرة عند بدء تطبيقه نشرت الشبكة الإخبارية مقالاً مشتركاً لجاك غولدسميث، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وستيفن فلاديك، أستاذ القانون في جامعة تكساس، أكدا فيه أن أوباما له كل الحق في نقض مشروع القانون. وقال الثنائي إن مشروع القانون الذي أقره الكونجرس لا يقدم تقريباً أي فائدة تبرر الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها الولايات المتحدة في حالة تنفيذه. وأضاف المقال: «بالإضافة إلى انتهاك ذلك المشروع للقانون الدولي وإمكانية تحفيزه لدول أخرى للسعي نحو انتهاك الحصانة السيادية للولايات المتحدة في محاكمها، فإن السؤال الحقيقي الذي ينبغي التركيز عليه هو ما الفوائد التي من المحتمل الحصول عليها في حالة إقرار ذلك المشروع وما إذا كانت تلك الفوائد أكبر من الأضرار المحتملة له؟». وتابع: «لجعل الأمر أسهل للقارئ، فإن التغييرات التي أضيفت إلى القانون في صيغته النهائية تجعل من الصعب على عائلات الضحايا المطالبة بتعويضات، كما أنه يمنح الإدارة الأميركية الصلاحية لتأجيل مناقشة تلك القضايا لوقت غير محدد، ما دامت وزارة الخارجية تؤكد أنها تُجري مناقشات بناءة مع الدولة الأجنبية المقصودة في ما يتعلق بتسوية المطالبات ضدها». وأضاف المتخصصان القانونيان أن التغييرات أسفرت عن نسخة مشوهة من مشروع القانون، والذي سيجرد الدول الأخرى من الحصانة السيادية وسيتسبب في الكثير من الضرر للعلاقات الدبلوماسية، كما أنه يكاد يحرم العائلات من التقدم بدعاوي قضائية بمطالبهم. مخـــاوف بريطانيــــة! نقلت صحيفة «التليجراف» عن مسؤولين أمنيين قولهم إن الحكومة البريطانية أبلغت واشنطن عن خشيتها من أن يؤدي القانون إلى مقاضاة أفراد الجيش والمخابرات البريطانية في المحاكم الأميركية، إضافة إلى احتمالية حدوث ذلك من أنظمة معادية. وقالت الصحيفة إن المسؤولين البريطانيين يخشون أن يسمح ذلك التشريع لدول معادية باتخاذ إجراءات قانونية ضد حلفاء الولايات المتحدة، ومنهم بريطانيا، وهو ما حذرت منه أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول أمني بارز قوله: «بغض النظر عن مدى حسن النية في هذا التشريع، فبعد تمرير الكونجرس له أصبح خطراً حقيقياً على الجنود البريطانيين العاملين في أجهزة الاستخبارات والأمن العسكري». وأضاف: «أي محاولة للتدخل في القوانين المتعارف عليها دولياً بشأن الحصانة السيادية يمكن أن تؤدي إلى تلقي الأجهزة العسكرية والمخابرات سيلاً من الدعاوى القضائية المفتعلة من أنظمة معادية». وفي نفس اليوم، نشرت الصحيفة مقالاً لهيئتها التحريرية تؤكد فيه أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر عدد من الدبلوماسيين والعسكريين وعناصر الاستخبارات حول العالم، وأي تقويض لمبدأ الحصانة السيادية قد يضعهم في خطر استهدافهم قضائياً من قبل الحكومات المعادية. كما أن وكالات الاستخبارات البريطانية تشعر بالقلق أيضاً إزاء الآثار المترتبة على ذلك التشريع، لأنه من الممكن أن يكونوا عرضة لدعاوى قضائية عدائية من المحامين الأميركيين الذين يحاولون إثبات أن الجهاديين الموجودين في بريطانيا شاركوا في مؤامرات إرهابية ضد أهداف أميركية. رفـــــض دولــــــي! ناشد الاتحاد الأوروبي أوباما التدخل لوقف المشروع، مؤكداً أنه يعتبر أن تبني القانون وتنفيذه قد تكون له عواقب غير مرغوبة مع تبني دول أخرى تشريعات مماثلة. وقال وفد الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في رسالة إلى وزارة الخارجية الأميركية نقلتها صحيفة «الواشنطن بوست»: «التبني والتنفيذ المحتمل لمشروع القانون سيتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي خصوصاً مبدأ حصانة سيادة الدولة». كما أعلن عضو البرلمان الفرنسى بيير لولوش، الذى يشغل منصب رئيس اللجنة البرلمانية للقانون الدولي، أنه سيعمل على إصدار تشريعات مماثلة في فرنسا تسمح للمواطنين الفرنسيين برفع دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة. ونقلت وكالة «رويترز» عن البرلماني الفرنسي قوله: «هذا القانون يشكل حافزاً للدول الأخرى لإقرار قوانين مماثلة في كل مكان، ومن ثم سينتشر مبدأ (دولة الغاب) حيث يقاضي الجميعُ الجميعَ». أما البرلمان الهولندي فقد أرسل خطاباً إلى الكونجرس اعتبر فيها القانون بمثابة «انتهاك صارخ وغير مبرر للسيادة الهولندية»، والذي قد يؤدي إلى «تعويضات فلكية». ردود أفعال أخرى انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة إسقاط الكونجرس حق النقض الذي استخدمه ضد تشريع يحمل اسم «العدالة ضد رعاة الإرهاب» . وبعد ساعات من موافقة الكونجرس بمجلسيه على إبطال الفيتو الرئاسي، اعتبر أوباما في تصريحات لمحطة «سي إن إن» الإخبارية التليفزيونية أن ذلك خطأ يُرسي سابقة خطيرة. كما أشار إلى أن التشريع الجديد من شأنه تعريض العسكريين الأميركيين لخطر الملاحقات القضائية من قبل دول أخرى، إذا لجأت حكومات هذه الدول لخطوات مشابهة حيال واشنطن. وقال أوباما «إذا ألغينا فكرة الحصانة السيادية (الممنوحة للدول).. فإن رجالنا ونساءنا من العسكريين حول العالم قد يكونون أنفسهم عرضة لمخاطر مماثلة». وأضاف أن قلة من المشرعين الذين أيدوا التشريع كانوا يدركون عواقبه المحتملة. وأشار إلى أن التصويت الذي جرى في الكونجرس في هذا الشأن كان ذا طابع سياسي. يشار إلى أن أوباما كان قد وجه رسالة إلى زعماء الديموقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ قبل التصويت على إبطال «الفيتو» قال فيها إن هذا القانون «لن يحمي الأميركيين من هجمات إرهابية كما أنه لا يحسّن فعالية ردنا في حالة حصول مثل هذه الهجمات». وبعد انتهاء جلسة المجلس، ندد البيت الأبيض بشدة بنتائج التصويت الذي جرى خلالها. وقال المتحدث الرئاسي الأميركي جوش إرنست، إن التصويت على هذا النحو يشكل أكثر شيء مخجل أقدم عليه مجلس الشيوخ منذ عقود. وبدوره، استبق مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان التصويت في المجلسين بإبداء معارضته الشديدة للقانون الجديد، الذي قال إنه ستكون له «تداعيات خطيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة»، وتبعات على «الموظفين الحكوميين الذين يعملون من أجل بلادهم في الخارج».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©