الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الماركات العالمية تأسر الشباب

الماركات العالمية تأسر الشباب
17 نوفمبر 2008 01:10
يتنافس الشباب على اقتناء أحدث ملابس الموضة وآخر صيحاتها التي تحمل توقيع أرقى الماركات العالمية، تتنوع بين التيشرتات والجينز الضيق والممزق، والملابس العادية والمهلهلة والفضفاضة، والأحذية والحقائب والإكسسوارات، ملابس بخيارات عديدة ومختلفة تلبي رغبة الشباب في تغيير المظهر الخارجي أو ما يسمى ''باللوك'' في لغتهم· يرى كثير من الشباب الذين تستبد بهم الماركات العالمية من اللباس أن هذه الحمى الاستعراضية ليست إلا إنعكاساً لما يعيشه سكان هذا البلد، من مواطنين ومقيمين على حد سواء، من رفاهية، كما أن الإقبال الكبير على شراء هذه الملابس يساير تحولاً في العقليات لدى الشباب الذين باتوا مقتنعين في قرارهم أنفسهم ، أنه لم يعد من اللائق بالشاب أن يلبس سروالاً رخيصاً أو قميصاً عن سر ولعها بملابس تحمل توقيع ماركات عالمية:''يعطيني ذلك راحة في التحرك أمام صديقاتي دون الإحساس بنقص، حيث أصبحت الجامعة مسرحاً للتباهي بالملابس ذات الجودة العالمية''، وعن أنواع الملابس التي تحب ارتداءها فقول: ''أحب كل ما يظهر للعيان من إكسسورات و شنط وأحذية''· أمّا زميلتها نهى، 19 عاماً، فتقول: ''لا أحب أن أكون أقل من صديقاتي، وكل يوم أرغب بشيء جديد، بحيث أمل بسرعة كبيرة من حمل نفس الحقيبة لمدة طويلة، أحب التغيير كثيراً، كما أرغب في شراء كل ما يلزمني بتوقيع ماركات معروفة، إذ أصبحت قيمة الفتاة أمام صديقاتها تقاس بمعيار ما ترتديه، ولا أريد أن أكون أقلَّ من غيري''· وتعلل فاطمة علي، 22 عاماً، اختيارها لملابس ذات ماركات معينة، بحبها لكل ما هو جميل وراق، فتصر على ارتداء جميع ملابسها بتوقيعات دور الأزياء العالمية من تيشرتات، جينزات، عطورات، إكسسوارات، وأحذية رغم عدم ظهور بعضها من تحت العباءة· بدوره مصطفى زين، 25 سنة، يؤكد عدم ولعه بالملابس العالمية، لأنَّها لا تمنحه بالضرورة كلَّ ما هو أنيق وجميل، على حدِّ قوله· في حين يقول صديقه عمار:''أحب الألبسة الجميلة والراقية، ولكنني أحاول أن لا أحمل والديّ ما لا طاقة لهما به، بصرف أموال طائلة من أجل إرضائي، بالإضافة لمصروف الدراسة، لكن هذا لا يمنعني من القول إنني عندما أعمل قد أشتري ما أريد، وبتوقيع أرقى الشركات''· ويؤكد سلطان محمد، أن اللباس الغالي الثمن يميز الفرد بين أصحابه، ويعطيه عنوان الغنى أو الفقر، ويقول:''أصبحت مسألة الحديث عن بعض الماركات روتينية، وبات البحث عن أرقاها هو الأهم، ورغم التزامنا بالزي المدرسي فإن عطلة نهاية الأسبوع تتيح لنا فرصة التجول بالمراكز التجارية الكبرى، والالتقاء مع أصدقائنا، وارتداء ما يحلو لنا من الماركات المختلفة، وخاصة الساعات والأحذية· رأي الأهل وللأهل رأي آخر، بحيث ترى بعض الأمهات ضرورة مسايرة العصر وتوفير ما يلزم الأولاد، رغم الغلاء الفاحش· حيث تقول سها سيف الدين، (موظفة): ''أحاول تلبية رغبات كل أولادي، لكنني غالباً لا أستطيع ذلك، فيقتصر الأمر على بعض المناسبات فقط كالدخول المدرسي أو الأعياد، لأن ذلك يفوق طاقتنا الشرائية، ورغم كل ما نقوم به من أجل إرضائهم فإننا نتعرض للانتقادات غالبا، بحيث يؤكد الأولاد أن هناك بين زملائهم من يلبس أفضل منهم، ويأتونا بأسماء ماركات لا نعرف حتى النطق بها''· في حين تقول غيداء حمد، (ربة بيت): ''ذهلت في بداية السنة الدراسية عندما أخبرني أبني الذي لا يتجاوز عمره العاشرة بأنه لا يريد المحفظة التي اشتريناها له من مركز تجاري، إذ قال إن جميع أصدقائه يحملون شنطا مدرسية مستوردة من الخارج، وقال إننا نعرضه للإهانة أمام زملائه بالفصل''· أما خولة عيسى، (ربة بيت) قالت:'' ليست بناتي من يطلبن مني ذلك، بل أنا كذلك أستمتع عندما أراهن يلبسن أرقى وأحلى الملابس موقعة باسم أكبر الشركات العالمية من أحذية وحقائب جلدية وأزياء أخرى تعبر عن الرقي والمكانة الاجتماعية، ورغم صعوبات الحياة لا أحب أن أراهن أقل من غيرهن، خاصة أمام أفراد العائلة الميسورة''· وإذا كان هذا رأي بعض الأمهات، فهناك رأي مناقض، وحلول مختلفة، إذ ترى أم جمال (موظفة) أنه لا حل لديها لإرضاء أولادها نسبيا إلا بتأمين ما يلزمهم من ملابس وأحذية وإكسسوارات، من شركات تعرض منتوجات مقلدة لمثيلاتها في الشركات العالمية، لكن بأسعار مناسبة· المراهقات زبائننا وتؤكد حسناء محمد (موظفة تسويق) بأحد المحال الكبرى للملابس العالمية، أن أغلب زبائنها من شابات في مقتبل العمر، يأتون جماعات وفرادى لاقتناء ما يلزمهن من الملابس على أحدث موضة، وتقول:'' نظراً للرفاهية التي يوفرها هذا البلد للمواطنين والوافدين على السواء، فإن جميع المراهقين وغيرهم من الشباب يحلو لهم اقتناء الملابس من ماركات عالمية، وغالبا ما تأتي للمحل فتيات في مجموعات يستشرن بعضهن البعض، لشراء هذا المعطف أو ذاك، أو هذه الحقيبة أو تلك، والغريب في الأمر أن بعض البنات يصرف أموالا طائلة لاقتناء بعض الملابس ليس لحاجتهن لها ولكن محاكاة لصديقاتهن أو تنافسا فيما بينهن''، وأحيانا تدخل بعض البنات للمحل دون أي خلفية مسبقة أو لها تصور معين لما تريد اقتناءه، لتخرج محملة بالكثير، فقط لأنها تحب الظهور أمام صديقاتها فتصرف أحيانا في ساعة واحدة ما يفوق راتبي الشهري''· و تضيف حسناء:'' لا يقتصر ذلك على البنات الميسورات، بل ينسحب إلى فئات متوسطة لا تملك ما تشتري به هذه الملابس، وتصرف في سبيل ذلك مصروف جيبها، خاصة بنات الجامعات، وتحرم نفسها من أبسط ضرورات الحياة''· رأي علم الاجتماع رداً على استفساراتنا التي تتعلق بولع الشباب بارتداء أرقى الماركات يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمارات، موسى شلال: ''تُعرف مرحلة الشباب بأنها تلك الفترة التي تعقب فترة المراهقة المبكرة بقليل، ويمكن حصرها بصورة عامة في المرحلة الجامعية وحتى ما بعد التخرج،· تتقد شمعة الشباب في هذه الفترة، و تعني أن هناك نضوجاً ما قد تم في الجوانب الجسدية والفكرية والنفسية، وفي المشاعر الإنسانية بشكل عام، وتبدأ شخصية الفرد تتبلور وتأخذ نمطاً جديداً مغايرا لما كانت عليه في الفترات السابقة، ويبدأ الشعور بفتوة الجسد واحتياجاته المتعددة، وبقوة العقل وإستيهاماته كذلك، وهنا يبدأ الأفراد في التطلع إلى المستقبل، ويسعون جاهدين إلى تلوينه بألوانهم الزاهية الوردية، كما تمتاز هذه الفترة عند الأفراد بأنها مرحلة اللهو الأخيرة قبل تكوين الأسرة والسعي إلى تحقيق متطلباتها الكثيرة غير المحدودة''· ويضيف: ''أفرز هذا الوضع الثقافي الاجتماعي السائد الآن في معظم مجتمعاتنا شباب اليوم وأطفاله، وتختلف بالطبع ثقافة اليوم عما ألفه آباء وأمهات وأجداد من ثقافات وتقاليد جعلتهم ما هم عليه الآن، رافضين هذه الهجمة الثقافية الشرسة، وأثرها على سلوكيات أبنائهم وأحفادهم'' اتركوا الشباب يستمتعون بمعطيات عصرهم وعن موقفه من الظاهرة يقول:'' فلندع شباب اليوم يستمتعون بشبابهم وبمعطيات عصرهم، إذ لا ضرر مما يفعلون، ولكن ليس كل ما يفعلون، ولا حرج أن يتنافس الشباب على اقتناء ملابس تحمل خطوط وتوقيع أرقى الماركات العالمية، أو غيرها ما داموا يستطيعون الدفع، ولكنها قد تصبح مزعجة للآباء عندما لا يستطيعون الحصول عليها مادياً حينها يمكن التدخل''· ويضيف: ''سبق أن سألت أحد أبنائي الذي تخرج من الجامعة حديثاً وما زال يبحث عن عمل، سألته لماذا يصنع من شعر رأسه ضفائر طويلة دون حلاقته، كتلك التي كان يفعلها الفنان الجامايكي مهندس موسيقى ''الريكي''؟ أجابني ببراءة مقنعة: ''هذه آخر فترة في حياتي قبل الولوج في دنيا المسؤولية من عمل وأسرة وخلاف ذلك''· ولما كانت إجابته صريحة ومقنعة لم أعترض ثانياً على مظهره هذا، وقد تخلص منه حقيقة عند استعداده لأول مقابلة عمل، وأيضاً قمت ببحث غير علمي على بعض الشباب متوسط أعمارهم 15 سنة تحضيرا للجواب عن استفساراتكم، وسألتهم لماذا يتنافس الشباب على اقتناء ملابس تحمل توقيع أرقى الماركات العالمية؟ أجابوا كلهم تقريباً أنها نوع من التميز عن الآخرين، وأكد كثير منهم أيضاً أنها ترضيهم نفسياً وتجعلهم يشعرون بإيجابية نحو أنفسهم''· تحت المجهر النفسي من جهته علم النفس يشرَّح الظاهرة ويعطيها بعداً مغايراً ومختلفاً، إذ يقول الدكتور النفسي، علي الحرجان:''إن المظهر الخارجي لا يغير أساساً من أساسيات النفس البشرية والمبادئ الشخصية، لذلك فإنَّ الشخص الذي يعتز بنفسه ويتقبلها لا يتأثر بتقييمات الآخرين، هذا التقويم أجوف ومظهري فقط، وأظن أن السعي وراء الماركات هو ضعف في شخصية الإنسان وسعي وراء إشباع نفسي غير حقيقي، ورغم أن المفاهيم أصبحت معكوسة إذ أنَّ الأكثر من الشباب يتمتع برفاهية مادية، بينما القلة القليلة ليس لها نفس المستوى، والضرورة دعت أن يكونا في مكان واحد كالجامعة مثلا، وذلك يفسح المجال للمنافسة على اقتناء ملابس تعزز الثقة بالنفس في نظر البعض، وليس هذا بالتصرف السليم، لأن من له الثقة بالنفس لن يجري وراء السراب، ولن يسعد بإتباع الموضة لأنها فقط سياسة شركات للترويج لبضائعها، وما قد يشتريه اليوم قد يظهر غدا متجاوزاً''· وينصح الدكتور علي الحرجان، الشباب قائلاً: ''يجب على الإنسان أن يجيز الأقنعة المشوهة والمزيفة بثقة عالية بإمكاناته الذاتية، ويذكر دائما أنه يملك مهمة خاصة في الحياة، تفرض عليه السعي وراء إبراز الجانب الإيجابي في داخله''· عاصفة ثقافية يقول أستاذ علم الاجتماع موسى شلال: ''تختلف فترة شباب اليوم عن فترة آبائهم من حيث معطيات المجتمع الثقافية الحديثة والمتجددة دوماً بفعل الطفرة الكبيرة في تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات، فقد انفتحت مجتمعاتنا العربية والتي كانت مغلقة لفترة طويلة على ثقافات المجتمعات الغربية بكل قوة وعنفوان، وعصفت هذه الرياح الثقافية الغربية ذات الاتجاه الواحد على مجتمعاتنا من كل جانب، وطالت كل شرائح المجتمع، خاصة شرائح الشباب والمرأة، وقد صادف ذلك فراغاً في التنشئة الاجتماعية لموروثاتنا من عادات وتقاليد وقيم ومعتقدات من جانب مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تسبب هذا الوضع في تلوين حياتنا الاجتماعية بألوان جريئة لم تشهدها مجتمعاتنا من قبل، وتتمثل هذه الألوان في إعلامنا المرئي بكل أطيافه، والذي وقع فريسة هذه الألوان الصارخة الجذابة''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©