السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصادات الإفريقية··· ومشجب السيادة الوطنية

الاقتصادات الإفريقية··· ومشجب السيادة الوطنية
15 نوفمبر 2008 02:25
رداً على السفير البلجيكي ''كاريل دي جاشت'' الذي انتقد ''الامتيازات الكبيرة'' التي يتمتع بها رجال السياسة الكونغوليون، ثارت ثائرة الرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا فاتهم بلجيكا بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده والبحث عن وضعها تحت الوصاية· ومع أننا لسنا بصدد تبرير أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الكونغولية، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أنه كلما وجه أحدهم انتقاداً لأحد القادة الأفارقة سارع هؤلاء باتهامه بمحاولة انتهاك سيادة بلادهم· ومن ذلك ما حدث مؤخراً في زيمبابوي، فعندما اشتدت عليه الضغوطات الخارجية بعد التلاعب بالانتخابات، أعلن الرئيس روبرت موغابي ودون تردد ''أن زيمبابوي ليست للبيع''، وكأن احترام نتائج الانتخابات الديمقراطية يشكل تهديداً لسيادة بلاده! فهؤلاء القادة الأفارقة اليوم، نصبوا أنفسهم كحامين للسيادة الوطنية، ثم استغلوا ذريعة الحفاظ عليها، لتبرير سياسات تنموية غير فعالة من جهة وجمود اقتصادي من جهة أخرى· ولا يمكن الاعتراض على أهمية سيادة الدول الإفريقية على أراضيها، ولاسيما سيادتها على ثرواتها الطبيعية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي· ولكن تدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد من أجل حماية هذه السيادة غالباً ما يفرز نتائج عكسية وسلبية، كما أنه يكرس تبعية الدول الإفريقية اقتصادياً للخارج· والحال أن الفترة اللاحقة على نيل الاستقلال شهدت قيام العديد من صناع القرار في الدول الإفريقية بوضع استراتيجيات تنمية اقتصادية مركزية مبنية على عدم التبعية، وذلك عبر استبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية، وفرض التعريفات الجمركية وغير الجمركية للحد من منافسة السلع الأجنبية وتأميم الشركات وتكريس احتكارات الدولة· ولكن للأسف، فقد فشل هذا الخيار الاستراتيجي على جميع الأصعدة· فعدم قدرة الاقتصاد على خلق الثروات من جهة، وقِدم المعدات الصناعية الإفريقية من جهة أخرى يشهدان على فشل هذه الاستراتيجية التي جعلت اقتصادات الدول الإفريقية تزداد اعتماداً على السلع المستوردة· كما أن استبدال المنتجات المستوردة بالصناعة المحلية باء بفشل ذريع، إذ إنه أدى إلى ارتفاع مهول في فواتير الاستيراد وزيادة العجز في الميزان التجاري وارتفاع الدَّين العام· واليوم تضم إفريقيا 14% من سكان العالم على رغم أن اقتصاداتها لا تمثل سوى 2,9% من الصادرات العالمية· كما أن سياسة التأميم واحتكار الدولة أدت إلى سوء الإدارة والتبذير وزيادة الدين العام· ومن المعروف أن العنصر الأساسي للسيادة الاقتصادية للدولة يكمن في الحرية والقدرة على الاختيار، ولذا فإن اعتماد مفهوم السيادة المطلقة قد أعطى لكثير من الدول الإفريقية الوهم بالحرية، لكنه، في نفس الوقت، عرض للخطر قدرتها على التطور نحو الحكم الذاتي· لأن هذا المفهوم المطلق للسيادة لم يفشل فقط عملياً، وإنما استعمل أيضاً كذريعة لتعطيل الإصلاحات· لذا ولغاية سنة ،1994 رفضت بعض الدول الإفريقية السياسات الداعية إلى التغيير وذلك بحجة الحفاظ علي ''سيادتها''· فحتى لو كانت توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قابلة للنقاش، فلا شيء يمنع أصحاب القرار هناك، من المباشرة بإصلاحات هيكلية كانت تفرض نفسها· وفي زيمبابوي والكونغو، كما في دول أخرى، لم يكتف القادة بوضع البلاد في حالة جمود اقتصادي باسم السيادة، بل سخروا أيضاً هذه السيادة لخدمة مصالحهم الشخصية· وخير مثال على هذا، هي سياسة الرئيس الكونغولي الأسبق موبوتو سنة 1974 التي هدفت إلى إعادة ممتلكات المقيمين في الخارج إلى أرض الوطن· فتحت غطاء سياسة ''إنماء قومية''، انتقلت هذه الممتلكات إلى أعضاء الحكومة وحلفائهم· وبينما كان القادة الأفارقة يتهمون الغرب بانتهاك سيادة بلادهم، لم يتوانوا هم عن سرقة أموال المساعدات الأجنبية لصرفها على حاشيتهم· فمعادلة السيادة مقابل الثروات المالية تعـــد من أهم أسباب عدم النمو والجمود المؤسساتي الذي تعيشه الكثير من الدول الإفريقية· والمشكلة هنا لا تكمن في حق الحفاظ على السيادة، وإنما تكمن في الوسائل التي تجعل الحصول على السيادة ممكناً· فالاندماج الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى فقدان الاستقلال، بل على العكس، إن الانفتاح الاقتصادي هو السبيل الوحيد لكي تحصل الدول الإفريقية على القوة الاقتصادية اللازمة، التي ستسمح لها باتخاذ قراراتها بدون أية ضغوط خارجية· وكمثال، فإن الصين لم تخسر سيادتها، عندما اختارت الانفتاح الاقتصادي، بل على العكس، بفضل حرية الاستثمار وحرية التبادل وتفعيل المنافسة، استطاعت الحصول على رؤوس الأموال والتكنولوجيا اللازمين لكل تحرر اقتصادي· ولذا، فإن الدول الإفريقية ستكون رابحة لا محالة إذا اتبعت هذا النهج· فإذا كان المبتغى هو التمتع بحرية القرار والوصول إلى السيادة الحقيقيــــة فإنه يجــــب علينا أن نتعلـــم أولاً كيف نصـــل إلى مرحلة الفعالــية، وهي مرحلــــة لا يمكـــن إدراكهـــــــا إلا داخـــل إطــــار يشجع على التبـــادل والانفتاح· لأن البلدان والاقتصادات المغلقة و''المحمية'' تفتقر إلى الحوافز والمسؤولية الضروريين لتحسين الأداء الاقتصادي· وعلى نقيض الأيديولوجيات السيادية التي يروج لها بعـــــض رجـــــال السياســـــة الأفارقة، تشكل الإصلاحات الانفتاحية، المتمثلة في حرية الاستثمار والإنتاج والاستهلاك وحرية التبادل، البوابة إلى الخروج من التبعية الاقتصادية نحو الاستقلال والسيادة الحقيقية· د· هشام الموساوي محلل اقتصادي بمركز التحليل الاقتصادي في فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة مشروع مصباح الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©