الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أغلفة الكتب ..عتبات الإبداع التي تأخذ بيد الجمهور للعالم المسحور

أغلفة الكتب ..عتبات الإبداع التي تأخذ بيد الجمهور للعالم المسحور
29 سبتمبر 2016 16:28
د. موزة آل علي بنظرة تأملية فاحصة في تراثنا العربي القديم في المشرق والأندلس سنعثر على مصنفات عديدة أولت اهتماماً بالعتبات في النص الأدبي، لاسيما عند الكتاب الذين عالجوا موضوع الكتابة، كـ «الصولي، وابن قتيبة، وابن وهب وابن الأثير» وغيرهم. فالصولي ركز في كتابه (أدب الكاتب) على العنونة وفضاء الكتابة، وأدوات التحبير وكيفية التصدير، والتقديم والتختيم. تتجلى العتبات بوصفها العلاقة التي توصلنا إلى الداخل، وهي أشبه بعتبة المنزل التي تربط الداخل بالخارج، ولا يمكن لذلك الداخل أن يكتشف كل مساحاته وجوانبه حتى يطأ تلك العتبة. وقد شهدت الدراسات والأبحاث السردية في السنوات الأخيرة اهتماماً ملحوظاً بالعتبات كما عند جيرار جينيت، هنري متران، شارل كريفل وغيرهم، كما ظهرت أهميتها عند النقاد العرب الذين فسروها بمصطلحات شتى: النص الموازي، المناص، محيط النص الخارجي، الموازيات، الموازي النصي. إن عتبات النص من عنوانات رئيسة وفرعية، وتصديرات، وإهداءات، وكلمات الغلاف وغيرها بوابات يمكن الدخول من خلالها إلى عالم النص، حيث تعطي القارئ تصوراً أولياً عن النص قبل قراءته. وقد حدد جينيت في كتابه (عتبات) جملة من الضوابط من نصوص مجاورة تجاور النص في شكل عتبات وملحقات أو توابع قد تكون داخلية، أو خارجية تساعدنا على فهم خصوصية النص الأدبي، كــ «أسماء المؤلفين، المقدمات، الإهداءات، الحوارات، الاستجوابات، العناوين والصور وغيرها، باعتبارها عتبات لها سياقات توظيفية تاريخية ونصية، ووظائف تأليفية تختزل جانباً مركزياً من منطق الكتابة». وهذا يعني أن للعتبات أهمية كبرى في فهم النص، وتفسيره، وتأويله من جميع زواياه، والإحاطة به إحاطة شمولية، وذلك بالإلمام بجميع تمفصلاته البنيوية المجاورة من الداخل والخارج. وكل عتبة تمثل التعبير عن موقف ما، وتضطلع بدور أساسي في ولوج القارئ إلى عالم الكتاب وتوغله التدريجي فيه، لأنها تحدد ملامح هوية النص، وتضيء إشارات دلالية أولية، تجعل القارئ يستبق معرفة النص الغائب من خلال المعطيات الأولية التي ينثرها الكاتب على معطيات النص، وفي مداخله الافتتاحية. الغلاف.. عتبة ضرورية يعد الغلاف عتبة ضرورية للولوج إلى أعماق النص قصد استكناه مضمونه، وهو جزء من نسيج القصة، ولوحة ضمن معمار النص. يحيط الغلاف بالنص القصصي، ويغلفه ويحميه، ويترجم رموزه الدلالية، وهو من أكثر المصاحبات النصية تنويراً للنص. يظهر على الغلاف الخارجي للنص الأدبي: اسم المؤلف، والعنوان، وجنس الإبداع، وحيثيات الطبع والنشر علاوة على اللوحات التشكيلية. ويمكن تصنيف اللوحات التشكيلية إلى نمطين: = تشكيل واقعي: يشير بصورة مباشرة إلى أحداث القصة أو موقف أو مشهد من هذه الأحداث، ولا يحتاج القارئ إلى بذل كبير في الربط بين النص واللوحة التشكيلية، وذلك لدلالته المباشرة على فحوى النص. = تشكيل تجريدي: يأتي على شكل علامات، وألوان، وأشكال هندسية تحمل دلالات مفتوحة وتحتاج من المتلقي إلى بذل جهد كثيف لفك رموزه وإدراك دلالاته، ولإيجاد العلاقة الرابطة بينه وبين النص. إذاً، يمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين والعلامات التصويرية والتشكيلية الموجودة في الغلاف الخارجي داخلة في التعبير عن الشكل الخارجي للقصة أو الرواية، كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات لابد وأن تكون له دلالة جمالية أو قيمية. فوضع الاسم في أعلى الصفحة لا يعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في أسفلها، ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثاً في الأعلى، إلا أنه يصعب على الدوام ضبط جميع التفسيرات الممكنة وردود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمكن أن يمارسها توزيع المواقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانية. أغلفة القصص الإماراتية بالنظر إلى أغلفة القصص الإماراتية نجد أنها تتنوع ما بين تشكيل واقعي وآخر تجريدي. في المجموعة القصصية (حقل غمران) للقاصة سعاد العريمي، يعبر تصميم الغلاف عن تشكيل تجريدي لمنظر تراب أو صخر منحوت على شكل إنسان يتداخل معه إنسان آخر وسط ألوان متدرجة وأشكال دائرية متعرجة، قد تكون للوحة علاقة مباشرة بالمضمون القصصي وبالعنوان «حقل غمران»، الذي يشي بالتحولات الاقتصادية التي طرأت على مجتمع الإمارات وما تلتها من تغيرات اجتماعية انعكست آثارها على الأسرة الإماراتية، فجاءت اللوحة تصويراً لواقع معاش، وتضميناً رمزياً له. كما تتداخل اللوحة التشكيلية في مجموعة (غشاوة) للقاصة عائشة الزعابي عبر علامات وألوان متراكبة تحيل إلى موضوعات قابلة لأن يتعرف عليها المتلقي، فالغلاف يعد لغة ثانية دالة وبشكل كثيف على فحوى النص، ولن يكون &ndash بطبيعة الحال &ndash دالاً على كل جزئيات وتفاصيل النص، إنما يقدم إضاءات أولية من شأنها أن تحقق التواصل المبدئي بين المتلقي والنص. جاءت لوحة الغلاف في هذه المجموعة على شكل سلسلة من اللوحات الجزئية، وكل لوحة فيها تقدم معنى ودلالة، فاللوحة الأولى تصور عين بشرية يغشاها الحزن والكآبة، وكأنها سئمت من واقع الحياة، ومن تباريح الزمن، في حين تصور اللوحة الثانية زهوراً صغيرة متناثرة على شكل نقوش زرقاء، واللون الأزرق عادة يدل على النقاء والصفاء. اللوحة الجزئية الثالثة كأنها قلعة أو بيوت قديمة تجسد الزمن الماضي والتراث التليد، ثم تأتي اللوحات الأخرى بألوانها الزرقاء تصور السماء والطبيعة، وتنبئ بنهار مشرق، وأمل قادم، فوراء الغيوم ماتزال شمس مشرقة. تعبر قصص المجموعة عن قلوب تشربت كؤوس الوجع حتى الثمالة، وركام من الألم الدفين في الأعماق، يخالجه بصيص أمل في الآفاق، فلا غرو أن تشكل اللوحات جانباً من المضمون، أو تعبر عن مشهد منه، ولاسيما أن اللوحات التشكيلية جميعها جاءت بشكل مستطيل، هذا الشكل الهندسي &ndash كما يذكر علماء النفس- شكل مضطرب غير ثابت، وهو مرحلة انتقالية يتحول فيها الفرد من نمط سلوكي إلى آخر ليتعايش بسلم أكثر مع ظروف الحياة، وهذا ما لمسناه في شخصيات المجموعة. وقد يسيطر على الغلاف صورة المؤلف نفسه، ففي مجموعة (مسافة أنت العشق الأولى) للقاص جمعة الفيروز، تطالعنا صورة المؤلف على لوحة الغلاف بخلفية سوداء قاتمة تنم عن الحزن والصمت، مع ألوان ضبابية منبثقة من الصورة.. والحق أن المؤلف هنا لا علاقة له باختيار الغلاف، لأن هذه المجموعة صدرت بعد رحيله، فجاء الإصدار كبرقية وفاء لإخلاصه، وآثاره الأدبية المتفردة، وهذا ما يجعلنا نقدم تفسيراً لصورة الغلاف. أما ألوانها القاتمة فدليل كاف على القلوب الحزينة والمتألمة لفراق فارس من فرسان أدب الإمارات، جسدت قصصه صورة معاناة المجتمع قبل النفط، ودلالات البحر والغربة، وعادات المجتمع. وبملاقاة العين لغلاف المجموعة القصصية (ماذا لو مات ظلي) لباسمة يونس، تلفت ألوانها الهادئة الأنظار باللون الأزرق الممتزج مع الرمادي، حتى بدا الغلاف بلونه الأزرق الباهت حاملاً دلالات الغموض والخوف، يتخلله اللون الضبابي المسيطر على الغلاف لتظهر على الجهة اليمنى في الأعلى صورة تجريدية لأشكال وزخرفات ومنمنمات تؤكد جانب الغموض والقلق والاضطراب، وهي عناصر لاقت حضوراً قوياً في قصصها بين لوم الآخر، وتقريع المجتمع، ومعاني الحرمان والقسوة في ظل حياة يكتنفها الخوف من المجهول. ولذلك فإن مساحات الفراغ المطلية بالرمادي توحي بالخواء والضياع والتيه، وكل ذلك يرسخ دلالات اجتماعية وفكرية ركزت عليها الكاتبة. وتنفتح مجموعة (خربشات على أديم الكثبان) للقاص علي الحميري نحو عالم النص بقضاياه ومضامينه، حيث الاتساق التام بين العنوان ولوحة الغلاف، فالصورة ترجمة للعنوان وللحالة النفسية والاجتماعية التي تعيشها الشخصية. الصورة التي يمثلها غلاف هذه المجموعة هي صورة يد تمسك يراعة وتخط بأناملها خربشات، وخطوط تشي عما بداخلها من أشجان وهموم، أفراح وأتراح، حكايا وقضايا. اللوحة مطلية باللون البني وتدرجاته، حيث غطى مساحة الغلاف بأكمله، وحسب رأي علم النفس في معاني الألوان، يشير اللون البني إلى العاطفة، وكأن تلك اليد أرادت أن تفرغ شحناتها الانفعالية على الورق، ليستريح الفؤاد من ضجيج الأخبار، وتداعيات الزمن. ويبقى لهذه الخربشات طابعها الثقافي الذي يعبر عن عالم القاص من خلال الصورة، أو يعبر عن الطبيعة الثقافية لشخصيات القصص. في مجموعة (الرحيل) للقاصة شيخة الناخي، تسيطر على الغلاف صور طيور مهاجرة أو محلقة بألوان زاهية وفي ظل أجواء يغلب عليها الطابع الرومانسي. تلك اللوحة الواقعية تشير بصورة مباشرة إلى أحداث القصة، حيث الانسجام التام بين لوحة الغلاف، ورسوماته، وأشكاله، وألوانه وبين العنوان ومضمون القصة. فالطيور بطبيعتها تهاجر وتترك المكان إلى ديار أخرى، كذلك الإنسان حينما يرحل ويودع المكان والأصحاب، يترك رحيله أثراً حزيناً لا يمحى، ودمعة لا تجف، يتضح ذلك من شخصيات القصة وجروحها الغائرة، وقلوبها الراحلة القابعة في أحضان الصمت. تعددت الألوان المشرقة في لوحة الغلاف، وتداخلت مع بعضها البعض، فكأن في ذلك إيماءة إلى التنبؤ بسعادة منتظرة. وبتأملنا للوحة غلاف (الرفض) لعبدالرضا السجواني، نجد نوعاً من التآلف والانسجام بين العنوان ولوحة الغلاف، فالصورة تكشف عن نفسها في شكل يدين بحجمين مختلفين، اليد الكبرى مفتوحة وملطخة بلون أحمر في حين أن اليد الصغرى تحاول أن تمتد أكثر لتصل إلى اليد الكبرى، وقد غلب عليها اللون الأسود. يمكن اعتبار اليد الكبرى (سلطة كبرى) تتولى زمام الأمور بالموافقة والرفض، في حين أن اليد الصغرى هي التابع المحكوم عليه بالطاعة والإذعان. وبقراءة القصص تتجلى حقيقة الرفض (رفض الأب، رفض المجتمع، رفض الواقع... إلخ) الذي يحيط بالشخصيات المأزومة التي تعاني انشطارات عذابية وتخلد إلى السكون. كما أن للألوان إيحاءاتها، فاللون الأحمر يدل على الدم، في حين أن اللون الأسود يوحي بالحزن والكآبة. وفي مجموعة (الشقاء) لعلي الشرهان، يتصدر الغلاف رسمان متداخلان: رجل وامرأة يأخذان حيزاً من الغلاف، ولوحة أخرى تمثل المفارقة بين زمن ما قبل النفط وزمن النفط متجسدة في صورة بيت قديم وسعف النخيل مقابل بناء على شكل مصنع. والعلاقة بين العنوان وصورة الغلاف هي علاقة تعضيد وتجاور، تآلف وتجانس، فمن خلال اللوحة التشكيلية الواقعية المجسدة للعنوان تتراءى أمامنا صورة الشقاء في معاناة الإنسان وصراعه من أجل لقمة العيش قبل ظهور النفط، ثم تأتي الطفرة الاقتصادية حاملة معها تغيرات اجتماعية تضفي على حياته جانباً من الترف ورغد العيش بعد شقاء طويل. تصور اللوحة واقعاً عاشه الأجداد والآباء قديماً، وإضاءة أولية لمضمون النص قبل أن يشرع المتلقي في القراءة، والنص في حد ذاته صراع من أجل البقاء والاستمرار في الحياة، والبحث عن الذات، وعن واقع أفضل للنفس البشرية. أما في مجموعة (خان) لإبراهيم مبارك، فتسيطر على الغلاف هيئة رجل يبدو من ملامحه انتسابه إلى بيئة آسيوية، وبالنظر إلى العنوان ذي الصلة بالغلاف تتضح الصورة أكثر للولوج إلى مداخل النص، وبالعودة إلى المتن الحكائي نكتشف أن (خان) تعبير عن مضمون رمزي لفئة العمالة الوافدة، وما تركته من آثار ونتائج وخيمة على المجتمع، كالسرقة والتسلل والاحتيال والاعتداء.....الخ، فالصورة تكشف عن نفسها متجسدة في شخص الآسيوي بشعره الكث، وقسماته الحادة، وعينيه الجامدتين، وبجانبة صورة ساعة وكأنها إشارة إلى فترة زمنية انتقالية عاشها مجتمع الإمارات. نستخلص من ذلك كله تنوع أغلفة القصص الإماراتية ما بين لوحات تشكيلية واقعية تشير بشكل مباشر إلى أحداث القصة كي يتمثل القارئ أحداث القصة وكأنها تجري أمامه، وأخرى تجريدية تحمل دلالات مفتوحة في حاجة إلى التأويل، وكلها تشي بعالم النص، وتؤهل القارئ للدخول قبل الخوض في عملية القراءة، وتعطيه فكرة أولية عن بعض قضايا النص ومحاوره. وتجدر الإشارة إلى أن دلالات الألوان في تحليل الغلاف تعد جزءا من الخبرة المعرفية استنادا إلى قدرة اللون على خلق سيولته الفنية والدلالية والرمزية في نسيج النص.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©