الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب دور الأب وراء انهيار الأسرة وخلق «جيل هش»

غياب دور الأب وراء انهيار الأسرة وخلق «جيل هش»
27 مايو 2014 21:36
لكبيرة التونسي (أبوظبي) اكتشفت أن ابني المراهق يتعاطى المخدرات، ويرافق أصدقاء السوء، رغم ما نوفره له من احتياجات مادية أسهمت في تسهيل حياته، وكنت مستعداً لتحمل مصاريف دراسته الجامعية في أرقى المعاهد والجامعات الدولية، لكن صدمت بهذه الحقيقة التي نقلتها لي والدته، هذا ما قاله أب رفض ذكر اسمه، والذي عبر عن مرارة ما يعيشه، مؤكداً أن دوره كان مكتملاً في الأسرة، وربط ذلك بتوفير كل احتياجاتها من أموال وخدم، رغم انشغالاته الكثيرة التي لا تسمح لهم بالتواصل والحوار ومعرفة شخصياتهم التي تغيرت مع مرور الوقت. تؤكد بعض الدراسات أن هناك آباء يقضون مع أولادهم ما يقارب دقيقة في اليوم بشكل فعلي، وتشير إلى أن هؤلاء الآباء يكتفون بتوفير الماديات ولا يدركون أهمية التواصل الفعلي، والجلوس مع الطفل ومرافقته بما يسد الجانب المعنوي لديه، في حين تعاني بعض الأمهات من تواجد فجوة كبيرة بين الأبناء والأب نتجة استمرار الغياب وعدم الالتفات للأبناء خاصة في مراحل النمو، وهناك من أكدت أن نظام حياة زوجها لم يتغير منذ أكثر من 15 سنة من الزواج، بحيث يأتي من العمل ينام قليلاً ثم يغادر البيت لمقابلة أصدقائه ليعود إلى البيت في موقت متأخر وينام من جديد، وتستمر قصص الإهمال وغياب فهم الرجل لأدواره في الأسرة مما ينتج جيلاً هشاً قابلاً للعطب في أي وقت. غياب الأب وتقول عائشة الحياني «موظفة»، وتمر بتجربة مع ابنتها المراهقة: «زوجي رجل مقتدر وله انشغالات كثيرة، يحاول أن يوفر لنا كل احتياجاتنا، له وظيفة كما يدير عملاً خاصاً لزيادة دخله، مما جعل وقته ضيقاً جداً، فلا نكاد نعرف عنه أية تفاصيل، كما لا يعرف عن أبنائه أية تفاصيل، لأنه أوكل لي تربية الأطفال ضمنياً، وأقول ضمنيا لأننا لم نتحدث في الموضوع، ولكن تكرار غيابه جعلني أتحمل المسؤولية قصراً، وكنت أستعين في بداية الأمر بالسائق والخدم، ولكن بمجرد تجاوز أولادي سن الطفولة صدمت بتساؤلاتهم وبالبحث عن والدهم في كل اتجاه، كانوا يرغبون فيه إلى جانبهم، ورغم ما كنت أقوم به من توليف بينهم فإنني كنت أشعر دائماً بفجوة تكبر، وفي النهاية اكتشف أن الأولاد لديهم فراغ عاطفي، في ظل عدم تواجد سلطة أو رادع، حيث باتوا يسلكون طرقاً غير سوية، وكانت صدمتي كبيرة حينما اكتشفت أن ابنتي تراسل وترسل صورها للبعض في ذلك العالم الافتراضي، الذي أصبح من الصعب جداً السيطرة عليه». فجوة كبيرة من جهتها، تقول نجاة الوافي إن غياب زوجها جعلها تعطي كل طاقتها لابنتها المراهقة، وتحاول ملء الفراغ الذي يمكن أن تعاني منه، فوفرت لها كل ما تحتاجه، بل تركت كل انشغالاتها وكل ارتباطاتها لتبقى بقربها، لتتفاجأ بأنها تقيم علاقات في الخفاء وتدخن، وأصبحت عنيدة لدرجة يصعب السيطرة عليها، وتوضح نجاة أن كل التضحيات من أجل ابنتها لم تشفع لها أمام إلحاح ابنتها، التي أصبحت تبحث عن قدوة في حياتها، وتوضح أنها أصبحت تلومها وتحملها مسؤولية غياب والدها عن البيت، وأن كل ما آلت إليه الأمور هو بسببها، وتضيف: «ليس هناك وجع أقوى من آلام عقوق الأبناء، أو عنادهم ورفضهم، فأنا أتعذب بسبب كلامها ومواجهتها، أدفن وجهي في يدي وأبكي، ولكن قلبي يرأف بها، فهي قطعة مني، وحاولت إرجاع والدها لمسؤولياته في البيت، لكن كانت هناك فجوة كبيرة جداً بينهما». أبحث عن والدي وإذا كان هذا رأي بعض الأمهات فهناك تجارب للأبناء أنفسهم الذين يطالبون بقضاء وقت نوعي مع آبائهم، مؤكدين أن الآباء لا يولونهم عناية كافية، إلى ذلك تقول فاطمة محمد (16 سنة)، إنها تحتاج إلى قضاء وقت نوعي مع والدتها، وتشير إلى أنها تغار من كل البنات اللواتي يفخرن بمرافقة آبائهن في المناسبات والفعاليات المدرسية، مؤكدة أنها تعيش فراغاً عاطفياً كبيراً، قائلة: أفتقد ذلك الرابط الذي يجمعني بوالدي، ولا ألمسه، لا أستطيع الوصل إليه، لم أنتبه سابقاً لهذه العلاقة رغم وجود فراغ داخلي كنت أشعر به دائماً، لكن اليوم أدركت أنني توصلت إلى السبب، وهو تواجد والدي في حياتي، وربما ما جعلني أنتبه هو علاقة زميلاتي مع والديهم، فأصبحت أبحث عنه في وجوه كل الرجال». من أجل أسرة مستقرة تعد الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، حيث يحمل كل من الأب والأم مجموعة من المسؤوليات والمهام، التي من أهمها اكتسابهم مجموعة من المهارات الهادفة للوصول لأسرة مستقرة منتجة تتمتع بعلاقة متوازنة بين جميع أفرادها. ويعد الرجل من أهم العناصر المكونة للأسرة، حيث إن العديد من القرارات والمهام تناط به، وبالتالي يحمل الرجل سواء كان أباً أو أخاً أو ابناً مسؤولية كبيرة في بناء أسرة سليمة والوصول بالأسرة لحياة يسودها التوازن النفسي، في هذا الصدد وإيمانا منها بالدور الأساسي الذي يقوم به الرجل في الأسرة وما يبنيه من استقرار نفسي وأمان بين مكونات الأسرة، تقدم مؤسسة التنمية الأسرية برنامجاً لتعزيز دور الرجل في الأسرة، والبرنامج عبارة عن ورش تدريبية متخصصة لتعزيز دور الرجل في أسرته وفي المجتمع، وينفذ في جميع مراكز مؤسسة التنمية الأسرية، ويستهدف الرجال والشباب في مجتمع إمارة أبوظبي. تعزيز دور الرجل عن الحاجة لهذا البرنامج، تقول فاطمة خميس المزروعي منسقة برامج وفعاليات ومسؤولة عن تنفيذ برنامج تعزيز المشاركة الإيجابية للرجل في الحياة الأسرية، إن البرنامج يعد من الفعاليات التي توليها المؤسسة اهتماماً كبيراً لتركيزه على إحدى الفئات المهمة في المجتمع وهو الرجل باعتباره صاحب القرارات ومن أهم العناصر المكونة والمؤسسة للأسرة بحكم دوره في المهام المنوطة إليه من توفير حياة آمنة للأسرة وأسس الاختيار الزواجي وتربية الأبناء وحل مشكلاتهم ومسؤوليته الكبيرة في بناء أسرة سليمة. مؤكدة أن المؤسسة تُعنى بكل فئات المجتمع من أطفال ونساء وكبار السن وشباب وشابات، لافتة إلى أن دور الرجل لا يقل أهمية عن باقي الأدوار، بل يعتبر الدور الأساسي في حياة الأسرة، التي يكسبها صحة واستقراراً وأماناً. وتوضح أن من أهداف البرنامج الفهم الواضح للتغيرات النفسية والاجتماعية التي يمر بها الأبناء، ويستهدف البرنامج الآباء والمقبلين على الزواج وطلبة الجامعات، ويتناول البرنامج عدة مواضيع منها الأسس الثقافية والاجتماعية والدينية في الاختيار الزواجي، وأساليب حل المشكلات وإدارة الصراع والرضا والتكيف الزواجي بالإضافة لدور الرجل في المراحل العمرية والمتغيرات، التي تمر بها الأسرة مثل الحمل والولادة وتربية الأطفال، كما يزودهم البرنامج بعدة مهارات منها مهارات التعامل مع الأطفال ومهارات التواصل والمهارات الاجتماعية. خريطة طريق آمنة يعبتر الدكتور بدر الجابري استشاري أسري وخبير استراتيجيات، أن الأب في البيت بشكل فعلي، يرسم خريطة طريق آمنة لأبنائه، ويجعلهم يشعرون بالأمان والاستقرار، موضحاً أن حضور الأب يجب أن يكون فعلياً بالتفاعل والحديث ومعرفة شخصيات الأبناء، وملماً بكل تفاصيل حياتهم، وليس بالحضور الجسدي فقط، موضحاً أن أكثر من 90 ? من الأسر ينعدم بها الحوار، فمن خلال 300 استشارة أسرية أكثر من 90? منها يتحدث عن عدم وجود حوار بين أفرادها، مع ملاحظة وجود نسبة عالية من الأمهات اللواتي يشتكين من انحراف الأبناء بسبب غياب الأب، وذلك ينعكس على حياة الأسرة، بشكل عام، وتأتي الأمهات للبحث عمن يعينها على الأولاد وخاصة المراهقين منهم، فهم في هذه المرحلة يحتاجون إلى سلطة الأب، والطفل في هذه المرحلة يعيش متغيرات يجب من يقدرها ويفهمها، فأول ما يرغب فيه هو فرض نفسه، وحينما لا يجد موجهاً أمامه فإنه يمارس رأيه وعنفه على الأخوات أو الإخوان الأصغر منه أو على الأم، كما أن حرية الفضاء أصبحت تساعد بشكل كبير على دخول عوالم غريبة ومحرمة، وفي هذا الصدد على الآباء مجاراة أنبنائهم وفهم ما يروج في هذا العالم الافتراضي، الذي حقق فجوة بين هذا الجيل والجيل السابق، ومن هذا المنطلق، فإن التربية بتواجد الأب أصبح أمرا ملحا. ويوضح الجابري أن بعض الآباء لا يكادون يعرفون أولادهم وطريقة تفكيرهم إلى أن يصدمون في يوم من الأيام بانحراف واحد منهم، مما يجعله يلقي اللوم على الأم، كما هناك من الأمهات من أصبحت تشتكي اعتداء ابنها عليها، وهناك من صدمت بمواجهة ابنتها، التي اكتشفتها تتبادل صورا ومشاهد غير سوية مع آخرين، فالتحديات أصبحت أكبر، لذا على الرجل أن يمارس مهامه ويتفهم احتياجات أبنائه، ويسد الفجوة التي قد تتواجد بينه وبينهم، لأن مهمته الأساسية هي تحمل المسؤولية تجاه أبنائه بعيداً عن المادة، ولكن من الناحية المعنوية أيضاً. أسعد بمرافقة والدي يشير محمد أحمد محمد «طالب»، إلى أنه سعيد بمرافقة والده في رحلاته البحرية القصيرة، ومجالس الأصدقاء، مؤكداً أن ذلك جعله مستقراً نفسياً، وواثقاً من نفسه، ويوضح: «أشعر أن والدي مختلف عن باقي الآباء، بحيث يفخر بمرافقتي، وأستشعر ذلك من طريقة حديثه عني، وكيفية تقديمي لأصدقائه ووصفه لي بأنني ذكي ولماح، ورغم ليونته فإنه شديد في بعض المواقف، وبالتالي فإنني أحاول إرضاءه وتلبية كل طلباته». نصائح للآباء وينصح الدكتور بدر الجابري استشاري أسري كل الآباء، ويقول: «مهما تعاظمت مسؤولياتهم، فالمسؤولية الأكبر هي الأبناء، فالكثير من الأمهات يتفاجأن بأولادهن يتعاطون المخدرات، والكثير يشتكين عناد أولادهن ومواجهتهن نتيجة غياب الأب وفقدانهن للأمان، كما أن الماديات الزائدة تعتبر مفسدة، وفي هذا الإطار فإن أغلب الآباء يحاولون التعويض عن غيابهم وانشغالهم بالمال وتوفير الحاجيات المادية دون توجيه، الأمر الذي يؤدي إلى تأسيس جيل هش سهل الانقياد، فالأولاد يحتاجون إلى توجيه ومصاحبة ومحاسبة وملازمة ومرافقة، كما يحتاجون إلى نصائح غير موجهة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©