الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خفض الميزانية الدفاعية... وتجاهل دروس التاريخ

خفض الميزانية الدفاعية... وتجاهل دروس التاريخ
30 يوليو 2010 22:24
أثارت خطط الخروج من العراق وأفغانستان ضجة كبيرة داخل الكونجرس الأميركي في ظل دعوات البعض إلى خفض موازنة الدفاع وتقليص بعض برامجها، وهو ما عبر عنه رئيس لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ، دانيال إينوي، بقوله: "أنا على يقين بأن خفض الموازنة العسكرية قادم لا محالة"، هذا في الوقت الذي يسعى فيه وزير الدفاع، روبرت جيتس، إلى إلغاء العديد من البرامج العسكرية وادخار ما يستطيع ادخاره من الموازنة الحالية. والحقيقة أنه إذا كان هناك من دليل يثبت استحالة التعلم من التاريخ، أو على الأقل صعوبة ذلك على بعض السياسيين، فهي هذه الدعوات المطالبة بخفض الإنفاق العسكري وتقليص عدد الجنود. وقبل أن يسارع المشرعون في الكونجرس الأميركي إلى إقرار خفض الموازنة العسكرية عليهم أن ينظروا أولا إلى نتائج المحاولات السابقة في هذا المجال والاستفادة من دروس التاريخ، وللتذكير فقط، فقد تراجعت القوات المسلحة، مباشرة بعد الثورة الأميركية وتحقيق الاستقلال، حيث تقلص عددها من 35 ألف رجل في عام 1778، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من رجال المليشيات، إلى مجرد 10 آلاف رجل بحلول عام 1800، والنتيجة أننا عجزنا عن محاربة التمردات الداخلية مثل "تمرد الويسكي"، و"الحرب مع فرنسا"، فضلا عن الحروب التي سمينها نحن "حرب القراصنة" في ساحل البحر الأبيض المتوسط في عام 1812. وبالطبع كان يمكن تفادي تلك الحروب لو أن الجمهورية الأميركية الناشئة شكلت جيشاً قويّاً وأسطولا بحريّاً قادراً على زرع الخوف في نفوس الأعداء سواء في الخارج، أو الداخل. وبالمثل انكمش عدد الجنود الأميركيين بعد الحرب الأهلية من مليون جندي في عام 1865 إلى 50 ألفاً في عام 1870، وهو ما صعب عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، بحيث لم يكن هناك ما يكفي من الجنود لضمان تطبيق القانون في الولايات الجنوبية والتصدي للحملات الإرهابية للجماعات العنصرية البيضاء التي كانت تستهدف الأميركيين من أصول أفريقية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى انخفض عدد القوات المسلحة من 2.9 مليون رجل في عام 1918 إلى 250 ألفاً في عام 1928، وهو ما قوى من احتمالات اندلاع حرب عالمية ثانية، كما جعل معاركها الأولى أكثر تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة، ولنتخيل كيف كان هتلر سيتصرف في عام 1939 الذي انطلقت فيه اعتداءاته على الدول المجاورة لو أن الولايات المتحدة احتفظت بالآلاف من الجنود في فرنسا وبولندا عقب خروجها منتصرة من الحرب العالمية الأولى، ففي تلك الحالة ما كان هتلر تجرأ أصلاً على شن هجماته الكاسحة، أو حملاته الجوية المروعة. وعلى غرار ذلك كانت اليابان ستفكر مليّاً قبل مهاجمة "بيرل هاربر" لو أدركت أن أراضيها ستتعرض لهجوم مدمر من قبل الأسطول الأميركي وحاملات الطائرات، ولكن ذلك لم يمنع مع الأسف من استمرار تقليص القوات المسلحة بعد الحرب العالمية الثانية حيث تراجع عدد القوات من 12 مليون رجل في عام 1945 إلى 1.4 مليون في عام 1950، فكانت النتيجة أن المجندين الجدد الذين ينقصهم التدريب الجيد والمعدات المناسبة كادوا يتعرضون لهزيمة في الحرب الكورية من قبل الشمال الكوري، وهو الأمر الذي ما كان له أن يحدث لو لم تتفسخ القوة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ولو لم يرسل السياسيون الأميركيون إشارات قوية بأن كوريا الجنوبية توجد خارج "النطاق الدفاعي". ومع ذلك استمر النزيف في عدد القوات المسلحة بعد الحرب الكورية من 3.6 مليون رجل في عام 1952 إلى 2.5 مليون في عام 1959، وفي تلك الفترة أيضاً تبنى الرئيس "إيزنهاور" نظرية دفاعية جديدة تعتمد على الأسلحة النووية غير المكلفة لردع الاتحاد السوفييتي ومن يدورون في فلكه بدل الاحتفاظ بجيش كبير وباهظ التكلفة، ولكن هذه الرؤية أدت إلى الإخفاق في حرب فيتنام لأن الجيش لم يكن مهيأ لخوض حرب عصابات. وعقب الحرب في فيتنام تواصل تقليص عدد القوات المسلحة من 3.5 مليون رجل في عام 1969 إلى مليوني رجل في عام 1979، وهي فترة عرف فيها الجيش تدهوراً خطيراً في قيم الانضباط والكفاءة وتدنت فيها الروح المعنوية للجنود، ما شجع العديد من الخصوم في بلدان أميركا اللاتينية وفي إيران على التمرد وقلب الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى تشجيع الاتحاد السوفييتي على غزو أفغانستان، وما إن انتهت الحرب الباردة وحرب الخليج الأولى حتى انخفضت القوات المسلحة مرة أخرى من 2.1 مليون رجل في عام 1989 إلى 1.3 في عام 1999 وهو ما نتج عنه في النهاية انتشار القوات الأميركية في أماكن متعددة من العالم وعجز الجنود عن مواكبة ذلك، وما زلنا نعاني إلى غاية اليوم من تداعيات التخفيض المتواصل في عديد القوات المسلحة الأميركية من خلال عجزنا عن التصدي للقراصنة قبالة السواحل الصومالية، مثلاً لا حصراً؛ ولو كان الإنفاق العسكري يهدد إفلاس الاقتصاد لأمكن تبرير الأصوات المطالبة بخفض ميزانية الدفاع، ولكن الأرقام تشير إلى أن الإنفاق العسكري لا يتعدى نسبة 4 في المئة من النتائج المحلي الإجمالي، وأقل من 20 في المئة من الموازنة العامة، وهو ما يعني أن تكلفة القوات المسلحة هي أقل مما كانت عليه طيلة القرن العشرين، وحتى بوصولها إلى 549 مليار دولار سنويّاً فنحن ما زلنا قادرين على الاستمرار في الإنفاق العسكري دون مشاكل. ماكس بوت كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©